أشباح خوان رولفو تتردد في الادب الواقعي السحري
8-أيار-2024

سناء عبد العزيز
بلغت ترجمة رواية "بيدرو بارامو" للكاتب المكسيكي الرائد خوان رولفو إلى العربية أكثر من 4 ترجمات. ما سر الإقبال العربي على ترجمة هذه الرواية التي شغلت رائد الرواية الواقعية السحرية ماركيز وتركت فيه أثراً عميقاً وبالغاً؟ ماذا تحوي هذه الرواية وعم تتحدث؟ ومن هو كاتبها خوان رولفو الذي ظل فترة طويلة شبه مجهول؟
من الصعب أن تقرأ رواية "بيدرو بارامو" للكاتب المكسيكي خوان رولفو من دون أن تشعر بالانقباض، وعلى رغم ما يكتنفها من غموض، فأنت تواصل القراءة تحت تأثير سحر ما وقعت في أسره، بل يكاد يتضخم هذا الشعور داخلك، وتفكر بجدية في إعادة كل ما قرأته لتوك. والنصيحة التي توجه دوماً إلى القارئ هي أن يستمر في ترديد تعاويذ رولفو المخيفة حتى السطر الأخير، حين ينهار "بيدرو بارامو"، مثل كومة من الحجارة أمام خادمته المخلصة داميانا وأمامك انت القارئ. ومن تلك الحجارة المفككة، يمكنك إعادة البنيان على طريقتك ووفق تجاربك الشخصية، وحينها ستفكر وحدك من دون نصيحة من أحد، في قراءتها مراراً وتكراراً، لا بغرض الخروج بمعنى هذه المرة، بل لاستبقاء لحظات التوتر واستعذاب الألم.
لعل كاتباً بقامة غابرييل غارثيا ماركيز، لم تجلب عليه تلك الرواية إلا الأرق في الليلة التي وقعت في يده. كان الكاتب النوبلي يعاني احتباساً إبداعياً بعد صدور روايتيه، "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، و"جنازة الأم الكبيرة"، وبعد أن أعياه البحث عن طرق جديدة للكتابة أو حتى جذوة تشعل كومة الحطب الخامدة في رأسه، إذا بصديقه الكاتب ألبارو موتيس يفاجئه بزيارة ومعه رزمة من الكتب صعد بها الطوابق الستة على قدميه، وتناول من بينها أصغر كتاب ورماه صائحاً: خذ هذه اللعنة واقرأها كي تتعلم!
يصف ماركيز ويلات قراءة مثل هذه الأعمال المسكونة بالأشباح: "أخذتها، ولم أنم ليلتها إلا بعد أن قرأتها مرتين، وظللت طوال ستة أشهر غير قادر على قراءة أي عمل آخر"، لكن ما حدث بعدها كان بمثابة معجزة، "لقد عثرت على صوتي" وأنا أحاول اكتشاف الطرق السرية التي انتهجها رولفو في كتابة روايته الوحيدة، على مدار عام كامل لدرجة أنني أصبح بوسعي "قراءة الكتاب كاملاً من الأمام إلى الخلف وبالعكس من دون خطأ واحد". ومن رحم كومالا، البلد المبتلى بالإقطاعي "بيدرو بارامو"، خرجت ماكوندو، القرية الملعونة في رائعته "مائة عام من العزلة".
المدهش أن رولفو حين نشر روايته عام 1955، لم يتلق سوى ردود فاترة من ناشره بسبب مبيعاتها المؤسفة. قد يرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم شهرته ككاتب لم ينشر سوى مجموعة قصصية واحدة هي "السهل يحترق"، فضلاً عن أن رولفو لم يكن يعبأ بالشهرة ولا بالحياة الاجتماعية والأضواء. كان دائماً يجلس في أحد المقاهي في الركن الأكثر انعزالاً، وإذا ما دنا منه أحد، ظهر عليه النفور والانسحاب. غير أن الزمن وحده تكفل بتصحيح الخطأ، وفي ظرف سنوات قليلة ترجمت الرواية إلى 60 لغة وباعت أكثر من 10 ملايين نسخة، كما وضعت في قائمة أهم 100 كتاب في تاريخ الأدب العالمي.
تبدأ الرواية بشاب على قارعة الطريق، نعرف لاحقاً أن اسمه خوان بريثيادو، نظنه الراوي حين يعلن بضمير المتكلم: "جئت إلى كومالا لأنهم قالوا لي إن والدي يعيش هنا، شخص يدعى (بيدرو بارامو). أمي قالت لي ذلك". فجأة تظهر الأم في لحظة احتضارها توصيه بالبحث عن أبيه واسترداد حقه، "خذ منه غالياً ثمن النسيان الذي خلفنا فيه يا بني". بينما يحاول تمليص يده من يديها الميتتين، مؤكداً أنه سيفعل، فهل حقاً استطاع تخليص يده، أم ذهب بدلاً منها إلى العالم الآخر؟
الطريق إلى كومالا يأخذ تدريجاً في الانحدار إلى أسفل، مدحرجاً معه خوان وبغالا يدعى "أبونديو" التقاه وحميره في مفترق دروب، وكأنه ظهر بغتة لإرشاده في رحلة الهبوط الوعرة. في الوقت نفسه يشتد قيظ أغوسطوس (آب) مسمماً برائحة العفونة المنبعثة من نبتات الصباني، وكلما اقترب أكثر من وجه القرية الكئيبة أحس بالهواء يفرغ من حوله ولا يبقى سوى الصهد الخالص، على عكس الصورة الحالمة التي التقطها من عيني أمه، يجيبه البغال: إنه الزمن يا سيدي.
بعد هبوط طويل، يتخلله كثير من الصمت نعرف من أبوندو أن "بيدرو بارامو" مات، وأنه أيضاً ابن الرجل نفسه، فهذه الأرض ملك له، كما أن معظم أهل كومالا أبناؤه، والأمر، كما يقول "إن أمهاتنا، بسوء طالع ولدننا في سرير عابر". فإذا بسرب من الغربان يقطع السماء مصدراً نعيقاً.
ينبهه أبونديو قبل أن ينعطف بحميره أنه لن يمكث هنا إلا ما يستغرق إلقاء نظرة، ويقترح عليه النزول عند امرأة تدعى دونيا إدفيغتس إذا كانت لم تزل حية، فالقرية خاوية ولم يعد هناك من يسكنها. لهذا يلفه الصمت في شوارع كومالا وقت الأصيل، وقت يعلو فيه صياح الأطفال وصخبهم. لكن الغريب أن كومالا بأسرها لا يوجد فيها طفل واحد. وحين يطرق باب المرأة المقصودة يحس بيده في الفراغ وينفتح الباب من تلقاء نفسه بينما تقف إدفيغتس أمامه تخبره بأنها كانت تنتظره، لأن أمه التي كانت صديقتها الحميمية، أخبرتها بأنه سيأتي، "لكن أمي ماتت؟ ترد المرأة: هذا ما يفسر صوتها الضعيف كما لو أنه قطع مسافات طويلة".
وما إن يجتاز العتبة حتى ندخل معه مدينة الأشباح، حيث نتبين لاحقاً أن الغرفة التي بات فيها ليلته، شنق فيها أحد ضحايا بدرو بارمو وتركت جثته هناك لتجف خلف باب مغلق ضاع مفتاحه إلى الأبد. فما حقيقة كومالا التي أخبرته أمه أن عليه اجتياز اختناق لوس كوليموتيس ليصلها ومنحته عينيها كي يرى بهما؟
في الإسبانية: لفظة مشتقة من كومال، وهي مقلاة تستخدم لتسخين خبز التورتيلا، وفي الرواية "تقبع فوق جمار الأرض، في فم الجحيم تماماً"، مهجورة وحيدة، بيوتها خاوية وأبوابها المشققة غزتها عشبة الحاكمة، وصفها أبونديو له بأنها وباء، لا تنتظر إلا أن يذهب الناس حتى تهاجم البيوت.
ينتقل السرد من دون إشارة عقب لقاء خوان بالمرأة، إلى "بيدرو بارامو" وهو ما زال طفلاً يطير طائرته مع سوزانا المبللة الشفتين، وكأن الندى وضع قبلته على فمها، ثم تتواصل ذكرياته عبر الرواية من دون أن ينتبه إليها القارئ لأنها تقتحم الحاضر وتدل عليه، فهي تفسر كيف تحول من طفل بريء لا يلوي على شيء، إلى طاغية، عقب مشهد استيقاظه ذات ليلة بلا نجوم، على صوت نحيب أمه "لقد قتلوا أباك؟ وأنت يا أمي، من الذي قتلك؟" على رغم أن الأب لم يكن المقصود بالرصاصة في حفلة الزفاف، ينتقم بارامو من كل شخص حضر الحفلة ليبدأ عهد الرعب. يستولى على الأراضي ويقتل كل من يقف في طريقه ويغتصب النساء. وحين يذكره أحد رجاله بالقوانين، يتساءل باستنكار: "أي قوانين؟ من الآن فصاعداً، سنكون نحن من يسن القوانين".
ولد خوان رولفو عام 1917 في مدينة سايولا الفقيرة القاحلة. كان أهم ما يميز سكانها هو رغبتهم في الفرار من العنف وقسوة الطبيعة وإهمال السلطات. وعلى رغم ذلك، ظلوا ملتصقين بسهلهم المحترق وأراضيهم التي تصحرت، مذعنين للموت بلا أدنى مقاومة. عندما كان في السادسة من عمره، قتل والده على يد قطاع طرق، وهو الحدث الذي قلب حياته رأساً على عقب، ثم ماتت أمه وهو في الثامنة بعد معاناة مع المرض. هكذا قضى سنوات طفولته وصباه في دار للأيتام، وحين قدر له أن يعترك الحياة، اختار العمل في أرشيف الهجرة لأنه وجده الطريقة المثلى كي يبقى هادئاً ومنسياً، يقول في حوار سابق معه: "إنهم يستبدلون الوزراء والموظفين المهمين، أما نحن الأرشيفيون، فينسوننا".

مجلس الوزراء يصوّت على جداول موازنة 2024 ويحيلها إلى البرلمان لإقرارها
19-أيار-2024
إرتفاع "كبير" للنفقات التشغيلية والرواتب في الموازنة
19-أيار-2024
دفع مليار دينار لإعادة تكليفه النزاهة تطيح بمدير سابق بوزارة الصناعة
19-أيار-2024
الاتحادية ترد الطعن بدستورية نص بنظام توزيع المقاعد لانتخابات مجالس المحافظات
19-أيار-2024
التخطيط تعلن انطلاق التعداد التجريبي الشهر الحالي
19-أيار-2024
" " تنشر رد وزارة النقل على تقرير فساد مدير عام سكك حديد العراق
19-أيار-2024
التقاعد تعلن عن تبسيط اجراءات معاملات المتقاعدين
19-أيار-2024
مطالباً باعادة تأهيلها.. محافظ ذي قار مرتضى الابراهيمي يرافق وزير الصحة في زيارة الى مستشفى بنت الهدى التعليمي
19-أيار-2024
أبو ذر الغفاري.. السهم الاشتراكي
19-أيار-2024
الوصل الإماراتي يخطط لإحياء أمل الثنائية
19-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech