باسم حسين الزيدي
الفساد في معاجم اللغة هو (فسد) ضد (صلح) والفساد لغة بمعنى (البطلان)، فيقال فسد الشيء أي بطل واضمحل، كما يعرف بانه "انحراف او تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة".
اما تعريف الفساد فيختلف بحسب الجهة التي عرفته، فمثلاً عرف البنك الدولي الفساد بانه: "شكل من اشكال خيانة الأمانة او الجريمة التي يرتكبها شخص او منظمة يعهد اليها بمركز سلطة للحصول على مزايا غير مشروعة او إساءة استخدام السلطة لصالح الفرد".
سياسياً يحدث الفساد عندما يتصرف صاحب المنصب، او أي موظف حكومي، بصفة رسمية لتحقيق مكاسب شخصية، كما في الـ كليبتوقراطية (حكم اللصوص) او الاوليغارشية (حكم الأقلية).
نفهم من تعريف الفساد لغة واصطلاحاً انه ضد الصلاح والنزاهة والشفافية، بمعنى التحول من الحالة الطبيعية والفطرة السليمة للفرد والمجتمع الى حالة من الانحراف عن طريق الحق وجادة الصواب، والانحراف نحو الفساد يشمل التنازل عن القيم والمبادئ والأخلاق والفضائل المانعة للانحراف واستبدالها بالرذائل والمبررات والمفاهيم التي تجيز عملية الانتقال الى الفساد.

أنواع الفساد
ان أنواع الفساد كثيرة، لأنها تدخل في كل مجال تقريباً اما أبرزها:
1. الفساد السياسي: والذي سبق ان أشرنا اليه في تعريف سابق، ويعني سوء استخدام الوظيفة العامة (حاكم/ قاضي/ موظف/ برلماني) لتحقيق مصالح شخصية على حساب الجميع، وبالتالي التأسيس لعملية انهيار تدريجي للدولة ومؤسساتها ونظام الحكم فيها وبالتالي التحول نحو النظام الفردي وممارسة الاستبداد والديكتاتورية.
2. الفساد الاقتصادي: خيانة الأمانة لسلطة عامة والتي اوكل بها شخص او منظمة للكسب الشخصي، وهو من أخطر أنواع الفساد كونه يضر بالصالح العام ويتسبب بهدر المال العام وضياع حقوق الملايين من أبناء المجتمع، خصوصاً وان الفساد الاقتصادي غالباً ما يستهدف القطاع العام الذي يسهل التحايل عليه مع غياب الرقابة واستخدام السلطة.
3. الفساد الاجتماعي والأخلاقي: عندما يتم استهداف القيم والعادات والتقاليد التي تراعي الضوابط العامة وتحافظ على سلامة وتماسك مجتمع ما، بعادات وسلوك وقيم غريبة ومنحرفة عن واقع هذا المجتمع، فان النتائج تكون كارثية وتؤدي الى حدوث تصدعات أخلاقية وانهيار للقيم السائدة وبالتالي الجنوح نحو الفوضى الاجتماعية والتفكك الأخلاقي.
4. الفساد الفكري والثقافي: لا يقل خطر الأفكار المنحرفة والثقافة الهدامة التي تغزو العقول والمجتمعات عن خطر أنواع الفساد الأخرى، لأنها تستهدف الانسان في المقام الأول وتحوله الى تابع بلا وعي يطبق أفكار الاخرين، وهذا ما يحدث عادة مع اتباع الفكر المتطرف بمختلف التيارات والمدارس والاتجاهات الفكرية.

