بغداد ـ العالم
بعد سنة من الانتخابات البرلمانية وبعد شهرين من جولة خاطفة من الحرب الأهلية، تمكن العراق أخيراً من تأليف حكومة جديدة- كانت كما كل شيء في السياسة العراقية-مليئة بالمفاجآت.
ورأى الزميل الأول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات حسين عبدالحسين في "ناشونال إنترست" أنه رغم هيمنة كتل موالية لإيران، فإن الحكومة تضمنت وزراء وطنيين وملتزمين القانون ومن الممكن أن تتعامل معهم أمريكا، من أجل مواصلة بناء قدرات الدولة العراقية وتعزيز ديموقراطيتها الناشئة.
ونجم عن انتخابات 2021 هزيمة للنواب الموالين لإيران ونصر ساحق لكتلة مقتدى الصدر المعارض للميليشياتـ لكن قلة الحرفية السياسية للصدر دفعته إلى إعطاء الأوامر لكتلته، التي كانت الأكبر، للاستقالة. وأتاح هذا الأمر لرئيس الوزراء سابقاً نوري المالكي أن يعبئ الفراغ بمرشحيه، مما أدى إلى تزعمه الكتلة الأكبر وإملاء التشكيلة الحكومية.
وفي 13 أكتوبر(تشرين الأول)، تم تكليف محمد شياع السوداني تأليف الحكومة. وقال معارضون عراقيون إنه تم اختيار السوداني لأنه سياسي "احتياطي" يمكن أن يتلقى الأوامر من الكتلة البرلمانية الموالية لإيران.
السوداني ليس في جيب المالكي
وكان المالكي وكتلة دولة القانون التي يتزعمها من أشد الداعمين للسوداني. ومنذ إزاحته عام 2014، صار المالكي مهجوساً بالعودة إلى رئاسة الوزراء. وأدى دعمه للسوداني إلى جعل الكثيرين يعتقدون أن رئيس الوزراء السابق يتحين الفرص حتى يتمكن من العودة.
لكن تشكيلة حكومة السوداني تفترض أنه قد لا يكون في جيب المالكي، كما كان يسود الاعتقاد.
وأبقى السوداني على الكردي فؤاد حسين من الحكومة السابقة كوزير للخارجية، وعهد بوزارة الدفاع إلى ثابت العباسي من الكتلة السنية. والمفاجأة تعيين الجنرال الشيعي عبد الأمير الشمري وزيراً للداخلية.
وتتولى وزارة الداخلية مسؤولية معالجة رواتب الميليشيات الموالية لإيران، التي تعمل تحت مظلة الحشد الشعبي، بكلفة سنوية تصل إلى ملياري دولار.
ومع ذلك، فإن الشمري هو عسكري محترف لا يكن احتراماً كبيراً للميليشيات الرثة. وفي 2015، ذهب إلى حد إعطاء الأوامر بإقتحام مقر كتائب حزب الله، الميليشيا التي تعتبر أكثر ولاء لإيران في العراق.
ووعد السوداني في برنامجه الحكومي، بتوفير كل السبل المتاحة من أجل تطوير الجيش الوطني والشرطة الفيدرالية وتمكينهما، واصفاً الجهازين بأنهما "الضامنان للسلم الأهلي والأمن الوطني وإنفاذ القانون"، في انتقاد واضح للميليشيات الموالية لإيران، التي تزعم لنفسها الإضطلاع بمثل هذه الأدوار. ولم يذهب السوداني إلى حد الوعد بحل أو نزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران، لكن من خلال تعيين الشمري ودعمه للقوات الحكومية، فإنه قد يثير استياء الحشد الشعبي ومن خلفه إيران.
وديعة إيران؟
ومع ذلك، قدم السوداني لإيران وميليشياتها جائزة ترضية. إذ عين أحمد الأسدي، المعروف بولائه لإيران منذ وقت طويل والناطق السابق باسم الحشد الشعبي وقائد ميليشيا جند الإمام، وزيراً للعمل. والأسدي الذي زار الولايات المتحدة في 2015 للحصول على دعم للحشد الشعبي في أوساط الأمريكيين من أصل عراقي، معروف بمواقفه الزئبقية التي تخدم مصالحه الشخصية. فهل سيكون بمثابة وديعة طهران داخل الحكومة العراقية، هذا ما لا يزال يتعين معرفته.
وثمة نقطة مضيئة في الحكومة العراقية الجديدة تمثلت بوزيرة المال طيف سامي. وهي موظفة في الوزارة منذ 1985، وترقت في المنصب وحازت على ألقاب عدة، بما فيها المرأة الحديدية "والسيدة التي تقول لا يوجد مال". واشتهرت سامي نظراً لنزاهتها وتصديها للموظفين الفاسدين في الوزارة. وتلقت تهديدات عدة –وفي إحدى المرات- شاهدت اللصوص والميليشيات تحيط بمنزلها.
ولكن بدا من قبيل التوازن، أن عمد السوداني إلى تعيين إمرأة أخرى هي هيام كاظم المتحالفة مع المالكي، وزيرة للاتصالات.
ويبقى معرفة ما إذا كان شهر العسل العراقي سيستمر، وما إذا كانت بغداد ستستفيد من شخصيات مثل الشمري وسامي، أو ما إذا كان حلفاء المالكي سيربحون المعركة.