«نساء خلف عجلة القيادة» يرتقينَ إلى عتبات السماء لرصد مظاهر التغيّير الشرقي بعيون بريطانية
21-أيلول-2022
عدنان حسين أحمد
يُعدّ فيلم "نساء خلف عجلة القيادة " للمخرجتين البريطانيتين كاثرين هيغ وهانا كوندن من أجمل أفلام الطريق التي أُنجزت في السنوات الأخيرة. فهو مليء بالتشويق والمفاجآت والمعلومات الجريئة حيث تخوض كات وهانا رحلة شاقة وطويلة تقطعان فيها أكثر من 3000 كم على طول طريق M41 الذي يُعرف بطريق بامير السريع في آسيا الوسطى، وهو ثاني أعلى طريق دولي على وجه الأرض يمتد من الصحاري الأوزبكية الجنوبية، ويمرّ عبر سلسلة جبال بامير في طاجيكستان حيث يصل ارتفاعه إلى أكثر من 4600 متر، وينتهي في العاصمة القيرغستانية بيشكيك.
ربما تدور في خَلَد البعض أسئلة منطقية مفادها: كيف برقت فكرة الفيلم في ذهن المخرجتَين كاثرين هيغ وهانا كوندن أو "كات وهانا" كما ترِدان في سياق الفيلم؟ ولماذا تجشّمتا عناء الطريق الطويل للوصول إلى الطرف الآخر من العالم بعيدًا عن الوطن والأهل والأصدقاء؟ ألم يفكِّرنَ باللصوص، وقطاّع الطرق، والمخاطر التي يمكن أن تنبثق من المجهول أم أنّ رغبة الاكتشاف تفوق على كل المَحاذير والمخاوف المحتمَلة؟
شغف السفر، والرغبة في الاكتشاف
تختلف المُخرجتان في السَّحنة والعِرق والمزاج فهانا عاطفية وكات ليست كذلك لكن تجمعهما الجنسية البريطانية التي تذوِّب بعض الفوارق الطبيعية وتترك لكل واحدة منهما أن تكوّن عقليتها بالطريقة التي تراها مناسبة، وتؤثثها بمنظومة مشتركة من القيم والتقاليد الاجتماعية، إضافة إلى المعارف والعلوم والفنون بأجناسها المتعددة. التقت كات وهانا في أروقة الجامعة عندما كانتا في سن الثامنة عشرة، ولم يفترقتا منذ ذلك الحين. ورغم اختلاف تخصصاتهما الدراسية، فـ "كات" درست الأنثروبولوجيا والمجموعات الإثنوغرافية، وهانا درست الإخراج السينمائي وتركز في أفلامها على القضايا الاجتماعية والسياسة والصحة العقلية إلاّ أنّ أواصر الانجذاب بين الطرفين كانت أقوى من الهواجس الذاتية والتخصصات الأكاديمية إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن شغف السفر، وحُبّ الترحال، والرغبة في الاكتشاف يوحِّدهما تمامًا ويقوّي صداقتهما يومًا بعد يوم.

قبل الشروع بالسفر أسّست كات وهانا صفحة إنستغرام وطرحتا فكرة السفر إلى بلدان آسيا الوسطى وكانت الاستجابة كبيرة ومشجّعة وغير مُتوقعة على الإطلاق حيث تلقيتا الكثير من الردود الإيجابية والرغبة الصادقة في استقبال المُخرجتَين اللتين فُتحت لهما القلوب قبل المنازل. ورغم تحديد العوائل المًضيّفة لهما إلاّ أنهما تركتا أبواب المفاجأة مفتوحة على مصراعيها وهما ترتقيان الطرق الشاهقة الوعرة المُفضية إلى أبواب السماء.
قبل الخوض في تفاصيل الرحلة لابدّ من الإشارة إلى أنّ كات وهانا قد استأجرتا سيارة تويوتا 4 × 4 مزوّده بكاميرا go-pro على لوحة القيادة لتصوير اللفضاء الداخلي للسيارة الأمر الذي يتيح لهما تصوير الفيلم ذاتيًا بالكامل، وحينما تترجلان من السيارة لابد أن تقف إحداهما خلف الكاميرا وتسجِّل الوقائع والأحداث تباعًا.
تلتقي المخرجتان خلال 56 يومًا بأكثر من 20 شخصية في رحلتهما الاستكشافية عبر ثلاث دول وهي قرغيزستان، وأوزبكستان وطاجيكستان والعودة ثانية إلى بيشكيك مرورًا بأوش، وسمرقند، ودوشانبي، وغرام، وكلايكوم، وكوروغ، وشيدز، ومورغاب وكاراكول، وتوپ وبعض البلدات الصغيرة الأخرى.
تماثيل لينين العملاقة
ليس من الصعب حصر الموضوعات التي يتناولها الفيلم رغم كثرتها لكن الصعوبة تكمن في الوقوف عندها جميعًا لأنها ستحتاج إلى مساحة واسعة لا يتوفر عليها هذا المقال النقدي. فالثيمات تمتد من التربية والتعليم والإعاقة، وتمرّ بالهجرة والعمل والرياضة والتمريض، وتنتهي بالأمومة والفقر والعنف المنزلي. وأكثر من ذلك فهناك مساران مؤثران في طبيعة هذا الفيلم الوثائقي؛ الأول قديم ويعود زمن الاتحاد السوفيتي السابق الذي فرض هيمنته على بلدان آسيا الوسطى التي ماتزال تحتضن حتى الآن تماثيل لينين العملاقة؛ والثاني بعد الاستقلال ويتمثل بذهاب طلبة هذه البلدان الثلاثة إلى الدول العربية لتلقي العلوم الدينية الإسلامية التي انعكست على هذه الشعوب ذات الغالبية الإسلامية.
لا تُجيد المخرجتان كات وهانا اللغة الروسية أو أي لغة من لغات بلدان آسيا الوسطى الثلاثة لذلك ستحتاجان إلى الترجمة في المواقف التي يتحدث فيها المواطنون بلغاتهم المحلية وهي القيرغيزية والأوزبكية والطاجيكية. وبعد الانطلاق من العاصمة القيرغيزية بيشكيك تتوقفان في المدن والقرى التي تصادفهما على الطريق، ويبدو أنّ المُخرجتَين قد بحثتا جيدًا سواء في آلة البحث غوغل أو في بعض المصادر التاريخية والجغرافية وزودتا المُتلقّين بالمعلومات الدقيقة عن عدد سكّان هذه المدن والبلدات الممتدة على طول الطريق، وارتفاعاتها عن مستوى سطح البحر، إضافة إلى الانطباعات الشخصية لكل واحدة منهما على انفراد.
المرأة القرغيزية تعتني بمظهرها ومَخبرها
في الوقفة الأولى سنعرف أنّ ارتفاع مدينة "أوش" هو 963م عن مستوى سطح البحر وأنّ تعدادها السكّاني هو 256,763 نسمة بحسب الإحصائية التي توصلت إليها مخرجتا الفيلم. وأنّ أوش هي ثاني أكبر مدينة في قرغيزستان، وعمرها 3000 سنة، وهي من أكثر المدن تقليدية في قرغيزستان كما أخبروهما الناس هناك. وبحسب رأي المترجمة "أصيل" فإن القرغيزيات لا يلبسنَ غطاء الرأس كلهنّ وأن المترجمة نفسها تلبس تنّورة قصيرة لا يوافق عليها الناس لكنها لا تهتم بآرائهم لأنّ الجو حار ويستدعي ارتداء الملابس القصيرة والخفيفة لذلك ينظر إليها الكثيرون باستغراب الأمر الذي يُقلق أمها طوال الوقت. في ضواحي المدينة ثمة مدرسة إسلامية مخصصة للنساء فقط توجّه فيها كات بعض الأسئلة إلى معلمة تقليدية تجاوزت منتصف العمر ونفهم من خلال استرسالها بالحديث بأنّ الفتيات جميعنَّ غير متزوجات وقد جئنَ إلى هنا لكي يتعلّمنَ كيف يخترنَ أزواجهنَ؟ وكيف يتعاملنَ معهم، ويتعاطينَ مع عوائلهم؟ وأن معظم الدروس تتمحور على بناء أسس العائلة وكيفية ترسيخها وتفادي تفككها بأي شكل من الأشكال. كما تلفت انتباهنَّ إلى عالَم الرجل الداخلي وسلوكه وتربيته. ونفت المعلِّمة الفكرة القائلة بأنّ المرأة القرغيزية لا تعتني بمظهرها الخارجي، بل هي من جهتها كمعلّمة تحثّ الفتيات على الاهتمام بمظهرنَّ الخارجي والعناية بزينتهنَّ. وهي شخصيًا قد ذهبت إلى صالون التجميل وتمّ تشذيب أصابع قدميها ويديها وطلائهما بالألوان. الأمر الذي أثار دهشة النساء في وفد الأمم المتحدة حيث اعتقدنَ بأن النساء المسلمات لا يذهبنَ إلى صالونات التجميل، متناسينَ أنّ الناس يتكيفون، وأن الأديان نفسها تتلاءم مع التطورات الحديثة.
