أبو ذر الغفاري.. السهم الاشتراكي
7-أيار-2024

(الحلقة الثالثة)
د. شاكر الحاج مخلف*
في الفترة التي تمت فيها استباحة الأمة، وسيطرة الوافد على أغلب بلدان الشرق العربي، ومنها العراق، تلك المرحلة اتسمت بغياب العدالة وتغيير حالة التشريع الإسلامي، وطمس الوقائع التاريخية التي تستنهض الهمم، إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة. تلك السيطرة الاستعمارية البغيضة التي قادت الشعوب وحواضر الأمة شرقا وغربا إلى التخلف عن المجتمعات الأخرى – الغربية بشكل محدد –، فيما تراجع مستوى المعيشة للفرد ولعموم التجمعات التي غرقت في العديد من المشاكل لتحقيق حالة التخلف والتراجع.
على الجانب الآخر ارتفع مستوى المعيشة للفرد الواحد وظهر ذلك الرخاء في المجتمعات التي عملت بقوة على إرساء القوانين وفتحت المجال واسعا لتمكين النظم الجديدة، وتبني النظريات الإصلاحية والسياسية وتشجيع البحث العلمي، تلك الفورة رفعت حالة الإنسان الغربي الذي راح يتلمس الوصول إلى الفضاء الاشتراكي وصولا الى صورة متخيلة للمجتمع الذي تتحقق فيه أفكار الكفاية والعدل. في تلك المرحلة ومابعدها سادت التشريعات التي تخدم الحياة وترتقي بالإنسان إلى مفردات الحياة الإنسانية الكريمة. أيضا سادت النظريات العلمية وتوسع الجهد العلمي. وظهرت صورة العمل الجمعي الذي يسعى إلى صورة الحياة الإنسانية الكريمة، إلى جانب ذلك سادت وتوسعت مراكز العلم والبحث التجريبي، وفتح نوافذ للتفكير الفلسفي العقلاني وعدم التصادم مع الاتجاهات الفكرية والعلمية والبحث في أسرار الكون. آنذاك ظهرت وتعمقت فكرة الاختراعات وتوسعت خرائط الصناعة الخفيفة والثقيلة وعند الشروع في الحروب الكونية العديدة توسعت آفاق السيطرة أكثر والحصول على الأسواق والسيطرة على طرق النقل. وصل الأمر الى استخدام الشعوب الواقعة ضمن السيطرة كوقود لحروب لا علاقة بها ...
القوى الاستعمارية ونشر التخلف
ثلاثة قرون من الزمان القريب – البعيد – هي الفاصلة بين أمم تطورت وأخرى ظلت ترسف في أغلال التخلف المزري والعيش بواقع سيء مستلب في ظل السيطرة الأجنبية متعددة الأشكال. في تلك الصورة الماثلة الآن صارت الهوة تتوسع بين أمم حققت حريتها ووضعت القوانين وانطلقت نحو مشارف المستقبل حيث ارتاد شبابها العلم والمعرفة وسجل حالات إبداع منقطع النظير، على أثر ذلك توالت في الغرب المنجزات ونشرت النظريات التي مسّت شتى ميادين العلم والتخيل في الابتكار، بينما في الضفة الأخرى من العالم حيث الظلام يسود ساد دون شك الجهل وحالة الفقر ونكوص التشريع وسيطرة مطلقة للقوى الغاشمة ووكلائها. أدى ذلك إلى حالات من التظاهر ورفض الهيمنة الاستعمارية.
ان تصاعد فعل الاحتجاج والمواجهة قاد بالنتيجة في بعض البلدان إلى حدوث انقلابات عسكرية البعض منها نجح في التنفيذ والسيطرة لفترة من الزمن ثم عادت الأمور لتبدأ دورة جديدة من السيطرة الأجنبية، بالرغم من ذلك ظلت المحاولات تتكرر ولكن دون جدوى.
الصورة القديمة تؤكد ان في منظومة دول العالم الأول والثاني ثبتت المجتمعات مفردات الحضارة، وسعت إلى ترسيخها والبناء عليها. بينما ظلت الدول المستضعفة تقبع تحت السيطرة الأجنبية. وعادت العيون تبحث في التراث القديم، وهي تريد حصول خطوات الإصلاح من أنظمة كانت تتغير بين فترة وأخرى، وتطلق الفتاوى السياسية على وجود حالة متحررة
المواجهة الأولى
تم استحضار البعض من فكر السلف الصالح في سنوات البداية التي ترافقت مع ظهور الدعوة الإسلامية في منطقة شبه الجزيرة العربية ثم في الشام والعراق وحواضر أخرى كانت مؤثرة في فواصل الزمن الذي مرّ، وجدت العقول ان دعوة – أبا ذر الغفاري - قد سبقت التردي الذي حصل بعد مرور أزمنة عديدة. وصار البحث الذي حصل مبهرا، عندما ظهرت بوادر النزاع مع التكوين الحاكم آنذاك؛ إذ نادى جهارا في الناس مؤكدا على: التوافق الحاصل في ملكية الفرد من خلال العمل الصحيح وجمع المال الخالي من الشبهات؛ نبذ فكرة الاستحواذ والسرقة واغتصاب الحقوق لجمهرة المستضعفين بقرار من الحاكم او أي هيئة للتشريع.
