آلن غينسبرغ: أميركا أعطيتك كل شيء وها أنا لا شيء
27-أيلول-2023
أنطوان أبو زيد
ترجم الشاعر العراقي محمد مظلوم مختارات شعرية ونثرية من أعمال الشاعر الأميركي آلن غينسبرغ، وصدرت عن دار الجمل بعنوان "آلن غينسبرغ: أعمال شعرية ونثرية" في 699 صفحة، وقد اعتمد مظلوم المصنّف الذي كان وضعه عدد من الباحثين والنقاد الأميركيين. ووضع مظلوم مقدمة ضافية وشاملة للمختارات، معدداً فيها المراحل الأساسية في حياة الشاعر ومسيرته الطويلة. ويفهم من تسويغ المصنف ومن ترجمته إلى العربية أن غينسبرغ ولئن كان صاحب الشهرة العالمية وأحد رموز الثقافة المضادة في أميركا، والمؤثر الأكبر في الشعر الأميركي في ستينيات القرن الماضي، فإن ما ترجم له من قصائد (سركون بولص، وتوفيق صايغ) إلى العربية، لا يعدو كونه "اختزالاً نمطياً" لهذه الشخصية، ولا يسعه أن يحيط بجميع جوانبها وآثارها.
بيئة الشاعر
وفي عودة إلى المقدمة نخلص إلى أن آلن غينسبرغ (1927-1997) ولد في مدينة نيوارك، ولاية نيوجرسي، من والدين ماركسيين، ملتزمين حزبياً، وإن كانت أصولهما يهودية. وكان والد آلن (لويس غينسبرغ) أستاذاً وشاعراً له ثلاث مجموعات شعرية، وكان يلقي على مسامع ولديه آلن ويوجين القصائد الكلاسيكية لعلهما يسيران على نهجه. وبالفعل، بلغتهما موهبة نظم الشعر، ولكن كان لكل منهما أسلوب مغاير عن الآخر.
أما والدة آلن، نعومي ليفي، ذات الأصول الروسية، وأن تكن مثقفة وأكاديمية بدورها، فإنها أورثت ابنها آلن نزعة التمرد والتشاؤم اللذين لازماه طويلاً حتى ما بعد موت الأخيرة عام 1958، في مصحة عقلية، إثر سلسلة من النكسات ومحاولات الانتحار، المتلازمة مع خيبات الطلاق وموت الابن (يوجين) باكراً، والشعور بالملاحقة المرضية أواخر أيامها من رجالات هتلر.
اتجاهات الشاعر الأولى
نشأ ألن، كما أشرنا، في أجواء يسارية وغير تقليدية أينما اتجه، سواء في منزله الوالدي، أو في جامعة كولومبيا، حيث تابع دروسه الجامعية ليكون محامياً عن العمال والمهمشين في المجتمع الأميركي، من دون أن يهمل كتابته الشعرية ذات المنحى التقليدي. ولكنه لا يلبث أن ينخرط في اتجاه "الرؤية الجديدة" بتشجيع كل من لوسيان كار، وجاك كيرواك، ويشرع في كتابة قصائده متبعاً سبيل ويليام باتلر ييتس، وآرثور رامبو.
ولما انتقل آلن غينسبرغ للإقامة في سان فرنسيسكو، وسط صحبه من الكتاب والروائيين والمغنين والشعراء أمثال جاك كيرواك، وكارلوس وليامز، ووليم بوروز، وغيرهم، وكانوا جميعهم مجددين ومشجعين إياه على تجاوز مرحلة وليم بليك، غادر أسلوبه الأول، وصار ينظم قصائد النثر والقصائد الطويلة ذات الإيقاعات غير النافرة، إلى نظمه الأغاني، على ما كان سائداً لدى جماعة البيت، ثم لم يلبث أن لاقى جيل الهيبي في مده بالشعر المغنى ذي المضامين المحتفلة بالحرية ومعارضة الحروب، والدعوة الصريحة إلى الجنس سواء أكان مثلياً أو بين جنسين، ومعاداة التمييز العنصري، وغيرها من الموتيفات التي حفل بها شعره.
أعمال شعرية
لم يكد ألن غينسبرغ ينشر قصائده بل مطولاته المنطوية على رؤية جديدة، ونبرة شديدة البروز في حدتها ونقدها المجتمع الأميركي، وغنائيتها، وجرأتها في تناول المحرمات، إلى حينه، من مثل الدعوة إلى المثلية الجنسية، والتصريح عن أفعال فاحشة، والكشف عن مخبوءات اللاوعي التي لطالما كبتها الوعي والأخلاق السائدة، حتى ذاع صيته في بلاده، على رغم الدعوات إلى مقاضاته وسجنه، وازدادت ترجمات شعره إلى لغات العالم، ولا سيما قصيدته "عواء" التي شكلت ما يشبه النشيد العام الذي يمجد فيه خاصته، وأعني بها المهمشين، والفقراء، والسجناء، والمرتكبين، والمنبوذين، وذوي الميول الجنسية المثلية، والمجانين، والمهلوسين بفعل المخدرات، وغيرهم ممن يعتبرون النقيض من مجتمع النخبة الأميركي الغارق في لعبة المصالح والتقاليد والسلطة العنيفة والدين، والعرق، والرأسمالية، وأساطيرها، على حد اعتباره، والخائض الحروب في فيتنام وغيرها. وخص الشاعر موضوعة حرب فيتنام، ببعض قصائده ومنها "الذين ينبغي أن تعاملهم بلطف": "كن لطيفاً مع نفسك يا هاري، لأن القسوة/ تحل حين يفجر الجسد/ النابالم والسرطان والموت في فيتنام/ إنه مكان غريب لتنحني فيه أحلام الأشجار/ أمام الوجوه الأميركية الغاضبة/ ابتسم ابتسامة عريضة وأنت تمشي مرعوباً في النوم/ على امتداد نظرتك الأخيرة/ كن لطيفاً مع نفسك، لأن نعمة / لطفك ستغمر الشرطة في غد،/ لأن البقرة تبكي في الحقل/ والفأر يبكي في جحر القط..." (ص:173).
