بغداد ـ العالم
بعدما بدأ العام 2023 برمزية تفاؤلية تمثلت باستضافة العراق لأول مرة منذ العام 1979، بطولة كأس خليجي، وأشاعت أجواء إيجابية في المنطقة والعالم، سرعان ما تحول الى محطات قاسية ومؤلمة من كارثة الزلزال التركي-السوري المدمر، وصولاً إلى اندلاع الحرب في غزة التي أوقعت حتى الآن أكثر من 70 ألف قتيل وجريح، ودمار لم تشهد المنطقة له مثيلاً، لتتطاير إثره شرارات مواجهات أوسع قد تقع إقليمياً والعراق ليس بمعزل عنها.
وتعززت الفرحة العراقية بفوز المنتخب بلقب "خليجي-25" للمرة الرابعة بتاريخه، وهي مناسبة أضافت زخماً إلى محاولات العراق لطي صفحة عقود من العنف وعدم الاستقرار والعزلة، والتي من بينها الزيارات الخارجية التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى دول أوروبية وعربية، بما في ذلك القمة العربية في مدينة جدة السعودية في أيار/مايو، بما يؤكد رغبة العراق في استعادة مكانته ودوره، كما من خلال الإعلان عن المشروع الاستراتيجي المتمثل بـ"طريق التنمية".
لكن السنة العراقية لم تكن هانئة كل الوقت، ففي 20 يوليو/تموز تفاقم الغضب في العراق من تكرار حوادث سماح السويد لمنشق عراقي بحرق نسخ من القرآن الكريم على أراضيها، فاقتحم المتظاهرون السفارة السويدية في بغداد، فيما شهد العراق يوما مأساوياً في 26 أيلول/سبتمبر بمقتل وجرح المئات بسبب اندلاع حريق في قاعة زفاف في نينوى.
على مستوى جوار العراق، شهد العام 2023، تطورات إيجابية، خصوصاً من خلال "المصالحة التاريخية" التي جرت بين السعودية وإيران برعاية الصين في اذار/مارس، والتي أثارت آمالا كبيرة بأنّ صفحات التوتر والمواجهة بين الطرفين والتي لها انعكاساتها الإقليمية الكبيرة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها، قد تطوى.
وربما يظل حدث المصالحة بين السعودية وإيران في اذار/مارس، من أبرز الأحداث التي نالت اهتماما إعلامياً عالمياً وإقليمياً، بالنظر إلى معانيها وتوقيتها وتداعياتها المحتملة، وفيما يرتبط بالنفوذ الصيني والأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والصراع بينهما.
كما أثار هذا التطور المزيد من التساؤلات عما إذا كانت السعودية تقترب أكثر فأكثر من روسيا والصين على حساب علاقتها مع واشنطن، في ذروة احتدام الصراع بين موسكو وواشنطن، خصوصا على جبهات الحرب الأوكرانية.
وفي سوريا، برزت عدة تطورات من بينها قرار السعودية بإعادة التواصل مع الرئيس بشار الأسد، واستعادة دمشق مقعدها في الجامعة العربية، وزيارات عدة قام بها وزراء خارجية دول عربية بينهم وزير سعودي إلى العاصمة السورية، والتي مهدت أيضاً لزيارة الرئيس الأسد إلى جدة (القمة العربية) ثم الرياض (القمة العربية-الإسلامية).
ولعل الحدث الأبرز خلال العام 2023، هو اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، بعدما شنت الحركة عملية "طوفان الاقصى" في 7 اكتوبر/ تشرين الاول، وقابلها الجيش الاسرائيلي بعملية "السيوف الحديدية" التي لا تزال مستمرة حتى الآن والتي يعتقد انها ادت الى مقتل اكثر من 20 الف شخص، وجرح اكثر من 50 ألفا آخرين، غالبيتهم من الفلسطينيين.
وبرغم مرور أكثر من 73 يوماً على المواجهة المسلحة التي تمكنت خلالها الحركة الفلسطينية من اختراق الطوق العسكري المفروض على قطاع غزة منذ سنوات، والتوغل في المواقع والمستوطنات الاسرائيلية واقتياد مئات الاسرى، فإن الهجوم البري والجوي والبحري الاسرائيلي ما يزال متواصلا، رغم حدوث بعض عمليات تبادل للأسرى بين الطرفين.
وبسبب هذه الحرب، فإن القوات الامريكية أعادت تركيز قواتها في مختلف أنحاء المنطقة، من خلال إرسال العديد من القطع البحرية، وبينها حاملات طائرات، إلى جانب فتح جسر جوي أمريكي متواصل منذ اليوم لاسرائيل لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية الى الجيش في اطار تحرك وصفته واشنطن بانه لمنع انتشار الصراع إقليميا، لكنه حتى الان يتسبب بتطاير شرارات على المستوى الاقليمي، سواء في العراق أو اليمن أو لبنان، بالاضافة إلى سوريا وإن كان بشكل محدود.
وكان من أبرز التطورات في سياق هذه الحرب أيضاً، دخول اليمنيين في إطار ما يسمى "محور المقاومة" باستهداف اسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة، ثم الانتقال في مرحلة ثانية إلى اعتراض واستهداف السفن التجارية الاسرائيلية أو تلك التي تتعامل مع موانئ اسرائيل، وهو ما أضاف المزيد من اللهيب إلى الوضع المتوتر إقليمياً.
كما أن هذه الحرب تسبب أيضاً في ظهور أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ سنوات طويلة، حيث أدى الهجوم الاسرائيلي إلى نزوح مئات آلاف الفلسطينيين في منطقة جغرافية محدودة، ولا منافذ مفتوحة لها إلى العالم، فيما ترفض واشنطن حتى الآن السماح بتمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يفرض على الطرفين وقف القتال، وتتخذ مواقف تمنح الجيش الاسرائيلي المزيد من الوقت من أجل استكمال أهداف الغزو.
وشهد العالم مجموعة من الكوارث والحوادث، وأهمها الزلزال التركي-السوري في 6 شباط/فبراير الذي دمر مناطق شاسعة في مدن وبلدات تركية وسورية عدة، واوقع اكثر من 60 ألف قتيل وجريح.
وكذلك حرائق الغابات الهائلة التي ضربت تشيلي وأوقعت مئات القتلى والجرحى في الشهر نفسه، الى جانب حادث القطار الذي أثار صدمة في اليونان في 28 فبراير/شباط حيث تسبب بمقتل نحو 60 شخصا وجرح العشرات، وأدى الى اندلاع تظاهرات احتجاج.
كما تسبب اعصار مدمر بمقتل واصابة المئات في بنغلاديش وميانمار، في حين تسببت حرائق الغابات في هاواي بمقتل نحو 100 شخص، بينما اوقع حريق في جوهانسبورغ، في جنوب افريقيا، نحو 150 ضحية.
وكانت المغرب وليبيا على موعد مع كارثتي زلزال في الأولى أوقع آلاف الضحايا، وفي الثانية سيول حصدت مئات القتلى.
ومن الحوادث الغريبة الإعلان عن وفاة 90 شخصا وفقدان 200 في إطار ممارسة طقوس دينية غريبة تتمثل بالتجويع في كينيا في 24 ابريل/نيسان.
وبشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فإن تطورين بازرين يمكن رصدهما وهما فشل "الهجوم المضاد" الذي توعدت به كييف وحلفائها الغربيين ضد القوات الروسية في الشرق الأوكراني، وانفقت من أجله مليارات الدولارات والأسلحة والذخائر، والثاني هو تمرد "مجموعة فاغنر" الروسية في تموز/يوليو والذي بدا موجهاً ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه سرعان ما توقف، قبل أن يعلن عن مقتل زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين، بما يبدو انه حادث سقوط طائرة كانت تقله في 23 أغسطس/آب.
وكان العالم على موعد مع تطورات مهمة أخرى، حيث شهدت إفريقيا انقلابين، في النيجر بخلع الرئيس محمد بازوم، وفي الغابون باطاحة الرئيس علي بونغو، بينما يعيش السودان منذ 15 نيسان/أبريل، تداعيات الاقتتال العسكري بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، والتي يعتقد انها تسبب بمقتل أكثر من 10 آلاف قتيل.
حدث عسكري آخر، وله أبعاد سياسية مهمة، جرى في إقليم ناغورنو قرة باخ الأرمني، الذي كان محل صراع مسلح بين أذربيجان وأرمينيا، حيث شنت القوات الآذرية المدعومة من تركيا، هجوما مباغتا في 19 ايلول/سبتمبر، وفرضت الاستسلام على الاقليم، بعدما تخلت يريفان عن مساندتها، وستصبح سلطات الاقليم منحلة رسميا مع حلول اليوم الأول من العام 2024.
إلى ذلك، لم تتضرر شعبية الرئيس التركي رجب طيبب أردوغان بتداعيات زلزال شباط/فبراير، وتمكن من الفوز من الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 27 مايو/أيار بنسبة 52% من الأصوات في انتخابات شارك فيها أكثر من 83% من الناخبين.
وكانت هناك لحظات استقطبت اهتماما في العالم، مثل أداء الرئيس البرازيلي لولا دا سليفا اليمين الدستورية كرئيس جديد للبلاد في اليوم الأول من السنة، تبعته حركة احتجاج في 8 كانون الثاني/يناير، في اضطرابات يعتقد أن النظام اليميني الحاكم المقرب من الأمريكيين، كان يقف خلفها.
وعُقدت قمة مجموعة "بريكس" في جوهانسبورغ، بين روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا والتي أقرت خطة توسيع كبيرة، وأكدت سعيها لإقامة نظام عالمي متعدد والحد من هيمنة الدولار.
ووجهت القمة رسميا دعوة إلى الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، للانضمام إلى المجموعة الساعية للتحول إلى قوة اقتصادية عالمية، وهو انضمام يسري مع اليوم الأول من العام 2024.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، عقدت قمة صينية أمريكة في مدينة سان فرانسيسكو بين الرئيس جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، هي الأولى لهما منذ أكثر من عام، وذلك في ظل تصاعد التوتر بسبب الحرب الأوكرانية والموقف الأمريكي من قضية جزيرة تايوان وقضية مناطيد التجسس الصينية وغيرها من الملفات.
وفي الشهر نفسه، شهدت مدينة دبي الإماراتية أعمال القمة العالمية لتغير المناخ، في ظل تحديات مناخية لم يسبق لها مثيل تواجه العالم، وخصوصا منطقة الشرق الأوسط بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وشح المياه.