تنتقد آينگول، وهي عضوة في مجموعة "الإيقاع الجديد" وتقول إنّ المدارس منذ رياض الأطفال وحتى الجامعات لا تُدرّس مطلقًا حقوق الإنسان، ولا تلتفت إلى حقوق المرأة إلاّ بالقدر اليسير فلاغرابة أن يذهب البعض منهنّ إلى الأنشطة غير الرسمية التي تحتج على سلوك الرجل وتصرفاته في المجتمع القرغيزي الذي ينظر إلى المرأة بفوقية لا يمكن إهمالها أو التغاضي عنها تمامًا.
لم نلحظ وجود المراقبة الأمنية إلاّ ضمن الحدود الأوزبكية فثمة شاب يتصل، على ما يبدو بحهة أمنية، ويبعث القلق في نفس كات التي تذمرت من اتصاله الذي لم يتطور إلى أبعد من حدود المتابعة البصرية. ثمة مؤشر آخر يشي بانزعاج كات عندما تصفّح أحدهم على الحدود الأوزبكية جهاز اللابتوب التابع لها ولم يجد فيه شيئًا مثيرًا للشبهة والفضول.
إحياء التقاليد الوطنية وإعادة اكتشاف الجذور
في الوقفة الثانية نتعرّف على المدينة التاريخية سمرقند التي تحتضن صورة لينين وهي ثاني أكبر مدينة أوزبكية وقد أصبحت ساحة معركة بين البريطانيين والقوات الروسية عام 1970م، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي السابق سنة 1991م أعلنت سمرقند استقلالها ضمن دول آسيا الوسطى الثلاث. لقد وقع اختيار المُخرجتين على أكثر من شخصية أوزبكية، فعزيزة التي تعمل في شركة استشارية تتحدث عن وسط آسيا بوصفها مكانًا موحدًا وفريدًا خاصة بعد أن تسنّمت المرأة مواقع قيادية في البلد، وصارت الدراسة إلزامية، وبعضهنَّ واصلنَ دراستهنَّ العليا في التسعينات من القرن الماضي. كما أشارت إلى إحياء التقاليد الوطنية، وإعادة اكتشاف الجذور التي طمسها المدّ الشيوعي وخاصة الجانب الديني الذي شجّع على ارتداء أغطية الرأس التي غابت خلال الحقبة الشيوعية.
أمّا الشخصية الثانية فهي سيتورا التي تحدثت عن الوجبة المفضلة في سمرقند لكنها واجهت صعوبة في شرحها، واختصرت مضمونها بأنّ منْ يتناولها لمدة شهر سيسمن لا محالة. لا تتواعد سيتورا مع أحد، وليس لها صديق لأنها تفضّل الاعتناء بأخيها المُعاق على أي لقاء عاطفي، وتعتبر شقيقها المُصاب بشلل دماغي هو أهم شيء في حياتها. ولديها شقيقة تُدعى باهورا التي تحذو حذوها في كل شيء تقريبًا. وما إن تصل كات وهانا إلى دوشانبي حتى تشعران ببعض الراحة، فلقد شهدت العاصمة الطاجيكية الحرب الأهلية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وراح ضحيتها قرابة مئة ألف إنسان لكنها الآن آمنة وتحتفي بالحرية والاستقلال. يتفق الناس على الصفات العامة للمرأة الطاجيكية، فزارينا وهي مُرشدة محليّة تصف المرأة التقليدية بالقول: "إنَّ شعرها طويل، وخجولة، ومحتشمة، ورقيقة، وربما قابلة للكسر!" ولكنّ التقاليد الاجتماعية وضعتها، مع الأسف الشديد، في منزلة أدنى من الرجل.
زهرو تعتبر نفسها الأم الحانية للدببة والأسود
تحظى قصة "زهرو" بمساحة زمنية طويلة ربما لغرابتها فهي تعمل في حديقة حيوانات دوشانبي منذ أحد عشر عامًا. وقد كرّست جُلّ حياتها ومحبتها للحيوانات، فهي تُرضع الدببة والأسود من حليبها وتعتقد بأنهم يعتبرونها أمهم. وحينما تزوجت لاحقًا وأنجبت أطفالاً اعتادت أن تصطحبهم كل يوم إلى الحديقة، خاصة بعد وفاة زوجها الأمر الذي دفعها لأن تتوقف عن العمل لأنها بدأت تقدّم حبّها للأطفال وتهمل الحيوانات التي تعلّقت بها لمدة طويلة. وبعد وفاة زوجها وأمها قررت، بمساعدة نائب المدير ، أن تُرسل أطفالها إلى دار الأيتام كي تنقذهم من الشتاءات والأصياف القاسية.أنجبت زهرو طفلين، جهانگير، وهو الأول على الصف وسعيد بهذه النتيجة. أمّا ابنتها الصغرى التي أرسلتها إلى دار الأيتام فهي حزينة وكانت تُخاطب أمها بجملة "خذيني إلى البيت" لمرات متعددة. وهي تعتقد أنّ أطفالها سكونون سعداء إذا عاشوا معها في البيت حيث توزّع حبها بالتساوي عليهما وعندئذ ستكون أسعد امرأة في العالم. وتختم زهرو كلامها بأنها ليست وحيدة وفخورة جدًا لأنّ لديها هذا العدد الكبير من الحيوانات.
لم تمنع صرامة المجتمع الطاجيكي سابينا من أن تُصبح بطلة العالم في التايكواندو، فقد شاركت في المسابقات وحققت هدفها في اختطاف الفوز لكنها ما إن تزوجت وأنجبت طفلاً حتى توقفت عن التدريب لكنها استطاعت بمساعدة الأهل التوفيق بين تربية الطفل وممارسة التدريبات الرياضية. وحينما اعتلت المنصة وتُوجت بطلة للعالم شكرت الله كثيرًا، وغمرتها مشاعر الفرح التي تعجز الكلمات عن وصفها.
الحكايات الشعبية الدافئة . . . فاكهة الشتاءات الباردة
تواصل كات وهانا رحلتهما الممتعة رغم صعوبة الطريق ومشقّاته وحينما تصلان إلى قرية شيدز نلتقي بشخصية سايرام، معلمة القرية التي تجيد الكلام باللغة الإنجليزية، وتسرد لنا قصة طويلة بعض الشيء. والقصص والحكايات هي فاكهة الشتاءات الباردة. فتسارع إلى القول بأنها متزوجة، ولديها ابن عمره سبع سنوات، وابنة عمرها ثماني سنوات. وبما أنّ الوقت متأخر قليلاً فهي تقترح عليهما المبيت في منزلها ومواصلة الرحلة غدًا صباحًا. لا يقتصر عمل سايرام على التعليم فقط، وإنما هي التي تزرع الخضراوات ولا تبيعها في السوق وإنما تستعملها في المنزل. أمّا زوجها فهو يعمل شهرًا واحدًا أو شهرين ويتوقف عن العمل طوال الأشهر العشرة الأخرى بسبب تساقط الثلوج بكميات كبيرة تحدد حركة الناس في هذه القرية النائية، وكل ما يفعله هو الاسترخاء على السرير ومشاهد التلفاز. ومثل أي أم طاجيكية فهي تريد لأولادها أن يتعلموا ويواصلوا دراستهم فلاغرابة أن تفكر بالسفر إلى روسيا لكي تعمل هناك وتحصل على النقود لكي يلتحق أطفالها بإحدى الجامعات، فروسيا هي الدولة الوحيدة التي توفر فرص عمل كثيرة في المنطقة وبمردودات مالية أفضل بكثير من بلدان آسيا الوسطى.
وما إن تصل المخرجتان إلى مدينة كوروغ حتى تصادفان الحفل السنوي الذي تقيمه المدينة كل عام ومن خلال أوميدا، مقدمة الحفل نتعرّف على قيم اجتماعية جديدة، فالفتيات يدرسنَ في أمريكا وروسيا وكازاخستان، وقد تفتّحت عقولهنَّ، وتنوّرت ذهنياتهنَّ إلى أبعد الحدود ولهذا أصبحنَ واثقات من أنفسهنَّ، وغير خجولات، ومُقتنعات عندما يتحدثنَ إلى الناس الآخرين. وعلى الرغم من أنّ الناس فقراء في هذه المضارب إلاّ أنّ التعليم مهم جدًا كما تذهب الأكاديمية والناشطة نظيرة وتعزو ذلك إلى عقيدتهم "الاسماعيلية" التي تحثّ الناس على التعلّم واكتساب المعرفة. كما يلعب أئمّة الجوامع دورًا مهمًا في التشجيع على الدراسة والتعليم. وتذهب نظيرة إلى القول بأن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وبدء الحرب الأهلية قد دفع العديد من الناس للذهاب إلى البلدان العربية ودراسة الإسلام في المدارس الدينية وحينما عادوا جلبوا معهم بعض الأفكار المتشددة التي تتعلّق بالحجاب وأغطية الرأس بخلاف الحقبة السوفيتية التي كانت فيها المرأة الطاجيكية أكثر تحررًا وانفتاحًا على المجتمع.
زومرت، المرأة الطاجيكية التي تمتلك نُزلاً للإقامة، تحب الزهور وتتحدث إليها حينما تستيقظ في الصباحات الباكرة، بل أنها تشعر بالنشوة والاسترخاء كلما وجدت نفسها مُحاطة بالزهور من كل حدب وصوب. وتنوّه زومرت بأنّ النساء يعملن في الحدائق والحقول لأن غالبية الرجال في القرى والمدن قد هاجروا إلى روسيا بحثًا عن فرص العمل المتاحة هناك، بل أن السفر إلى بلدان العالم الأخرى قد أصبح متاحًا للجميع بعد نهاية الحقبة السوفيتيية التي حددت السفر وفرضت عليه اشتراطات صعبة جدًا. وصار بإمكان الطلاب من كلا الجنسين أن يدرسوا في أمريكا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وغيرها من دول العالم. وتعزو زومرت ذلك إلى تحسّن الاقتصاد الطاجيكي لأن الناس يسافرون ويبعثون النقود إلى عوائلهم في الداخل الأمر الذي أحدث فرقًا كبيرًا في القدرة الشرائية للمواطنين الطاجيكستانيين.
خرافات تنسجها الذاكرة الشعبية
لم تترك كات وهانا فرصة إلاّ واستثمرتاها فثمة أساطير وخرافات نسجتها الذاكرة الشعبية في منطقة الشلالات الدافئة، فالمرأة التي تعثر على حصاة وتلتقطها من داخل الكهف تطلب أمنية، وغالبًا ما تتعلّق هذه الأماني بالرغبة في إنجاب طفل. وترسيخًا للفأل الطيب تنسج النساء قصصهن. فثمة امرأة لم تنجب خلال عشر سنوات من زواجها فنصحتها النسوة الأخريات بالمجيء إلى الشلالات المباركة وطلب العلاج، وعادت المرأة نفسها في السنة التالية مع طفلها الأول الذي انتظرته سنوات عديدة.
تركز المخرجتان على مسار الحقبة السوفيتية كلّما مرّتا بمدينة من مدن آسيا الوسطى وربما تكون مورغاب هي المدينة التي ماتزال تحتفظ حتى الآن بالبصمات السوفيتية، فقد أسسها السوفييت في أواخر القرن التاسع عشر وشيّدوا فيها المطار والمستشفى والمدرسة وصالة السينما، وعبّدوا فيها الطرق الحديثة. وقد وقع اختيار كات وهانا على شخصيتين مهمتين وهما گولينا الطبيبة والقابلة المختصة بأمراض النساء، والممرضة باكتايكان اللتين تعملان في مستشفى المدينة، وهو الأكبر في الإقليم قاطبة. وعلى الرغم من أهمية الاستقلال الذي حصلت عليه طاجيكستان إلاّ أن حكومتها لم توفر لمواطنيها الخدمات الصحية المطلوبة فهي تشكو من قلّة الدعم، وشحّة الدواء، ونقص المسلتزمات الطبية، وانقطاع الكهرباء. ثم تسترسل في الحديث عن واجباتها الوظيفية والمنزلية. ويبدو أنها قد ولّدت غالبية النساء في هذه المدينة وأن كل المواليد الجدد ينادونها بكلمة "جدتي". أمّا الممرضة باكتايكان فتتلخص قصتها في محاولتها المستميتة لتبني ابنة أختها التي ماتت في أثناء الولادة لكنّ أهل البنت رفضوا فكرة التبني جملة وتفصيلا. تشكو باكتايكان التي تعلمت قيادة السيارة في هذه المدينة التقليدية النائية من النظرة السلبية للمجتمع الذي ينظر أفراده باستغراب إلى المرأة التي تجلس خلف عجلة القيادة وكأنّ هذا الأمر مقتصر على الرجال فقط.