ولن يكون ممكناً الكلام على هذا الرابط الأكيد بين سيرة غينسبرغ وشعره، من دون الحديث عن العلاقة المريرة والأليمة بين الشاعر وأمه التي طوت سنوات عمرها مريضة مرضاً عصابياً، أفضى بها إلى الموت عام 1958 في إحدى المصحات العقلية، بعيداً من أي من أبنائها وزوجها. وإذ عاودت الشاعر لحظات الندم على مفارقة أمه، لحظة احتضارها، ترك لها قصيدة بعنوان "قاديش" في رثائها، يقول فيها: "استريحي هناك حيث لا معاناة تنتظرك بعد الآن، لا بهجة بعد الآن. أعرف إلى أين ذهبت، وأنه لخير لك، لا زهور في حقول الصيف في نيويورك، بعد الآن، لا بهجة بعد الآن، لا خوف من لويس بعد الآن، ولا نريدً من عذوبته ونظاراته، وسنواته العشرين في التدريس الثانوي والديون والحب.." (ص:110). "يا أمي/ ماذا حذفت / يا أمي/ ماذا نسيت/ يا أمي/ وداعاً/ بحذائك الأسود الطويل/ وداعاً/ بحزبك الشيوعي وجوربك المشقوق/ وداعاً/ بصوتك وأنت تغنين للعمال المعدمين/ بعينيك/ بعينيك حيث روسيا/ بعينيك حيث الإفلاس/ بعينيك الهند المتضورة/ بعينيك أميركا الآيلة للسقوط.." (ص:139).
نحو الشرق الأقصى
وفيما تأتي مقدمة الكتاب على ذكر المرحلة التي تلت رحلة غينسبرغ إلى الشرق، إلى الهند بصورة خاصة، بحثاً عن أجوبة لكثير من الأسئلة الروحية التي كانت تنتابه منذ وصوله إلى الهند، من مثل اكتشاف علاقة شخصية بالله، والبحث عن مرشد روحي يصف له تعويذة اليوغا، وتمارين التنفس، فإن الأكيد هو أن الشاعر اكتسب كثير من رؤيته الجياع والزهاد، وطقوس حرق الجثث، هناك، ولربما آلمه ما يعانيه الناس الفقراء في تلك البلاد من شظف العيش وتمييز طبقي حاد، مع الرضا بمآل أرواحهم بعد الموت، فأقلع عن الإدمان على المخدرات، وأثرى رؤيته الشعرية بأحد الأبعاد الروحية والصوفية التي أستمدها من الديانة البوذية وتقاليدها وطقوسها الخاصة. وها هو يستمد من تجربته مدداً ليصوغ رؤيته الروحية شعراً، يستهله بعبارة أثيرة بلغة البوذيين "سوترا". "أنا قادم من العراء/ رجلاً وحيداً، مستقلاً حافلة/ ومنوماً مغناطيسياً بأضواء خلفية حمراء للسيارات/ على الطريق الممتد عبر المدى/ والكاهن الميتودي/ ذو العينين المتصدعتين/ ينحني على الطاولة..." (ص:181).
بيد أن صورة غينسبرغ الإنسان وثورته لا تكتملان من دون المرحلة ما قبل الأخيرة من تجربته الإنسانية التي خبر فيها التباعد الفادح بين النظريات السياسية (الشيوعية) في كل من الصين وكوبا وبين الشروط الإنسانية المثالية التي يفترض أن يوفرها هذان النظامان اللذان لم يتوانيا عن اعتقال ألن غينسبورغ وطرده من أراضيهما، فنظم عندئذ قصيدة "عودة ملك أيار" يقول فيها: "أنا ملك أيار أعاني ارتفاع ضغط الدم والسكري والنقرس والشلل الرعاشي والحصى في الكلى وأضع نظارات سميكة وأرتدي تاج الحمقى بلا جهل ولا حكمة/ ولا خوف ولا أمل بعد الآن لا بربطة عنق رأسمالية مقلمة ولا ببذلة شغيلة شيوعية/ ولا مزاج للضحك على ضياع الكوكب لمئات السنوات القادمة" (ص:281). ومن القصائد الشهيرة التي ترجمها مظلوم، بسلاسته ومتانته المعهودة في الترجمة، قصيدة "أميركا" الرهيبة التي يقول غينسبرغ في مطلعها:" أميركا، أعطيتك كل شيء وها أنا الان لا شيء...".
والمختارات، إلى ذلك، حافل بمقتطفات دالة من يوميات غينسبرغ في الهند وكوبا والصين، ومقابلات معه، ورسائل متبادلة بينه وبين أصدقائه الخلص.
للشاعر آلن غينسبيرغ، كما بات معروفاً كثير من المجموعات الشعرية، منها: "عواء" وقصائد أخرى، "قاديش" وقصائد أخرى، "شطائر حقيقية"، "بوابات الغضب"، "الحصان الحديد"، "الموت والشهرة". وله عديد من المؤلفات والرسائل واليوميات.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech