السيد عمار ابو رغيف
القسم الثالث
كل هذه الملل والنحل تسكن معمورةً، قُدر لها أن يكون دستورها ليبرالياً حتى النخاع، يسمح للاّدين بكل أشكاله أن تينع ثماره في بستان التنوع المذهل الذي يعيشه الأمريكان منذ عقود.
نطرح الاستفهام: هل التعايش القائم في أميركا زواج كاثوليكي لا تنفصم عراه؟ طبعاً لا، فهذا التعايش كثيراً ما هددته اطروحة الفرقة الناجية، وكثيراً ما أثارت هذه الأطروحة الإشكالية هواجس الشك والريبة في نفوس اليهود أزاء حلفائهم الأنجيليين المحافظين، وفي نفوس هؤلاء إزاء اليهود، وأثارت وتثير تدافعاً قد لا ينضبط بين المسلمين وغيرهم بعد وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي هي بدورها نتاج أطروحة الفرقة الناجية.
إنَّ الدستور الليبرالي التعددي الأمريكي، وحركة التنوير المفتوحة على مصراعيها لم ولن تحوَّل نسبية الحقيقة ولا نهائية الدلالة، إلى حقيقة قائمة في نفوس الجماعات الدينية. كما أن واقع التعددية والتعايش الحذر في المجتمعات الليبرالية لم يستطع تجاوز إشكالية الفرقة الناجية. هذه الإشكالية التي تستمد مسوغاتها في كثير من الاحوال من متن النص الديني، وفي أحوال أخرى من فقدان «العدالة» في حروب الأمم وسلمها.
إذن! الأخلاق هي الفضاء النموذجي لمقاربة إشكالية الفرقة الناجية، ينبغي طرح الأفق العملي من خلال هذا الفضاء، لكي تتلمسه قراءة النص الديني بملابساته الكلامية واللاهوتية والفقهية. وهذا لا يعني إنكار دور البحث المعرفي والنقد التنويري للمذاهب الدينية. لكنني أصرُّ على أنَّ الأثر العملي لهذا الدور لا يمكن التوفر عليه دون التمسك بجد بمرجعية أخلاقية واضحة، وإلا فسوف يهوي هذا النقد المعرفي المقدس بذاته في مستنقع إشكالية الفرقة الناجية!
إنَّ فقدان «التواضع» المعرفي، الذي تمنى به اتجاهات الحل لإزمات التدافع والتزمت، يحوّل هذه الاتجاهات إلى النقيض، فتضحى نفسها اتجاهات متدافعة، تتحصن في خنادق القتال الغرائزي، وفكرها براءٌ مما تؤول إليه. حينما تتحالف الليبرالية والتعددية مع غرور القوى المؤدِّبة، التي تحمل رسالة القيمومة والإصلاح، فنحن والكارثة! وحينما يتراءى للعرفاء والسالكين أنهم القيمة العليا في حياة البشر الأدنين، فنحن والدنو من الكارثة!
إنَّ التعددية مطلب وطموح إنساني، وما لم يتحول الإيمان بحق الآخر في الاختيار إلى معتقد أخلاقي «بغض النظر عن طبيعة التحليل المعرفي لأسباب التعددية» فسوف يتعذر الوصول إلى نتائج إيجابية. لا على مستوى النقد الخارجي للفكر الديني، ولا على مستوى البحث الكلامي واللاهوتي من داخل الأديان. إذ يتعذر على النقد الخارجي للدين النأي بنفسه من الوقوع في وحل الفرقة الناجية، إذ طالما تحولت اتجاهات النقد المعرفي فضلاً عن السياسي إلى فرقة ناجية، تضاف إلى القائمة أو إلى عدو أيديولوجي للأديان، يُفسد على التعددية فضائها وفرص انتعاشها. أضف إلى أن الدرس الفقهي واللاهوتي والكلامي ما لم يفترض التعددية ضرورة إنسانية أخلاقية يتعذر عليه أن يبصر الإيجابي في ظل التدافع والصراع بين الأديان، هذا الصراع الذي تصطنعه عقول البشر ومصالح النخب وغرائز العامة.