أسباب الفساد
أسباب الفساد كثيرة جداً، وتختلف أسباب توطينها في المجتمعات من مكان الى اخر، لكن وجودها واحد في جميع الدول والمجتمعات والشعوب التي تعاني من افة الفساد وخطر انتشارها.
ان المسبب الأول للفساد هو "الانسان" بذاته وبعمله وجهده الذي اوصله الى قبول آفة الفساد وانتشاره والضرر الذي الحقه به وبأسرته وبالمجتمع ككل.
ان قبول المجتمع بالرشوة او إعطائها والسكوت عن الظلم والقبول بحكم اللصوص والتنازل عن الحقوق وعدم الالتزام بالواجبات وضياع الحريات وغيرها، هي ما تدفع نحو استحكام آفة الفساد وتغلغلها داخل المجتمع ومؤسسات الدولة حتى تتحول الى جزء من ثقافة المجتمع التي لا يمكن التنازل عنها او تغييرها بسهولة، وقد ذكر القرآن الكريم هذا الامر في قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم/ (41).
1. طبيعة النظام الحاكم المستبد الذي يبني مؤسساته ونظام حكمه على الفساد والاحتكار السياسي للسلطة.
2. انعدام او انخفاض الحريات العامة والخاصة كحرية التعبير عن الرأي والاعلام المستقل ووجود المعارضة وغيرها من الحالات الصحية.
3. انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي.
4. الجهل والفقر والمرض وغيره من الآفات التي تنخر جسد المجتمع وتحوله فريسه سهلة للهزات والتقلبات.
5. قله الوعي بالواجبات والحقوق وضعف النسيج الاجتماعي الذي يهدد السلم والامن.
6. التأثر بالأفكار والقيم والعادات الدخيلة والتحول المجتمعي نحو الاستهلاك الخارجي والثقافة البديلة.
7. عدم وجود تخطيط او رؤية استراتيجية للمستقبل، خصوصاً فيما يتعلق بمكافحة آفة الفساد في مختلف القطاعات.
8. تحول المجتمع الى قبول ثقافة الفساد والرشى في ظل انعدام الشفافية والنزاهة وسياسية الإصلاح.

مكافحة الفساد
مثلما يشكل الفساد مرضاً مزمناً في جسد البلاد التي تعاني منه، فإن القضاء على هذه الافة يحتاج الى علاج طويل الأمد الى جانب خطط قصير ومتوسطة الاجل تطبق على مراحل وفترات زمنية محددة، كما يحتاج الى وحملات وطنية كبرى يتكاتف فيها الجميع وتقسم خلالها الأدوار بحسب القدرة والكفاءة.
ومن أبرز خطوات مكافحة الفساد:
1. عملية التخطيط المنظم لرؤية واضحة في عمل استراتيجية وطنية كبرى للقضاء على آفة الفساد واقتلاعها من جميع مؤسسات الدولة.
2. العمل بمبدأ الشفافية والنزاهة في مختلف قطاعات الدولة.
3. القضاء على البيروقراطية الإدارية او التدوينية في مؤسسات الدولة والتي تعتبر من اهم عوامل تسهيل انتشار الفساد وعدم السيطرة عليه.
4. تعديل القوانين وإصلاح القضاء
5. منع الأحزاب والشخصيات النافذة وأصحاب المناصب العليا من استغلال نفوذهم لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية على حساب المال العام.
6. تعزيز القيم والعادات والثقافة الاصيلة داخل المجتمع والتي ترفض الفساد والسرقة والاضرار بالمال العام وتحث على النزاهة والإصلاح والمحافظة على المال العام.

الخلاصة
ان من أبرز الأمثلة على مساوئ الفساد الذي قد يضرب مختلف القطاعات في البلدان ويحولها الى دول فاشلة رغم الخيرات والموارد الموجودة فيها هو "العراق"، البلد الذي عانى مبكراً من ازمة الجفاف والتغير المناخي وانعدام الاستقرار السياسي والأمني والتخبط الاقتصادي، إضافة الى الازمات المزمنة التي يعاني منها على مستوى الخدمات والتعليم والصحة والبنى التحتية.
لقد سيطر الفساد على مختلف القطاعات الحيوية في العراق، وأدى الى تراجع أداء هذا البلد على المستوى السياسي والاقتصادي والزراعي والتكنولوجي والحضاري، في وقت تشهد فيه دول العالم الأخرى تطوراً ملموساً في مختلف المجالات وفر لمجتمعاتها المزيد من الرفاهية والسلام والتقدم.لم تشفع للعراق كل النعم التي حباه الله (عزوجل) فيها، من مياه وزراعة وموارد بشرية وطبيعية وموقع جغرافي ممتاز، لان هذه النعم والتمتع بها مقرون بالطريقة التي تدار بها بعيداً عن الفساد الذي يقضي عليها ويحولها الى نقمة تعصف بالبلد والمجتمع.