في اليوم السادس والثلاثين تصل كات وهانا إلى الطريق الذي يأخذهما إلى كاراكول، وهي أعلى نقطة على طريق بامير السريع الذي يصل ارتفاعه إلى 4,655 م عن مستوى سطح البحر حيث تشعر هانا ببعض الحزن لأنها ستغادر هذا المكان الجميل وربما لن تعود إليه ثانية.
الجيل الأصغر لا يلتفت إلى رغبات المجتمع التقليدية وأفكاره العتيقة التي أكل الدهر عليها وشرب، فآيبيري، موظفة الاستقبال، تعلمت قيادة السيارة على يد والدها وشقيقها وهي لا تعير اهتمامًا لنظرة المجتمع على الإطلاق. ثم تتطرّق إلى فكرة "خطف العروس" وهي ظاهرة شائعة في طاجيكستان وسوف تستمر إلى عشرين سنة قادمة في الأقل. لا تتوقع المخرجتان بأنّ كل شيء يجب أن يسير على ما يرام، فثمة إزعاجات هنا وهناك، فتتارة تتابعهما أجهزة الأمن الطاجيكية، وتارة أخرى يتصفحون بعض الملفات في جهاز اللابتوب، وتارة ثالثة يختمون جوازات سفرهن بدمغة لا حبر فيها. ومع ذلك فإنّ متعة الرحلة كبيرة ولا حدود لها.
هيمنة العنف المنزلي، والنظرة الدونية للمرأة
لا تختلف العادات والتقاليد الاجتماعية في قرغيزستان عن سابقاتها في طاجيكستان وأوزبكستان حيث يتسيّد العنف المنزلي، وخطف العرائس، والنظرة الدونية للمرأة كما هو الحال في كاراكول أو العاصمة بيشكيك التي طُعنت فيها امرأة من قِبل زوجها في مركز الشرطة وطلبوا منهما تسوية القضية خارج أروقة الدولة.
أمّا اللقاء الأخير فهو مع زارينا، طالبة الدكتوراه التي تعلّمت من أمها الشيء الكثير فطوّرت شخصيتها القوية التي تقتحم الصعاب ولا تعرف الخوف أبدًا. ونظرًا لثقافتها العميقة فهي لا تسمّي نفسها نسوية وإنما تبحث عن المساواة للنساء والأطفال والرجال أيضًا لأنّ الشباب أنفسهم يتعرضون لضغوط المجتمع ويتزوجون وفقًا لإرادته.
في الطريق من مدينة "توب" إلى العاصمة بيشكيك أيقنت المخرجتان كات وهانا بأنهما التقيا بنساء مدهشات وأن النسوية موجودة بقدر أو بآخر حتى المجتمعات المعزولة والنائية مثل بلدان آسيا الوسطى المحصورة بين روسيا شمالاً وأفغانستان جنوبًا. وأنّ المواقف والأعمال الصغيرة التي تقوم بها النساء والفتيات قد تمرّ من دون أن يلاحظها أحد لكنها تتراكم شيئًا فشيئًا حتى تُصبح ثورة كبيرة تهتز لها أرجاء آسيا الوسطى برّمتها.
جدير ذكره أنّ فيلم "نساء خلف عجلة القيادة" قد عُرض في مهرجان أدنبرة السينمائي الدولي وقد حظي باهتمام النقاد والمتابعين على حدٍ سواء. كما حصل الفيلم على جائزة "جون برابورن" التي تُسند إلى المواهب البريطانية الناشئة في السينما والتلفزيون.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech