بغداد - العالم
صعدت تركيا في الآونة الأخيرة من إجراءاتها السياسية والاقتصادية ضد إسرائيل، بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، صاحبتها تصريحات تصعيدية للمسؤولين الأتراك في مختلف الأصعدة، منها الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
وحظرت تركيا جميع أنشطة الاستيراد والتصدير مع إسرائيل، معلنة أن المقاطعة ستستمر إلى أن “يتم تأمين وقف دائم لإطلاق النار وتوفير المساعدات الإنسانية في غزة”. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب مجموعة من القيود التجارية المستهدفة التي صدرت في 9 أبريل الماضي. ويرى مراقبون أن التصعيد التركي تجاه إسرائيل يبدو مختلفا عما سبقه، خصوصا فيما يتعلق بدرجة الحدة والتطورات التي تزامن معها خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان، والمرتبطة بالمواجهة بين إسرائيل وإيران.
ويقول عبداللطيف حجازي، رئيس التحرير التنفيذي لكتب المستقبل، ومتخصص في الشؤون التركية، في مقال نشر له بمركز الدراسات “المستقبل”، إن “تركيا اتخذت في الآونة الأخيرة إجراءات تصعيدية ضد إسرائيل، على المستويات السياسية والاقتصادية والدعائية، على خلفية الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وهي الإجراءات التي جاءت بعد مرور سبعة أشهر على هذه الحرب”، لافتا أن” أنقرة اكتفت في البداية بإدانة التصعيد الإسرائيلي، مع إطلاق التصريحات والبيانات المُنددة بالإجراءات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، علاوة على التصعيد الكلامي المتبادل بين الرئيس أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مما أدى إلى تبادل كل من أنقرة وتل أبيب سحب الدبلوماسيين”.
ويستدرك الكاتب أن “الموقف التركي تجاه إسرائيل اتخذ منحى تصعيديا مؤخرا، وهو التغير الذي يرجع إلى مجموعة من العوامل، بعضها يرتبط بالداخل التركي ونتائج الانتخابات البلدية التي أُجريت في 31 مارس 2024، والبعض الآخر يتعلق بالتفاعلات المرتبطة بتطورات حرب غزة ورغبة أنقرة في أداء دور أكبر في القطاع في اليوم التالي للحرب، كما اتخذت تركيا عدة إجراءات ضد إسرائيل، صاحبتها تصريحات تصعيدية للمسؤولين الأتراك على مختلف المستويات، منها الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل حيث أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 1 مايو الجاري أن أنقرة قررت الانضمام إلى الدعوى المرفوعة من قبل جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
وفي ذات السياق، انتقد وزير العدل التركي، يلماز تونتش، المحكمة الجنائية الدولية بسبب ما اعتبره “فشل مدعيها العام في إكمال التحقيق وفتح القضية ضد الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في فلسطين”، وشدد على أن الجناة واضحون ويجب فتح تحقيق فوري واتخاذ الإجراءات الاحترازية”، مضيفا أن التأخير في القضية يشجع الإسرائيليين، فضلا عن قطع العلاقات الاقتصادية، حيث أعلنت وزارة التجارة التركية، في 2 مايو الجاري، وقف جميع عمليات التصدير والاستيراد المرتبطة بإسرائيل، بما يشمل جميع المنتجات، وأكدت الوزارة أن تركيا ستستمر في تنفيذ هذه التدابير بشكل صارم وحاسم حتى تسمح الحكومة الإسرائيلية بتدفق غير متقطع وكافٍ للمساعدات الإنسانية إلى غزة”.
ويضيف عبداللطيف حجازي في مقاله، أن “هذا القرار جاء بعد أن قيّدت تركيا، بدءاً من 9 أبريل الماضي، تصدير 54 منتجاً إلى إسرائيل، في ظل ما اعتبرته الوزارة استمرار المذبحة والكارثة الإنسانية والدمار وعدم استجابة الجانب الإسرائيلي للجهود الدولية لوقف إطلاق النار ومنعها دخول المساعدات الإنسانية”، لافتا أن، أردوغان، أكد أن “حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل كان يصل إلى 9.5 مليار دولار، لكننا تجاهلناه وأغلقنا الباب”، مضيفاً: “لقد قتلت إسرائيل بوحشية ما بين 40 ألف إلى 45 ألف فلسطيني حتى الآن، ونحن باعتبارنا مسلمين لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي حيال ما يحدث. لقد اتخذنا الخطوات الواجب علينا اتخاذها”.
كما اعتبر استضافة المؤتمر الخامس لرابطة “برلمانيون لأجل القدس”: عُقد في مدينة إسطنبول، في 26 أبريل الماضي، ولمدة ثلاثة أيام، المؤتمر الخامس لرابطة “برلمانيون لأجل القدس”، تحت عنوان “الحرية والاستقلال لفلسطين”، بحضور أردوغان، ورئيس البرلمان التركي، نعمان كورتولموش، ومشاركة وفود برلمانية من 80 دولة، ونص البيان الختامي للمؤتمر على عدد من المبادرات والإجراءات الرامية لدعم القضية الفلسطينية، من بينها تأسيس مبادرة قانونية دولية يساندها البرلمانيون والبرلمانات؛ تتولى تنسيق جهود القانونيين العاملين على ملاحقة مجرمي “حرب الإبادة الجماعية” في غزة، ودعم حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل وداعميها. وفي كلمته بالمؤتمر، شن أردوغان هجوماً حاداً على إسرائيل ونتنياهو، وكذلك الدول الغربية التي تُقدم الدعم العسكري والسياسي لتل أبيب في حربها على غزة.
وأكد حجازي أن عددا من منظمات المجتمع المدني المنضوية تحت “تحالف أسطول الحرية الدولي”، على رأسها هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH) التركية، يعتزم إيصال آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق البحر، انطلاقاً من ميناء توزلا التركي الواقع على بحر مرمرة، لكسر الحصار المفروض على القطاع.
ويتكون الأسطول من ثلاث سفن على الأقل، مُحملة بخمسة آلاف طن من المواد الغذائية ومياه الشرب والمساعدات الطبية، ومئات الناشطين والأطباء والعاملين في مجال الإغاثة من أكثر من 30 دولة، وينتظر الأسطول الضوء الأخضر من السلطات التركية للإبحار.
وأشار إلى أن “أسطول الحرية الجديد يعيد للأذهان ذكرى حادثة “أسطول الحرية”، في مايو 2010، الذي نظمته أيضا هيئة الإغاثة الإنسانية وانطلق من تركيا، عندما اعتدت القوات الإسرائيلية على إحدى سفن الأسطول “مافي مرمرة” ما أسفر حينها عن مقتل عشرة أتراك كانوا على متنها؛ الأمر الذي تسبب في قطع العلاقات التركية الإسرائيلية. وثمة مخاوف من تكرار هذه الحادثة مع الأسطول الجديد حال قررت السلطات الإسرائيلية اعتراضه في البحر لمنعه من الوصول إلى غزة، مبرزا أنه كان من المُقرر أن ينطلق الأسطول من تركيا يوم 26 أبريل الماضي، غير أنه تم تأجيله أكثر من مرة بسبب تأخر الإجراءات في الميناء، إلا أن البعض يُرجع التأخير إلى ضغوط دولية على أنقرة. كما أن سحب جمهورية غينيا بيساو علمها من اثنتين من سفن الأسطول – وهو ما أرجعته اللجنة المنظمة إلى ضغوط إسرائيلية – أدى إلى تعقد مهمة إبحار الأسطول في القريب العاجل.
وعدد الكاتب مجموعة من الأسباب التي ربما تفسر التصعيد التركي ضد إسرائيل في الفترة الأخيرة، أهمها خسارة حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية، التي أُجريت في 31 مارس الماضي؛ إذ فقد الحزب 15 بلدية لصالح المعارضة من أصل 39 بلدية كان قد فاز بها في انتخابات عام 2019، وتراجعت نسب التصويت له إلى 35.5 في المئة مقارنةً بـ44.3 في المئة في الانتخابات السابقة، وربما كان أحد الأسباب الرئيسية لهذه الخسارة هو عدم استجابة حكومة أردوغان لمطالب الشارع التركي منذ بداية الحرب على غزة باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل.
واعتبر المقال أن بعض الأحزاب والمنظمات نظمت وقفات احتجاجية للضغط على الحكومة التركية، كان من أبرزها اعتراض بعض الأتراك، في مطلع مارس الماضي، طريق وزير العمل، إشيق هان، للمطالبة بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل وإغلاق الموانئ أمام سفنها، كما تزايد الغضب الشعبي التركي من حكومته بعد أن نشرت وسائل إعلام محلية، في 26 مارس الماضي، أي قبل نحو خمسة أيام من الانتخابات البلدية، بيانات رسمية صادرة عن هيئة الإحصاء التركية تُظهر استمرار الصادرات التركية إلى إسرائيل بما في ذلك العسكرية؛ إذ صدّرت أنقرة لتل أبيب، في يناير وفبراير 2024، ذخائر وبارود وقطع الأسلحة ومواد متفجرة بقيمة 150 ألف دولار.