6_ للدكتور نصر حامد أبو زيد تعليق على تأويل {يوخن هبلر} للحروب الدينية, حيث ذهب الأخير إلى نفي وجود أي علاقة بنيوية بين العنف والدين, وإنما يصبح الدين نوعاً من الإيديولوجيا التبريرية التي تسوغ العنف, فالدين بريء, وإنما تكمن المشكلة في قابليته للتأويل في سياق وظيفي إجتماعي سياسي بعينه, بينا ذهب الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى إن الإيديولوجيا قد تؤسس للعنف, وان في الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام دوجمات تستوجب التحليل النقدي الجاد للكشف عن انصهار التاريخي في النص المقدس.
من المؤكد أن أبا زيد سيمارس نقده لما دعاه بالدوجمات في الأديان الثلاثة إنطلاقاً من فروضه ورؤاه القبلية التي تعتمد تفسيراً خلافياً للتعددية, وهنا المشكلة مع الدكتور أبي زيد. وما سوى ذلك فإعتقادنا أن الحفر في النصوص الدينية وإعادة قراءتها وورود البحث في التعددية من داخل الفكر الديني, فرض على الفكر المستنير, الذي يتحمل مسؤوليته التأريخية.
أن إعادة قراءة إشكالية الفرقة الناجية من داخل الفكر الديني واجب تأريخي, شرط أن تتم هذه القراءة عبر فضاء نموذجي, يعتمد جهد الإمكان الفروض المقبولة عامة, ويستخدم آلية الحجاج الكلامي بروح عصره.
أسلمة العلوم وأدلجة المعرفة
أسلمة المعرفة الانسانية ظاهرة لها سياقها، شأنها شان كل ظواهر الوجود والحياة، ولكي نفهم هذه الظاهرة، ونستوعب مداها، ونقف على طبيعة مضمونها لابد لنا من استيعاب السياق الذي جاءت فيه:
أسلمة العلوم ظاهرة بدت بوادرها في النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم، وقد جاءت نتيجة من نتائج الجدل الفكري الماركسي ــ الاسلامي. ومن ثمَّ يتضح أنها جاءت في أطار ماساقته الماركسية من أتجاه في أدلجة المعرفة، وعلى هذا الاساس عطف عنوان دراستنا «أسلمة العلوم» على سياقها «أدلجة المعرفة».
الفرض الذي نريد البرهنة عليه في هذه الدراسة يقول:
(أن الايديولوجيا الماركسية طمحت الى أتخاذ المعرفة أداة ودعامة وسلاحا لرؤاها. وهذه طبيعة الأيدلوجيات الاطلاقية، بماتدعيه من يقين وشمولٍ واستيعاب وسلطنة على فهم الحياة والوجود والتاريخ، فهي تطمح أن يكون لديها علم نفس مؤدلج وعلم اجتماع واقتصاد وتاريخ، ولعلها تتجاوز أطار العلوم الانسانية في طموحها لتكون لها فيزياء وكيمياء مؤدلجة. وأن مشروع اسلمة المعرفة يقع في هذه السياق. رغم مايتمتع به من خصوصيات).
لنبدأ من التعريف بمصطلحاتنا، أذ الحدود والاصطلاح المعرَّف يجنب البحث كثيرا من الجدل العقيم، ويساهم بشكلٍ أساس في عملية التفهيم والايضاح، عسى أن ننأى بأنفسنا عن الاشكاليات المزيفة، فنتذكر سقراط ومطالبته بالتحديد والحد المنطقي، ونكرر مع (جورج مور) الفيلسوف الانجليزي: أن كثيرا من المشكلات الفلسفية مردها الى مغالطات لفظية، فنكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
الايديولوجيا
يقولون: أن المفهوم الحديث للايديولوجيا ظهر حينما وجد نابليون فئة من الفلاسفة{ الرافضين للمنهج الميتافيزيقي والساعين لاقامة العلوم الحضارية على قواعد أنثربولوجية وسيكولوجية } وجد نابليون هذه الفئة تقف موقفاً معارضاً لمشاريعه الاستعمارية، فوصفهم وصفا يتضمن الازدارء والاحتقار بأنهم «أيدلوجيون» ولهذا السبب تشربت الكلمة معنى سيئا وغير لائق.
وفي غضون القرن التاسع عشر شاع استعمال الايديولوجيا بهذا المعنى السلبي ليؤكد من خلاله رجال السياسة والحكم جدارتهم وجدارة فكرهم بالنسبة لاساليب التفكير التأملية المنعزلة عن واقع الممارسة والتطبيق. ومن ثم أضحت الأيديولوجية سمة تطلق على المفكرين النظريين ذوي النزعات التأملية.
وحينما جاء دور الماركسية أضحى مفهوم (الايديولوجيا) أشد التباسا، أذ اُستخدم التحليل الايديولوجي كأداة معرفية بيد الطبقة البروليتارية للكشف عن زيف منظومة الافكار الفلسفية والاحكام القانونية والتشريعات الاخلاقية التي تختفي وراء الطبقة البرجوازية وسلطتها السياسية،ومن ثمَّ تكون (الايديولوجيا) حجابا أمام الواقع،هذا الواقع الذي يتشكل ــ حسب الماركسية ــ وفق المعطيات المادية والاقتصادية. وما الإيديولوجيات الا بنى فوقية تنتجها التحولات المادية، فهي شعارات مؤقتة، تعبر عن مصالح طبقية لاغير .
«لقد أستعمل ماركس وانجلز في كتاباتهم المبكرة كلمة أيديولوجية أو عقيدة ليقصدوا العقيدة التي تحجب الواقع حصرا. وهذا هو المعنى المستعمل في (الإيديولوجية الالمانية) المكتوب في 1845. وعولجت الايديولوجية على أنها نظام للاوهام، والافكار الزائفة.... «أفكار الطبقة الحاكمة....وللطبقة التي لديها وسائل الانتاج المادية السيطرة على وسائل الانتاج الفكري في عين الوقت، بحيث تكون على وجه العموم أفكار المعوزين لوسائل الانتاج الفكري خاضعة لها»( ).
وحينما تظهر طبقة ثورية جديدة لها أفكارها الخاصة، فأنها تطرح الايديولوجيا على أنها تعمية للواقع...... ولكن ماركس لم يستعمل الايديولوجيا ليصف افكاره ذاتها، ولايستعمل الايديولوجيا كنظام من الافكار الشامل للافكار الاجتماعية لحركة الطبقة العاملة وبالتالي للاشتراكية العلمية الا في الادبيات الماركسية المتأخرة. ولينين يستعملها بهذا المعنى حيث يقول: { الخيار الوحيد هو: اما الايديولوجيا البرجوزاية وأما الايديولوجيا الاشتراكية.. وعليه فألانتقاص من الاشتراكية بأية طريقة أو الانحراف عنها بأقل درجة يعني تعزيز الايديولوجيا البرجوازية }( )
أذن فالمنظرون الماركسيون لم يألوا جهدا في طرح الايديولوجيا كسلاح للثورة العمالية. فأضحت الايديولوجيا في هذا الاطار مصطلحاً أخاذا تتداوله أدبيات اليسار بوصفها الدعامة والسلاح والمسوغ النظري لوجودها وحركتها.
ومن ثم أصبحت الايديولوجيا في الاستخدام الشائع المتداول عبارة عن مدرسة فكرية محددة المعالم تلقن الآدميين القيم والأهداف، وتحدد موقفهم أزاء الاحداث والإشكاليات لتضحى موجها لممارساتهم العملية. وقد سعى بعض المفكرين الاسلاميين الى أدلجة الدين، بالمفهوم المتقدم، لتتحول المفاهيم الدينية إلى أسلحة يستخدمها الإسلاميون في صراعهم الراديكالي مع النظم الاستبدادية، بل لتكون هذه الإيديولوجية برنامجاً عملياً في عملية التغيير والبناء الاجتماعي والسياسي.
وفي أطار حديثنا عن {أدلجة الدين}يطرح الاستفهام التالي: هل يصح طرح الاديان ايديولوجيات؟ وهل الاسلام كدين يصح طرحه كأيديولوجيا؟ ومتى طُرح الدين أيديولوجيا؟ وبأيّ من معاني الايديولوجيا يمكن طرح الدين؟ هذه اسئلة يضئ يحثنا الحاضر بعض جوانب العتمة فيها، لكنها تشكل أشكالية رئيسية تتطلب بحثا ودرسا مستأنفاً.
على أية حال أضحت الايديولوجيا التي تقدسها قوى التغيير الجذري ودعاة الراديكالية مطعنا على يد قوى المجتمع المفتوح وتيار التفكيك المعرفي، بل هي ــ من وجهة نظرهم ــ أساطير الاولين، التي لاترتبط بالعلم والمعرفة برباط وثيق. لقد اًصرّ فيسلوف العلم المعاصر الراحل { كارل بوبر} في نقده لمبدأ النمطية في تفسير التطور التاريخي على أن يعنوّن دراسته بـ{بؤس الايديولوجيا}، لان التفاسير النمطية للتاريخ [أي التفاسير التي تضع التاريخ في مراحل متتالية، وفي أطار أنماط أودوائر صاعدة ونازلة] تختفي خلفها رؤى أيديولوجية. وهذه التفاسير ــ من وجهة نظر بوبرــ تبتعد عن الصواب، وتتسم بالبؤس لانها تستند الى خلفيات بائسة،ومن هنا جاء نقد النمطية التأريخية لدى بوبر تحت عنوان {بؤس الايديولوجيا} ترجمة عبد الحميد صبره، دار الساقي،1992.
ونحن هنا لسنا بصدد تقويم وجهات نظر بوبر ومعالجة الاشكاليات، التي تلابس وجهات النظر المطروحة في تفسير التاريخ وتحديد هوية الاجتماع الانساني الاكثر عقلانية، أذ ينصب بحثنا على {أسلمة المعرفة}، وعلى وجه التحديد ينصب على أيضاح العلاقة بين أسلمة المعرفة وأدلجة العلوم. أنما نستطيع هنا أن نقرر قضيتين أساسيتين، نتخذهما مرتكزاً لبحثنا المقبل:
القضية الاولى: أن الايديولوجيا بكل معانيها الايجابية والسلبية تمثل من حيث الجوهر أحكاما قيمية وليست كشوفات ومعارف تصديقية، فألايديولوجيات وأن طرحت رؤى عقائدية وتصورات كونية، لكن اهدافها النهائية تتمثل في وضع قواعد للسلوك ومناهج للعمل، ومن ثم تتحدث عن ماينبغي فعله وعما لاينبغي فعله، فهي توجيهات عملية لسلوك الجماعات الانسانية بل لسلوك الكائن الانساني، وعلى هذا الاساس فهي لاتنتمي الى مقولة الكشف والحكاية عن الواقع، التي هي وظيفة العلوم. فالعلم يتحدث عن ماهو كائن. في هذا الضوء سيكون مفهومنا عن الايديولوجيا في المرحلة الاولى منصبا على جوهرها وغايتها القصوى، أي العنصر القيمي والتوجيهي، ثم نعود في مرحلة لاحقة للتركيز على الرؤى الكونية كعنصر من عناصر الايديولوجيات.
القضية الثانية: أننا لو سلمنا ببؤس الايديولوجيات في كشفها عن الواقع وفي قدرتها على بناء المعرفة ونظريات العلم فأننا لانسلم ببؤس الايديولوجيات في أثارة البحث العلمي، أذ ان تاريخ العلوم الانسانية ــ على الاقل ــ يشهد بوضوح على الدور الذي لعبه صراع الايديولوجيات في أثارة الاسئلة وتطوير نظريات العلوم الانسانية من أجتماع ونفس وتربية وتاريخ.