وضع أبوذر الغفاري في المقام الأول إقرار حقوق الخالق وكفالة الحياة الكريمة للفقراء من خلال تفعيل نهج الزكاة والخمس، وغير ذلك من الأحكام التي أقرّها الخالق في القرآن الكريم والسنة النبوية.
تذكر فواصل التاريخ ان أصعب فترة حصلت فيها المواجهة بين الغفاري وسلطة الحكم "خاصة في فترة حكم الخليفة الراشدي الثالث" عندما هاجم بوضوح شديد قوة تسلط الأمويين وحصولهم على المكاسب غير المشروعة من أموال المسلمين – بيت المال – والاعتراض على إنفاق تلك الأموال وتبديدها على نزوات الحكام في الشام واتباعهم، والإدانة الشديدة لعدم إنفاق تلك الثروة من أجل إصلاح حالة الطبقة الفقيرة وتحقيق مجتمع الكفاية والعدل. كانت تلك المواجهة الأولى التي قادها عندما عارض سلوك الحكم لدى الخليفة وبطانته. وقد دعاه في تلك المواجهة أمام الناس بالعدول عن إتباع نهج بعيد عن جوهر الإسلام وتطبيق القوانين التي نادى بها القرآن الكريم، وطلب منه ان يعود إلى النهج الذي اتبعه الخليفة الثاني والأول في تسيير دفة الحكم والمساواة بين الرعية. تلك المواجهة العادلة إثارة الغضب الشديد لدى صاحب القرار السيادي. اتهمه أمام جمع من المسلمين بشق عصا الطاعة وتفريق كلمة الجموع المؤمنة. أشار الخليفة الى ان تلك الدعوات مضللة، وتهدف إلى إثارة مشاعر الناس وهي قد لفّت الأمصار، ورفعت مستوى الإحتجاج والغضب وقيادة العصيان ضد اتباع الخليفة. قال الخليفة حاسما "أحذرك ياغفاري من هذا السلوك، توقف عن إذكاء نار التحزب والتفرقة. توقف عن دعوة الناس إلى العصيان. دعوتك باطلة مع انها حركت غضب أهل الشام بقوة ضد الحكم، وأثارت فوضى عارمة ألحقت الأضرار الكبيرة بسلطة الخليفة وعامله على عدد من الأمصار". رد الغفاري ردا قويا دونته كتب التاريخ قال: " ... اتبع سنة صاحبيك لا يكن عندها لأحد عليك ملام".
النفي القسري
توسّعت شقة الخلاف بين الغفاري والخليفة الثالث، الأمر الذي أدى إلى توسع الخلاف بين الحاكم والمحكوم. على أثر ذلك اندفعت الأمور بينهما نحو الاحتراب المعلن والخفي.
بعد تكرر حوادث التصادم مع الخليفة واتباعه، حصلت عملية النفي الأول إلى الشام التي كان يحكمها بنو أمية. وجدوا الفرصة سانحة للثائر من الغفاري وإذلاله والتنكيل به ومحاصرته ليعيش شظف العيش. لم يتوقف عن دعوته تلك عندما عاد من المنفى الأول، وظل يطالب برفض الظلم والمطالبة بتحقيق العدل والمساواة وتوزيع الثروة بشكل يمنح الفقراء العيش الكريم، ومرة أخرى انفجر الخلاف بين الخليفة والغفاري خلال حادث موت "عبد الرحمن بن عوف" عندما طلب الخليفة في لحظة دفنه الرأي بثروته. استمع إلى رأي كعب الأحبار بشأن تلك الثروة. الرأي الذي سمعه الغفاري زاد من غضبه فهو استمع إلى رأي يخالف التشريع الإسلامي، الأمر الذي دفعه ليرفع عصاه ويهوي بها على رأس كعب الأحبار، الأمر الذي دفع الخليفة إلى إصدار أمره بنفي الغفاري مرة أخرى "إلى الربذة". قرار الخليفة وسع شقة الخلاف وأثار غضب أهل مكة وحواضر أخرى، على أثر ذلك انطلقت شرارة الثورة العامة في جميع الأمصار ...

الغفاري وعلي بن أبي طالب
استمد الغفاري مواقفه القوية الصارخة بالحق ومقارعة الباطل من النهج الذي اشاعه في سلوكه الإمام علي بن أبي طالب قبل ان يتولى الخلافة. وكما يرى الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه علي إمام المتقين "تجسدت في الإمام علي أخلاق الإسلام ومثله، فقد رباه "النبي ص" طفلا ورباه صبيا، وثقفه فتى. وقال عنه قولته المشهورة ((أنا مدينة العلم وعلي بابها، ثم ان عليا كرم الله وجهه لم يسجد لغير الله، وما دخل قلبه منذ الطفولة شيء غير الإسلام. كان هو المجاهد العظيم في سبيل الله والحق والعدالة، وقد علم الصحابة منزلة "علي" لدى الرسول الكريم ومنهم الغفاري – الذي اقترب منه كثيرا وحمل نهجه الموصوف بالنهج اليساري الاشتراكي، كان بمثابة السهم الذي انطلق في حواضر المدن، داعيا الى العدالة والتكافل والرحمة ومناصرة الفقراء ......
(يتبع)

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech