قصة مدينة اسمها الكويت
3-تموز-2025

د. شاكر الحاج مخلف

(الحلقة الخامسة)

وثائق مهمة من فترة حكومة الملك فيصل الأول
عندما قامت الثورة العراقية الشعبية في العام 1920 تضمنت المناشير السياسية الصادرة عنها المطالبة القوية بعودة الكويت إلى الوطن الأم، كما أكدت على ذلك تصريحات العديد من قادة الثوار وفي مناطق مختلفة من العراق، وتضمنت البيانات المنشورة عنها "أن انسلاخ الكويت عن البصرة كان بإرادة الاحتلال البريطاني وتواطؤ الشيخ مبارك آل صباح، وأن هذا التصرف غير قانوني وانفرادي وضد مصلحة العراق الوطنية". وكما يقول الباحث جان جاك بيوني في كتابه الخليج العربي، لولا تلك المحاولات التي خططت لها بريطانيا في تخطيط الحدود لكانت من الطبيعي جدا أن تكون الكويت جزءا من خارطة العراق السياسية الحديثة، في 28 تشرين الثاني سنة 1922 أقرت بريطانيا في مؤتمر عقد في ميناء "العقير"، ولأول مرة في التاريخ أسس حدود على أرض عربية عراقية لم تعرفها من قبل. وقد رأس المؤتمر "السير برسي كوكس" وفرض الميجر "مور" الوكيل السياسي البريطاني في الكويت نفسه ممثلا عن الكويت في المباحثات العراقية النجدية، وهو أمر لا يمكن الأخذ به في العرف الدولي، فكيف يمكن لحاكم أجنبي أن يمثل إرادة شعب المنطقة ويتحدث عنها ويفرض مخططات دولية على أرضها. وعليه فإن المؤتمر كان بعيدا عن إرادة الجماهير العربية وأن مقرراته تمثل إرادة المصالح البريطانية في المنطقة لا شعوبها.
وقد جرت في مؤتمر العقير، هذا مساومات كثيرة وتم فضح الآراء التي طرحت فيه من قبل القوى والمنظمات الشعبية والرسمية في العراق، كانت الحكومة العراقية آنذاك تحت الانتداب البريطاني ومع ذلك تم الطلب من بريطانيا تحديد موقفها من الكويت جزء العراق الجنوبي المطل على البحر، فأجابت الحكومة البريطانية بأن علاقاتها مع الكويت مبنية على بنود معاهدة 23 كانون الثاني 1899، ولم تكتف بريطانيا صاحبة الحماية على الكويت في فرضها لمعاهدة العقير فرضا على العراق وإنما أخذت تتوسع في تفسير بنودها. وبعد أن أقرت نصف دائرة ضيقة لنفوذ حاكم الكويت، صارت في الفترة التالية توسع تلك الدائرة لتتداخل مع حرية حركة العراق نحو العالم الخارجي في البر والبحر. كما أخذت تعمل دون تردد على خنق منافذه وخلق المشاكل المستعصية في وجهه والتشكيك بحقوقه التاريخية المشروعة على أرضه، كانت بريطانيا تخطط لهذا من دون الالتفاف إلى الجانب العراقي، وتدلل على ذلك الوثائق البريطانية المنشورة التي كشفت الدور الذي قامت به بريطانيا في تعميق فصل الكويت عن العراق، والثابت أن بريطانيا كانت تهدد الحكومة العراقية في وجوب عدم اعتراضها على مجمل الإجراءات التي اتخذتها في اقتطاع ذلك الجزء الهام من العراق الجنوبي، مغرية إياها بأنها ستقف إلى جانبها في موضوع مشكلة الموصل ومشكلة الحدود مع إيران.
ومن متابعتنا للوثائق البريطانية نجد أن بريطانيا كانت تقرر كل ذلك دون الالتفات إلى الجانب العراقي. كما يتضح من التحقيق في أحداث تلك الفترة أن الوثائق المتعلقة بها توضح دور بريطانيا وهي التي كانت تحتل الأراضي العراقية بعد الحرب العالمية الأولى من الشمال إلى الجنوب، حيث قسمت الوطن الواحد إلى جزأين، وأخذت تعمل على إبعادهما عن بعضهما، وأن تثير مشاكل لا حدود لها في الفترة التالية لتعميق الانفصال وأهم تلك المشاكل التي أثارتها بريطانيا بوجه الحكومة العراقية التي كان آنذاك يتزعمها الملك فيصل الأول: الإصرار على تحديد وتخطيط نقاط الحدود، تصعيد مشكلة أملاك عائلة آل صباح في البصرة والزبير والقرنة، تشجيع التهريب من الكويت إلى العراق وخاصة قطع السلاح وبكميات كبيرة، إفشال مشروع نقل مياه شط العرب إلى الكويت، وعرقلة إنشاء ميناء عراقي في الكويت.
نجح الملك فيصل ومعه الحركة الوطنية العراقية وشباب العراق، في إقامة دولة العراق بحدودها الحالية وإدخال الدستور إلى حياة الشعب على نحو أشاع التآلف والانسجام والوحدة بين مختلف الأديان والمذاهب والطوائف. لقد أدركت بريطانيا ضرورة إعطاء العراقيين استقلالهم بعد أن نجحت الحركة الوطنية العراقية في توريط بريطانيا عسكريا وبشكل مباشر، ما رفع التكاليف الباهظة للاحتلال، وكانت ثورة العشرين ( 1920 ) جزءا من هذا العمل، وبالمقاومة نجح العراقيون في تعرية التصريحات البريطانية وفضح الأسس اللا أخلاقية للسياسة والإدارة البريطانية في العراق، فبعد أن أدعى اللورد ميلنر أن بريطانيا هي الطرف الوحيد القادر على تأمين النظام والعدالة لشعوب (هذه البلدان) وأن انسحابها سيكون كارثة لهم، وبعد أن أدعى الورد بلفور أن لا يوجد في الشرق أي أثر للحكم الذاتي انكشفت لعبة النظام وحقق العراقيون استقلالهم.