لنستمع الى رأي الدكتور أحمد أبو زيد أذ يقول:{ ليس ثمة مايبرر أنتشار الرأي القائل بأن علماء الاجتماع (الوضعيين) في محاولاتهم معالجة الظواهر الاجتماعية ... لايتأثرون بالايديولوجيات السائدة في عصرهم، بل الواقع عكس ذلك تماما... أنما نريد أن نقول أن النظريات الاجتماعية الكبرى التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أخذت في أعتبارها ــ بشكل أو بآخر ــ الايديولوجية الاشتراكية الماركسية ودخلت معها في حوار يختلف بين اللين والشدة، بين القبول المتحفظ والرفض القاطع، ومحاولة التوفيق بين مخلتف وجهات النظر. ومن هذه الناحية يمكن القول مثلما قال زايتلين أن الماركسية لعبت دوراً هاماً في تطوير النظرية الاجتماعية... من حيث أستثمارها لكثير من وجهات النظر المعارضة والمناوئة التي أدت في أخر الامر الى قيام عدد كبير من مدارس علم الاجتماع }( )
الماركسية في جوهرها ــ كما أشرت ــ أيديولوجيا تستند الى رؤية كونية. لكن هذه الايديولوجيا الفريدة من نوعها سعت أن تكون علما، أي انها استندت في نقدها وتفسيرها للتاريخ والاجتماع الانساني والاقتصاد والنفس البشرية الى ماأدعته من قاعدة علمية. لكننا أذا نظرنا نظرة تحليل علمي الى طبيعة الفكر الماركسي نجد أن هذا الفكر في نقده لعلم الاقتصاد السياسي وتحليله لتناقضات رأس المال وفي تفسيره للتاريخ وتحليله لقوى الاجتماع الانساني ونظرته للنفس البشرية كانت تحدوه رؤية كونية ومنظومة من المفاهيم الفلسفية والايديولوجية. أي ان الايديولوجيا سعت لتطويع المعرفة والعلم واستخدامهما اداةً لابراز حقانية ما تنادي به الماركسية من مطالب تتحدث عما ينبغي ان يكون عليه الاجتماع البشري والطريقة العادلة لحياة اقتصادية مثلى.
ماركس الذي أعتبر الايديولوجيا {وجدانا كاذبا} وحجابا أمام رؤية الواقع العياني كان آيديولوجيا في طريقة تحليله للواقع. وآية ذلك أن الماركسية تبنت مواقفا ترتبط بمابنبغي فعله وماهو حق في تحديد «القيمة» وطرح مفهوم (فائض القيمة) و(الملكية) ودور رأس المال والعمل في تحديد مصير هذه المفاهيم في الحياة الاقتصادية، وماهو حق وماينبغي فعله يرتبط بالايديولوجيا حتى أذا تلمسنا له مسوغات في ضوء معطيات العلوم.
فعلم الاقتصاد الماركسي استند الى درس علمي للاجتماع الانساني أعتمادا على مايدعى بالمدرسة التطورية في علم الاجتماع، وأتكأ في تفسيره للتاريخ على أساس رؤية فلسفية ذات معطيات أيديولوجية، كل هذه العلوم ــ سواء أكان الاقتصاد الماركسي أو الاجتماع الماركسي وعلم التاريخ وفلسفته ــ لم تنسلخ عن مواقف قيمية ايديولوجية.
لقد سعت الماركسية في تطوراتها اللاحقة الى تأسيس علم نفس ماركسي، بل علم فسلجة ماركسية، وهذا ماحصل بالفعل على يد عالم الفسجلة والنفس الروسي «بافلوف» حيث حاول الاخير أن يؤدلج علم النفس بإخضاعه لمعطيات المادية الديالكتيكية والنظرة النمطية التطورية للاحياء. يحدوه في ذلك الموقف من الميتافيزيقيا ونظرتها للنفس الانسانية. وهذا موقف أيديولوجي بلاشك، لان العلوم لاتستطيع أن تفتي في قضايا الميتافيزيقيا. طبعا العلوم بمفهومها التجريبي، الذي تتبناه الماركسية.