«بلبل بابل» الحيز الدلالي متشظيا للشاعر رعد كريم عزيز
6-تشرين الثاني-2024

جبار الكواز
يضع الشاعر رعد كريم عزيز اقدامه في مختبر الشعرية الغامض الاسر وهو يمضي واعيا في انجاز نصه الطويل (بلبل بابل) محملا اياه فيضا مما هو غرائبي والتباسي وصادم محاولا في الوقت ذاته ان يكون نصه موافقا لخطة محكمة تنير روحه وهو يغوص في لجج تجربة تبدو في شكلها العام بعيدة عن اهتمامه اليومي رغم التماسها قربا روحيا يمسك بجدواه اليومي وهو يرى نفسه وسط محيط من التناقضات المتالفة في شكلها والمتنافرة في حقيقتها تحت اضواء محنة كبرى سيشكل الوطن اصرتها الكبرى ,ولهذا فهو يخلق حيزا دلاليا كبيرا اسميته في هذه القراءة(البؤرة الروحية) التي تتشظى وتتلون كلما اوغلنا في متابعة المقاطع الستة والخمسين التي انبنت عليها صورة النص النهائية,هذا الحيز الدلالي الكبير يقوم على ركيزتين اساسيتين هما (البلبل) و(بابل) اللذان شكلا بتجاورهما الاسنادي عنوانا للنص فكيف يتسنى لنا ان نستقري النسق المضمر الذي يسير خلف العنوان لنكشف الغطاء عما اراد ان يقوله الشاعر بالاشارة او بالقناع او بالتقابل او بالاسترجاع وحتى يكون العنوان ثريا حقيقية للنص فان رعدا قد وضعه بوعي قائم على تدبر احترازي واستباقي بحيث يمكن المتابع من اكتشاف علاقاته غير المرئية ومبثوثاتها داخل بنية النص الكلية,ف(البلبل)بوصفه رمزا بابعاده الاسطورية في المخيال الشعبي والواقعية في شواغل الحياة اليومية يكون دائما وفي اكثر المقاطع بمواجهة اليوم/ النقيض الموضوعي في مدارك القارئ والقط /النقيض القاتل الذي كان وما يزال خطرا دائما على حياة البلبل وما بين هذه الحيوات الثلاث يكون القفص امتدادا لصورة وطن محبوس خلف القبضان معلق في اللاجدوى او وطن متحرر عبر الحقول والغابات والسهوب هذه الاقطاب الرباعية (البلبل/القط/البوم/القفص)ظلت في اكثرالمقاطع خلاقة لخطاب اللاوعي الماكث خلف اللغة بما يشي الى ان الانشطة التي اعتمدها الشاعر كانت قناعا لم تستطع اللغة بعلاقتها ان تزيد في سماكة دلالاته رغم احتدام التاويل الذي يغامر في خلق رؤيته المسحوبة خلف الالفاظ والمحمولة في تصادم العلاقات الجديدة ولو تابعنا النص منذ المفتتح الذي يقول :
(القش/يتباهى باحتضانه بيضة/البلبل الموعود /رغم انه يتطاير مجهولا في برية العدم ) هذا المفتتح التشاؤمي سيقودنا للافصاح عن صراع ازلي خلال النص يكون الشاعر مختبئا فيه خلف دلالاته مشيرا بلسان الراوي, واصبح الوعي الى مواطن ذلك الصراع دونما تدخل واضح منه.فلنرى او نتابع المقاطع 1,2,3,4,...الى 8 يقول في م1/نام البلبل في الليل/فكانت البومة اخت الكارثة.م2/القفص والبلبل /متعودان/خاصة /اذا كان القفص من ذهب.م6 /هجر البلبل تغريده/فكان الصمت/ريشا محترقا/واغاني هابطة.
هذه المراقبة التي تؤشر المحنة ولا تشارك الا عبر اقنعة الحياة تشكل البؤرة الاولى التي شكلها البلبل في النص ,مستثمرة حيزها الدلالي لتشكيل دلالات طيفية كاشفة عن جوانية العلاقات المعلنة مستنبطة في الوقت نفسه صورا من صراعات معلنة وغير معلنة تحاول ان تؤطر جدوى الحياة التي يعيشها الشاعر /البلبل في حيزه الواقعي واليومي ولهذا يكون البلبل هنا رمزا لحياة مشروطة او مقموعة من عدو غير منظور او متربص به او من خصم لدود ينتمي الى جنسه ويختلف معه في الوسائل والغايات كالبومة مما يفقد البلبل بعده الاسطوري الذي يعني اولا الفطرة والابداع والتفاؤل والترابية الفانية ارتباطا بارهاصات الشاعر الذي كان يامل ان يكون جدواه فاعلا ومنصبا وفق فهمه لوظيفة البلبل في الحياة وانعكاسها داخل النص ولهذا فنحن نرى البلبل في اختراق دائم لنفسه وبنفسه عبر محاولاته الدائبة للتخلص من تربص الاخرين ولا يرتبط بابل الا في المقطع السابع حين يعلن هجرته الواعية تخلصا من سهم الاسد الجريح (م7/بلبل بابل /طار بعيدا من سهم الاسد الجريح /لذا كان تغريده من طين سومر /وهدوء الزورق في نهر الفرات)ونحن نعلم ان اسد بابل غير جريح برمزه الاسطوري الا ان الشاعر حاول ان يعمم النص رمزا عراقيا فاختار صورة اللبوة الجريحة وزقورة سومر ونهر الفرات تشكيلا لصورة البلبل وطنيا وانسانيا عبر استثمار مدلولات الالفاظ عبر القناع والواقعية السحرية ولا يفصح النص الا في مقاطع قليلة عن ابراز لهوية هذا البلبل المؤنس كما في المقطع التاسع الذي شكل خروجا عن نسق صيرورة النص فبدا مقحما رغم لحمته الاساسية المتعلقة بهجرة البلبل في كثير من المقاطع م9 (مرة سالوا الشاعر عن سفره بالطائرة /فقال كنت ارقب القمر طوال الليل) وغير خاف اختياره لتنكير الشاعر في هذا المقطع الذي يعني التعريف اساسا في اغراض البلاغة ,ان البلبل في النص يحمل صورته الانسانية من اخفاق ونجاح /يأس وامل / ولهذا فان وجوهه تتعدد وتتلون وتتناقض طبقا لحياته التي عاشها او مر بها فهو محبط ,م6(هجر البلبل تغريده /فكان الصمت /ريشا محترقا) وهو في صراع دائم م12(هذا البلبل من بابل /وذاك القط من مجهول ) وهو متمسك بالخلود م14( قال البلبل لريشه/لو اني هرمت /ترى في اي فضاء ستنشر)وهو مخالف لوصايا الاخرين م21و 17 غير عابئ بوصايا الاخرين وساخرا من التعاليم وهو نادم م24( البلبل التفت لروحه / حين لملم التغريد العتيق) وهو في صراع يومي دائم مع اعدائه الذي يشكل القط اكبرهم بما يؤكد الاختلاف الابداعي والفسيولوجي والنفسي والفكري بينهما م26(نام القط/بعين واحدة /وصدق البلبل /فكان الليل عبارة عن.../بلبل بعين واحدة /وقط يفتش عن العين الاخرى)وهكذا يكون البلبل قد وصل قسريا الى اشكالية الاندماج من الاخر المغاير وصدق به وعاش به ومعه زمنا واستعار منه بعضا من صفاته التي عايشته في قابل ايامه,ولان الشاعر مغرم بانباء التقابل الدلالية فاننا نراه متنقلا بين (القط / الاسد/البوم)في متوالية تنغلق فتكون ذات بعد تأويلي احادي قائم على الصراع فقط او افق تعددي يتكاثر فيه الكشف التاويلي انطلاقا من تعددية الدلالة التي يحملها كما في المقاطع 27/28/29 الذي يقول فيه(رسم القط جناحا/والبلبل رسم خربشة مابين المخلب والقفص/كلاهماكان يفكر/في فضاء خوفه)هذا التقابل الذي يخلق دلالته عبر متناقضين يؤكد عليه(رعد) كثيرا في مقاطع (33/34/35)فيكون بطلا المقاطع البلبل والقط وثمة انتقال تقابلي حين يلبس القط لباس الكاهن كما في م37 (الكاهن كان بلبلا /لكنه تحول الى قط بسبب الكهولة والخوف من الرقدة الاخيرة ) ان البلبل في النص يعيش محنة ابدية بدلالة المقاطع التي اشرنا اليها انفا وارجأنا المقاطع الاخرى التي يكون فيها البلبل (غريبا م39/مقاتلا م41/مهاجرا عبر الخرافةم42/منتصرا م43/كذابا م44/خائفا 51/ملمعا م50/مكتشفا م49/سائلا م52)(ايتها الالهه هذه البئر ستقول للارض انا من جرح الجسد بالماء /فلماذا /تتركين البلبل غافلا/والقط منتشيا امام النهر المفتوح)م55. او م56 (هجر التغريد حنجرة البلبل / لانه لم يغرد بها/بسبب الخوف) وهذا المقطع شكل نهاية لصراع مفتوح بين الخير والشر حين يقول (فكر القط / في نهاية لمطاردة لا تنتهي /فاكتفى بالنوم/في مزبلة الريش والذكريات/فكر البلبل في فزع الايام الماضية فانتهى الى زغب ينبت في حديقة الكهولة الاخيرة) ولعلها نهاية واقعية لمصير الشر متمثلا بالقط ومستقبل الخير مجسدا بالبلبل / ان الاشتغال على ثنائية الخير والشر يمثل روح النسق المضمر لدلالات هذا النص المتوزع بين استثمار الانسنة معلنة وان بدت للقارئ العادي غامضة الا ان مغاليقها تحمل في كلماتها مفاتيح انطلاق التاويل لحيوات غموض اريد له ان يكون مالوفا في استثمار ناجح لطبيعة الصراع بين الاضداد وصولا لانتصار كلمة الخير في النهاية .