لقاء مشحون بالتوتر بين فيصل وشيخ الكويت
تلك المرحلة هي بداية الصراع المعلن والمكشوف بين بريطانيا والولايات المتحدة حيث كان يعمل كلاهما للاستحواذ على نفط المنطقة في العراق وعربستان والكويت والمنطقة الشرقية (أرض الاحساء) وتلك كلها أراضي عراقية، لا يوجد نفط خارج حدود أرض العراق. وهذه الحقيقة تثبتها وثائق الاستعمار البريطاني والأمريكي كما يعترف بها الذين اغتصبوا تلك الأرض واقتطعوها ومازالوا يتحدثون كذباً خلافاً للحقائق التي تدعمها الوثائق التي سنستعرضها في هذه الدراسة التي ستكون في المستقبل القريب هي الوثيقة الفصل في تحديد حقوق العراق.
أن الازدهار المالي والاقتصادي الذي حققته الإيرادات النفطية المتزايدة في المنطقة، وعدم خبرة الوكلاء السياسيين البريطانيين الذين تعاقبوا على الكويت وجهلهم بالشؤون العربية وعملهم المكشوف من خلال مفهوم التآمر في تثبيت التجزئة وهضم حقوق العراق، كان يمثل نقطة الخلاف المتسارع بالتعمق في العلاقات السياسية بين بريطانيا والدولة العراقية. وان تصاعد المواجهة السرية والمعلنة أحيانا دفع ببريطانيا إلى تحويل مسؤولية الكويت إلى وزارة الخارجية البريطانية وذلك في الأول من أبريل عام 1948، ولعل من المهم جداً التوقف عند هذه الوثيقة العراقية البريطانية وهي تسجل وقائع اللقاء والمواجهة التي حصلت بين الملك فيصل الأول وشيخ الكويت!
ماذا قال الملك فيصل الأول لشيخ الكويت؟ يروي المقدم هارولد. أر. بي. ديكسون (الوكيل السياسي في الكويت) تفاصيل المواجهة التي حصلت بين الملك فيصل الأول وشيخ الكويت وهو يستند في روايته إلى ما سمعه من شيخ الكويت بعد تلك المواجهة. يقول في الوثيقة المرقمة F0371/16008 والمؤرخة في 19 أيلول/ سبتمبر ـ 1932، في البند رقم 7، الآتي:" تباحث الملك خلال الاجتماع بالشيخ بمختلف المواضيع، ومن بينها ثلاثة حظيت بالاهتمام المشترك والنقاش الطويل وهي: أ – عصيان "ابن رفاضة" في نجد. ب- فرض الحصار على إمارة الكويت. ج- العلاقات بين الكويت وحكومة صاحب الجلالة. وحول هذا الموضوع الوارد في الفقرة ( أ ) أعلاه، أعطى الملك تفاصيل كاملة للشيخ حول سخافة محاولة أبن رفاضة، والتي انتهت وبشكل يستحقه بهزيمته ومقتله، ولم يشعر بأي تعاطف تجاه ذلك الشخص الذي حاول مع 400 رجل أن يغزوا المملكة. وعندما سأل الملك الشيخ عن رأيه الشخصي بابن سعود، أجابه الشيخ جابر بأنه ينظر إلى ابن سعود باعتباره صديقه الجيد، ولا يمكن أن ينسى معاملته الجيدة عندما زاره مؤخراً في الرياض. أما بصدد الفقرة (ب) أعلاه فقد استفسر الملك ووجه عدة أسئلة ذات دلالة حول الحصار، وفيما إذا كان لدى الشيخ أي وثيقة من حكومة صاحب الجلالة، تعد فيها الشيخ بالتأكيد برفع الحصار كمكافأة له على تعاونه مع حكومة صاحب الجلالة، خلال تمرد الإخوان بقيادة فيصل الدويش، فأجاب الشيخ قائلاً: أنه في الوقت الذي لا يملك فيه مثل هذه الوثيقة فقد أبلغته الحكومة البريطانية، من خلال الوكيل السياسي، أن الحكومة قد أعطت ضماناً وتأكيداً، بأنهم سيبذلون أقصى مساعيهم وجهودهم لحل قضية الحصار بشكل يُرضي الكويت تماماً. وظهر الملك مهتماً تماماً، وحث الشيخ على الاستمرار بتذكير حكومة صاحب الجلالة كل يوم حول ضمانهم وتأكيدهم هذا، واستناداً إلى ما أورده الشيخ فقد استخدم الملك الكلمات التالية "لا أدري ما الذي حلّ بحكومة صاحب الجلالة هذه الأيام، إذ يبدو أنهم لا يهتمون بوعودهم ولا ينفذونها ما لم يهاجمهم المرء ويهاجمهم، ويهاجمهم، وأنت يا أخي العزيز يجب أن لا تجلس أبداً أو تسمح لهم بأن يفكروا بأنه بإمكانهم الخروج من وعودهم التي أعطوها للحكام العرب. وبصدد هذه القضية الخاصة بالحصار يجب عليك أن تسجل اعتراضك على ذلك كل أسبوع لحين قيام حكومة صاحب الجلالة بتنفيذ وعدها. ويقول الشيخ بأنه يرى في ذلك الحديث إشارة إلى قضية مزارع النخيل التي يملكها الشيخ في البصرة، والتي وعدت بريطانيا بإعفائها من الضرائب دون جدوى على الرغم من أنه لم يتم التحدث بذلك الموضوع مطلقاً. وحول ما ورد في (ج) أعلاه، تساءل الملك عن شكل العلاقات القائمة بين الكويت وحكومة صاحب الجلالة فقال: "هل الكويت بإرادتها الحرة تحت العناية والحماية لحكومة صاحب الجلالة ..؟ أم أن القضية هي أن الشيخ استجاب مرغماً ..؟".
يتبع..

• جميع الحقوق محفوظة للكاتب. أي إنتاج أو نشر بالوسائل السمعبصرية يشترط أولا حماية حقوق المؤلف المادية والمعنوية.

السفارة الأميركية حول رواتب الحشد: على المؤسسات المالية معرفة عملائها وانتماءاتهم
3-تموز-2025
مساع وزارية لخفض التراكيز الملحية في البصرة
3-تموز-2025
7900 مرشح لانتخابات البرلمان
3-تموز-2025
نصب كاميرات مراقبة سرعة المركبات في بغداد
3-تموز-2025
ذا ناشيونال تتساءل: حياد محسوب أم مؤشّر على تبدّل موازين القوى؟
3-تموز-2025
شلل تشريعي في البرلمان.. الدورة النيابية الخامسة تلفظ أنفاسها الأخيرة
3-تموز-2025
ذا ناشيونال تتساءل: حياد محسوب أم مؤشر على تبدّل موازين القوى؟
3-تموز-2025
الإعلام الحكومي: اعتماد الدفع الالكتروني يستند لرؤية حكومية في تطوير التعاملات المالية
3-تموز-2025
ليبيا تعرب عن استعدادها لتعزيز التعاون مع العراق في قطاعي النفط والطاقة
3-تموز-2025
حين يصبح النفط طوق نجاة ومصدر تهديد هشاشة الموازنة العراقية تحت المجهر
3-تموز-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech