«قبيلة الوحوش».. راب عراقي يبحث عن هويته ومساحته
16-كانون الثاني-2023
حسام السراي
شجعت الهجرات والسفر إلى خارج البلاد، مع شيء من الاطلاع على التجارب الغربية، الشباب العراقي للاتجاه نحو غناء الراب، لكن بنسخ محلية.
ظهر كثير من تلك التجارب في البداية وهو يفتقر إلى الخبرة الفنية والطرح المؤثر، ليكون صدى للأحداث يردد أقذع الألفاظ وأشدها بحق الساسة والأحزاب اعتراضاً على تردي الوضع العام.
من مدن العالم المختلفة، حاول الموهوبون تقديم "راب عراقي" يعبر عن الواقع بنبرة احتجاجية اقتربت من رد الاعتبار لابتعادهم القسري عن بغداد، فكان النتاج متسرعاً بعض الشيء وفيه تعويض عن هذا الغياب والافتراق عن أماكن الذكريات.
الراب وحركة الاحتجاج
كان ذلك وضع الراب العراقي، ومن ضمنه محاولات إنتاج أغان عاطفية، كما في تجربة "ملوك الإحساس" و"جي فاير"، حتى بدايات تشكل حركة الاحتجاج العراقية عام 2011، حيث أخذت تظهر أعمال مساندة للحراك المطلبي الشعبي، وصولاً إلى 2015، حينها انتشر راب "أنا العراق من أنتم"، الذي يمكن اعتباره الأكثر واقعية وإقناعاً فنياً مقارنة بأعمال أخرى، خصوصاً مع انطلاق العمل من داخل ساحة التظاهر في البصرة، وإشراك الناس به من دون أي تكلف.
بعد هذا تأسست فرقة "قبيلة الوحوش" عام 2017، التي تميزت بتصميمات لافتة لفيديوهاتها على "يوتيوب"، باعتبار المنصة هي المساحة الوحيدة التي تعرض المجموعة من خلالها أعمالها، إذ لا تهتم الفضائيات العراقية في العموم بهذا النوع من الغناء، إذا ما حيدنا سبباً أساسياً لعدم التعامل مع هذا النتاج الفني، وهو اللغة الحادة والساخطة التي ينطوي عليها عدد غير قليل من شغل "القبيلة"، ومنها عمل "عراق آني I"m Iraq" و"المواطن صفر ابن دجلة".
في معنى "الوحوش"
اسم "الوحوش" جاء كإيحاء متمرد على السائد، فيه إشهار عن القوة والمغايرة بأن "الألحان مختلفة وغريبة، بالتالي فهي متوحشة"، لذا كانت هذه التجربة من المزج والدمج بين غنائين متباعدين في الإيقاعات والنمط الموسيقي.
النجاح الذي يحسب لـ"القبيلة"، هو الإتقان في مجال الهندسة الصوتية بتكوين مزج سلس بالنسبة إلى المتابع، فيه خليط من أغان عراقية قسم منها سبعيني مع الأغاني الغربية، والمثال في أغنية "حمد الملعب Crooked Hamad" بخلق مكس موفق بين ياس خضر والرابر الأميركي Tupac Shakur، وتناسق آخر في عمل "أمي Mother" عن أغنية "شيمي: أنا وأخي".
في أعمال "الوحوش" أيضاً توليفات جمالية كما في "وينك" لنوفا عماد، و"لحظة"، كما نجد في أغنية الرابر أمير الشامي "شلع قلع" وحدة المواكبة الفنية مع الموقف من الوضع العام.
ومع "فوك إلنا خل" للفنان الراحل ناظم الغزالي، و"يا ناس ارحموا بحالي" للفنان هيثم يوسف، ارتقت القبيلة بطابع الريمكس الذي صاغت به هذين العملين.
في عمل "الخطار" قدمت هذه الجماعة الفنية باقة فنية شعرية متناغمة، جمعت مقاطع للشاعر الراحل مظفر النواب والفنان إلهام المدفعي بأغنيته "خطار"، يصاحبهما أجزاء من أغنيتي فرقة Coldplay والمغنية البريطانية Dua Lipa، فكان التقاء غير عادي بين اللهجة العراقية شعراً وغناء وبين موسيقى الروك وإيقاعها السريع.
مجازفة هذه الفرقة تكمن في توظيف أعمال غنائية لمطربين شعبيين وآخرين من مغني السهرات الليلية ممن تنتشر مقاطعهم على منصات "إنستغرام" و"يوتيوب" و"تيك توك"، لكن القبيلة قدمت هذه النماذج ووضعتها في سياق إنتاجها المعروف الذي يجمع الشرق بالغرب، وبثت فيها نبضات موسيقية جديدة، بحيث جعلت التنافر بين النمطين من الغناء جاذباً ولافتاً في الصيغة التي تم تقديمها به.
متابعو القبيلة
هذه الأعمال جمهورها في الغالب من الجيل الشاب، الذي عينه على الخارج بأعمار تراوح بين العشرينيات والثلاثينيات، مع أنه يؤشر إلى كثيرين منهم محدودية الثقافة الفنية والمعرفة بتاريخ الموسيقى العراقية والعالمية.
إن أهم ما تحتاج إليه "قبيلة الوحوش" هو تنظيم الحفلات وتقديم نتاجها في بعض المدن العربية وعدم الاكتفاء بطرح أعمالها عبر منصات الـ"سوشيال ميديا"، لأن هذا الاحتكاك بالجمهور سيخلق حال تفاعل أكبر معها.
القبيلة خطوة في عالم الراب العراقي وإنتاج الريمكسات العصرية، تجريبها يستحق الانتباه، وما يراد منها هو تقديم مزيد من النتاجات التي توفق بين الألحان الشرقية والغربية بأحدث التوظيفات الإلكترونية.
انتقاء مستقبلي
فنانا هذه الفرقة (شوان سالار وزيد كرم الله) نجحا في تقديم نماذج من موسيقى الهيب هوب تمت مجاورتها مع أغان عراقية متباينة المستوى بين الرصين والراسخ في الذاكرة وبين غناء عابر وسريع، كل ذلك من خلال برنامج Fruity loops، وتحتاج القبيلة الشبابية لأن تنتقي الأغاني، خصوصاً الجديدة منها، بعناية أكبر لتضيف لرصيدها في النجاح والحضور بين المتابعين لما تطلقه بين فترة وأخرى.
ومن أجل أن يتطابق هذا الانتقاء مع مسعاها، الذي تعلنه بأن "تضع اسم العراق في خريطة الموسيقى العالمية بطريقة عصرية، تريد القبيلة أن ترسم ملامحها، لكي يستلهم الفنانون في العالم من الفن العراقي الحالي".
صنع في العراق
مع إعلان القبيلة ألبوماً جديداً هو "صنع في العراق"، يبدو أن التوجه واضح لبناء مشهدية جديدة للراب العراقي ذات معالم منظورة وأصوات تقيم بين الداخل والخارج، أما موضوعاتها فهي أحلام الشباب والغربة وأثرها في أجيال بأكملها.
فكرة الألبوم الجديد مستوحاة من لعبة "السيكا" ببعد نوستالجي، إذ إن كل أغنية تمثل مستوى معيناً، وكل مغن يعد شخصية ما في اللعبة يظهر بتلك الطريقة التي كانت تظهر بها الشخصيات في "الأتاري".