هل حاول الشاعر بعنوان نصه ان يؤكد هوية البلبل البابلية التي تشي بالكثير من غموض يحتاج الى تاويل يفكك دلالته الاسطورية والنفسية والجغرافية والاجتماعية والابداعية ,وتشير مقاطع النص الستة والخمسون الى صراع تداولي مالوف ومشهور وازلي بين قيم الخير والشر ,الا ان لبابل في هذا الصراع التداولي ما يضيق مساحة ذلك الصراع الذي يُلبسه ارديته المتعددة اسطوريا/دينيا/نفسيا/جغرافيا/اجتماعيا/فكرياوانعكاساتها ابداعيا وكلنا نعلم ان بابل كما جاء في الاساطير والمراجع ما سميت بهذا الاسم الا لانها المكان الذي تبلبلت فيه السنة الناس وهذا التعاقب بين الباء واللام في متن العنوان له ما يبرره عندنا اولا وعند الشاعر لاننا نعلم ان البلبلة في اللغة هي الاصوات المبهمة التي تحاول ان تؤدي معنى اتصاليا غامضا وهذا ما يقوله البلبل في المخيال الشعبي فهو يغني كما نقول جميعا والبعض يجعله مرتلا لكلام المقدس ,وعلى هذا فان غناء البلبل البابلي في هذا النص حمل ابعاده الاسطورية من خلال استجلاب نقيضه البوم المرتبط بخرائب بابل وعجاجتها ولم تكن بابل التي ما ظهرت في النص الا في اربعة مقاطع تصريحا او اشارة .اقول لم تكن بابل غائبة في كل مقاطع النص لانها حملت روحية المكان الذي ظل مرسوما في اعماق بلبلها المغني الذي ظل متمسكا بها وهو يجول طرقات الغربة ...
اخيرا فاذا ما نجح الشاعر رعد كريم عزيز في رسم صورة ذلك الصراع برموزها ودلالاتها وانعكاساتها كما اسلفنا فانه نجح ايضا في انتاج نص تشظت فيه دلالته الاساسية الى دلالات متعددة متناقضة ومتالفة في لغة كان فيها هو السارد كلي العلم الذي يحيط بكل شئ سببا بدليل مرجعية الضمائر التي حملتها جمل المقاطع التي تؤكد احاطته الكلية بزوايا المشاهد التي جرى الصراع فيها وباستعاراته لصورة الراوي العليم النزيه يكون قد اسهم في صياغة نص بديل تختفي فيه الانا لتصرخ عبررموزها ومرموزاتها محتجة على ظلم الم بها او موت مرتقب ينتظرها ان تلك الرموز التي اختارها عن وعي مكنه من اختراق مدلولالتها المضطربة والمكشوفة مستثمرا في الوقت ذاته قيم السرد الآسرة التي قادته لقول مالم يرد قوله ومشاهدة مالم يره فيصح القول عن نصه (يرى الغائب مالا يرى الحاضرون).

الخارجية الأوكرانية تعلق على تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
29-آذار-2025
منتجات مصانع كردستان تتكدس.. بغداد تطالب أصحابها بوثائق رسمية واربيل ترفض
18-آذار-2025
اتصال هاتفي بين السوداني وماكرون
18-آذار-2025
نائب: لا تعديل على قانون الانتخابات
18-آذار-2025
زيارة الشيباني إلى بغداد فصل جديد من العلاقات العراقية – السورية
18-آذار-2025
مصير «نور زهير» تسليم الأموال مقابل الحرية
18-آذار-2025
مجمع بزركان النفطي في ميسان يعلن إنشاء وحدة كبس بطاقة تصل إلى 70 مقمق
18-آذار-2025
منتجات مصانع كردستان تتكدس بغداد تطالب أصحابها بوثائق رسمية واربيل ترفض
18-آذار-2025
مختبر الكندي للفحوصات الهندسية والعلمية يحصل على شهادة اعتماد من وزارة التخطيط
18-آذار-2025
النقل: إنجاز المرحلة الأولى لميناء الفاو نهاية العام الحالي
18-آذار-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech