(الحلقة الثانية عشرة)
د. شاكر الحاج مخلف
العمل المقدس
العمل أساس الوجود ، تلك تعاليم الدين الجديد ووصايا النبي ومن بعده السلف الصالح وبرزت الدعوة لتقديس العمل كمنهج للحياة لدى علي بن أبي طالب الذي عمل في فترات حياته أجيرا وعاش شظف العيش وأحس بما يتركه الفقر عند الناس من خلل وصلت تلك التعاليم التي جاهر بها في خطبه ونهج البلاغة يتضمن الكثير من الإشارات لذلك ، تلك الدعوة السامية تركت أثرها لدى الكثير من الصحابة الأبرار ومنهم أبو ذر وعمار وغيرهم ، لا يعتدل منهج الحياة إلا بالعمل النافع وما يتركه الإنسان للناس من بعده ، رفع الإسلام من قيمة العامل والعمل ونبذ ان تتحول الدولة إلى مرتع للأغنياء وتتوسع ضفاف الفقر ويحصل الشرخ في الوجود الإنساني ،أجتهد على بن أبي طالب على نشر تلك التعاليم المرتبطة بنهج الإسلام والنصح النبوي ، أراد في دعوته أن تظل الأرض لمن يزرعها ويكون ريعها للناس والدولة ،لتبقى مصالح الناس مصانة ، لكن فترة حكم الخليفة الثالث دارت فيها الأفكار والممارسات بشكل آخر أبتعد عن جوهر الإسلام حيث تراجعت سيطرة الفلاح العامل واستحوذ الملوك والأمراء وأصحاب السطوة من الأغنياء على مساحات شاسعة من الأرض المنتجة أدى ذلك إلى تقلص رقعة العمال – الفلاحين – الذين هجروا الأرض وصاروا يبحثون في أماكن أخرى عن فرص للعمل المجزي ..
ظهور الأقطاعيات
في زمن ابن عفان تحولت البلاد المسلمة إلى اقطاعيات تعود للأمراء وأصحاب المواقع القيادية إضافة إلى فرض قوانين جائرة تمثلت بفرض الخراج والجباية او مصادرة الأرض أو ضمها لبيت المال وانتقالها فيما بعد كملكية مطلقة لحكام الأمصار وقادة الجيش والاتباع ، تراجع قسرا مبدأ توزيع الأرض لزراعتها وما يدر من خلال ذلك كنفع للأمة وضمان توازن اقتصادها ، انتفض علي ومن بعده الغفاري وغيرهم ضد تلك النزوات وجاهر علي بن أبي طالب برأيه الفاصل " لايحق لأحد ان يكون له ملك خاص ، ذلك من تدهور الأمم وفشل القيادة ، وبداية ظهور اللصوص ، يجب ان يكتفي كل مسلم أو غير مسلم يعيش في بلاد تخضع لحكم الخليفة ان يمتلك حق الكفاية في الرزق والعيش الكريم وتتاح له فرصة العمل وزراعة الأرض والمساهمة في دعم اقتصاد البلاد ، تلك دعوة سليمة لتحقيق حالة الاكتفاء لكل فرد تحت خيمة دار الإسلام ، تلك الدعوة من شأنها توفير الطعام لكل فرد وتبعد عنه الحاجة والفقر ، حيث تتوفر مساحة العيش الكريم – في زمن سومر ضمن حضارة بلاد ما بين النهرين العظيمة كانت تلك القوانين مبكرة على الكون حيث الزراعة هي الهدف الأول للحاكم وللشعب ويكاد يندر وجود الاقطاعيات وفي ألواح كثيرة أطلعت عليها تعتبر أهم هدية للفرد – المواطن – ان يمنحه الحاكم مساحة من الأرض ليزرعها ويخلق حالة الطمآنينة للدولة والمجتمع من خلال ناتج الأرض ،في مجتمع الكفاية والعدل يحق للإنسان أن يزرع ويعمل وينتج الفكر والثقافة ويضع شروط الحياة الصحيحة- يحق له في مجتمع متوازن ان يملك ما يشاء وينتج الخير بعيدا عن مشروع الفساد ...
صورة الحاكم المطلوب
الحاكم العادل النزيه لا يقف ضد منهج العمل وحالة المساواة بل يكون أمينا على شعبه وثروات أمته ، لا يسيء استعمال القانون أو يعمد إلى اكتناز الثروة ويحبس الخير عن الرعية ،وهو مطالب ان ينفق من أموال الدولة لمساعدة الفقراء وأصحاب الحاجة ، ذلك إلى جانب تفعيل منهج الزكاة والتبرع بتلك الأموال لتعضيد حياة الطبقة المسحوقة ويرفع من شأنها المعيشي ، ذاك هو الجهاد الحقيقي في سبيل الله ، أنطوت صفحة المعارك والحروب ثمة حرب تتواصل ضد الفقر والجهل وتوفير فرص العمل " حي على خير العمل " ذاك هو الشعار الصحيح والمبدئي لتعظيم منهج العامل وماينتج ، ينفق الحاكم العادل غير الفاسد الأموال المتوفرة لتعمير بلاده ونشر العلم وتوفير العلاج للفقراء في مصحات صالحة لذلك ، الذين دخلوا نفق الفساد من الحكام وحبسوا ثروات الشعب وجعلوا الفقر يمزق المهج والأعراض يعملون ضد شريعة الحياة وضد منهج الوجود زاد لديهم البخل حد الطغيان تلاعبوا بمصير الناس اداروا ظهورهم لقيم السماء ، قال الله في محكم كتابه الكريم " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم ، سيطوقون ما بخلو به القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير " وفي آية أخرى يقترب التحذير السماوي أكثر كما قال سبحانه وتعالى " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " تلك من أسباب النقمة والتعارض والثورة الكبيرة التي اجتاحت الأمصار
اعتراض علي بن أبي طالب
في فترة حكم الخليفة الثالث ،أطلق علي بن أبي طالب مقولته التي صارت جزءا من المشروع الثوري الاشتراكي عندما قال "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لايخرج شاهرا سيفه " حاول ان يذكر الخليفة بأيام عمر بن الخطاب " رض " وبما اتفقوا عليه في اجتماعهم ومطالبة الخليفة الثاني بأن يعيد توزيع الثروة بشكل عادل ، حيث هز العقول تكدس الثروات لدى بعض الأفراد وامتداد خيمة الفقر على السواد الأعظم من الناس ، حصل اقتناع تام لدى الصحابة بما ورد في دعوة " علي بن أبي طالب " الذي رفع صحيفة الاتهام بوضوح وشجاعة وقال " مامن أحد يخزن فوق حاجته إلا حرم آخرين من ذوي الحاجة " وتمتد النصيحة للخليفة ويذكره بعهد عمر امام جموع المسلمين عندما قال في خطبته " والله لئن بقيت إلى الحول لألحق اسفل الناس بأعلامهم ، لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول الأغنياء فردتها على الفقراء " تلك كانت دعوة صادقة للعودة إلى مبدأ إنفاق اغنياء المسلمين في سبيل الله ومساعدة الملهوف المكتوي بنار الفقر " فَلَوْلَا كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍۢ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ " تلتقي تلك الأقوال مع دعوة " الغفاري " وتعضدها ضد رموز البغي والفساد اصحاب الجشعوالاستحواذ على ثروات الأمة وإفقار الناس والتلاعب بمصيرهم ....
النسيج الاشتراكي الأول
من فصول الاشتراكية عند الرسول الكريم تلك الممارسة التي ارسى قواعدها عندما اتخذ قرار المساواة بين الأنصار والمهاجرين وكان القول الواضح الذي اعتمده العطاء لذوي الحاجة هو أقرب إلى التقوى ، تلك هي الصورة التي كانت ماثلة في تلك الفترة المضطربة ،مزق ولاة الأمصار في فترة حكم الخليفة الثالث نسيج المجتمع استباحوا كل شيء وفرضوا اسس جديدة هي الأقرب للفساد وساد " بنو أمية " بالقرار وظهر الخليفة امامهم ضعيفا ، كان مروان بن الحكم هو صاحب القرار باعتباره مستشار الخليفة وأمين اسراره ينظر إليه أصحاب الحق ومن " علي بن أبي طالب " بأنه الفاسد السيء الذي يدفع الأوضاع للإنفجار لغاية خطط لها ، ظل ابن عم الرسول يطالب الناس بالتروي والصبر ومحاولة تقديم الوعظ للخليفة برفق ومودة ، والانتباه الى كيد مروان والمحافظة على مصير الدولة ومكانة الإسلام وتعاليم النبوة ،أخذ بعض الصحابة برأي " علي بن أبي طالب " وجاءوا إلى الخليفة ينصحونه ويطالبونه بتغيير ولاته المتجبرين الذين انتهجوا الفساد طريقا لقيادة الشعوب التي يحكمونها ، تكالبوا على جمع المال وإفقار الناس والعمل ضد أفكار الإسلام كانت تلك ردة كبيرة أسست للخلاف الكبير الذي شطر الأمة إلى يمين يستأثر بالمال والقوة ويستغل الناس ويسار يدعو للمساواة ويستند إلى أفكار الغفاري وعلي ومصدر القول لديه القرآن وما خطته تعاليم النبي "ص " لم يكن طلب تلك الوفود المخلصة سوى تغيير ولاة الفساد برجال أتقياء من أصحاب الرسول ، قال مروان بن الحكم للخليفة موضحا ومعللا غاية تلك الوفود " هؤلاء يطمعون بحلم الخليفة وصبره ويريدون أن يستبدوا هم بالأمر ويظهروا الخليفة مظهر العاجز والضعيف " ....
القول الفصل
وقال علي مجاهرا ضد تلك الطغمة الفاسدة التي استحكمت بأمور الناس وأشاعت الفساد " أتخذ الخليفة عثمان بطانة أهل غش ، ليس منهم أحد إلا تسبب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويذل أهلها " ولم تتوقف جهوده عند ذاك بل ناشد الخليفة ان يقصي عنه مروان بن الحكم فهو يحمل راية الضلال ويسعى لتدمير الأمة " وأضاف قائلا له في مواجهة صريحة عادلة " إن الحق ثقيل مريء والباطل خفيف وبيء ، وأنك متى تصدق تسخط ومتى تكذب ترض " ناشده مخلصا ان يسترد الضياع التي اقتطعها لولاته ، فما يحق لإصحابها أن يمتلكوها وفي الأمة من لايجد المسكن الصالح ولا الطعام " رد الخليفة على تلك النصيحة " ياعلي الخير عميم ، ان الناس جميعا يستمتعون بالمال ، فلم التضييق على الناس ، وقهرهم ودفعهم إلى الزهد ، وحرمانهم من الطيبات والمتاع الحلال ، لم يوافقه علي وقال له " لاتنظر إلى أهل المدينة وحدهم بل أنظر في أمر كل الذين يعيشون على أرض الإسلام الواسعة " ذكره بقول الله تعالي في محكم كتابه الكريم " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سيبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " عادت الأحداث من جديد وتذكر الناس موقف أباذر الغفاري وصولته من أجل الحق : إنهم خافوه على دنياهم، وخافهم هو على دينه، ذاك هو سر التأييد المطلق الذي حصل عليه من الصحابة ومن علي بن أبي طالب ، كان موقفهم القوي يعضد موقفه هو واصحاب النبي الأوائل يعرفون لماذا كان النفي من بلد إلى بلد، ولماذا كان التهديد بالقتل وبالفقر. ولماذا الرشوة، ولماذا قطع العطاء وأيضاً يعرف الغفاري : معنى قولهم: إنه أفسد الشام عليهم، ولماذا كانت خشيتهم على المدينة ...
موقف الخليفة عمر
حرم عمر بن الخطاب على المسلمين اقتناء الضياع، والزراعة، لأن أرزاقهم، وأرزاق عيالهم، وما يملكون من عبيد وموال، كل ذلك يدفعه إليهم من بيت المال؛ فما لهم إلى اقتناء المال من حاجة ، إن الأمويين لم يستطيعوا أن يقبلوا أبداً: أن يكون المال مال الله، ويجب إنفاقه على عباد الله، وفي سبيل الله، بل كانوا يرون: أن ما في بيت المال ملك لهم. ولهم فقط ،قال معاوية " إن مال الله لهم، والأرض أرضهم، فاعترض عليه صعصعة تارة، والأحنف أخرى " بعد مصرع عثمان بن عفان «أمر علي ابن أبي طالب – الخليفة الرابع - أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت، أو أصيب أصحابها . فبلغ ذلك عمرو بن العاص، وكان بأيلة من أرض الشام ، أتاها حيث وثب الناس على عثمان، فنزلها فكتب إلى معاوية: ما كنت صانعاً فاصنع، إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها» فقال مروان بن الحكم بعد هروبه إلى الشام ليلة مصرع عثمان " فقال مروان: المال مال أمير المؤمنين معاوية، يقسمه فيمن يشاء، ويمنعه ممن يشاء، وما أمضى فيه من شيء فهو مصيب فيه " بعد أن رأى الناس ما فعله الخليفة بالصحابي ابي ذرالغفاري ، لم يكن لهم مناص إلا بأن ضحوا به والتزموا الصمت ولم يعترضوا على الذي حدث ولم يتذكروا قول النبي في عندما رسم نهاية الغفاري " تقتلك الفئة الباغية " الغفاري أقرب الصحابة إلى النهج الإشتراكي وتحدث عن تقسيم الثروة في العالم فقد كانت أحب الآيات إلى نفسه آية 34 من سورة التوبة : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ !
تطابق موقف الغفاري مع عمر
ولهذا دعم الغفاري قرارات عمر بن الخطاب بمنع أغنياء الصحابة من تملك الأراضي خارج يثرب ومنع تملك الأراضي لأكثر من ثلاث سنوات بدون إستخدام أو إستغلال ومن لم يستغل أرضه تسقط ملكيتها عنه لمن يستطيع إستغلالها وبهذا قضى على تجار الأراضي الاغنياء ودعم نهج عمر أيضا في التوزيع العادل والكافي لأموال بيت المال دون إسراف على فقراء المسلمين ، وقال علي بن أبي طالب عنه كما ورد في نهج البلاغة : يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ غَضِبْتَ للهِ، فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ، إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ، وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَاهْرُبْ مِنهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ; فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ، وأَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ! وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابحُ غَداً، وَالاَكْثَرُ حُسَّداً. وَلَوْ أَنَّ السَّماَوَاتِ وَالاَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْد رَتْقاً، ثُمَّ اتَّقَى اللهَ، لَجَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً! لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ، وَلاَيُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لاَحَبُّوكَ، وَلَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لاَمَّنُوك " لذا بدأت المشاكل تظهر في فترة حكم الخليفة الثالث وهو الثري المقترب كثيرا من اليمين الذي يملك الثروة والصولجان ، في فترة خلافته سمح بتجارة الأراضي وإطلاقه ليد بني أمية الأثرياء حكام الأمصار خاصة في الشام حيث كان الغفاري يعيش وقتها ، وضج أبو ذر من الحكام والولاة الذين كان يعينهم عثمان بن عفان وخصوصا بنو أمية لتحكمهم في بيت مال المسلمين وإنفاقهم منه على أنفسهم ومتعهم الخاصة بينما بين المسلمين من هو محتاج وشعر معاوية بالخطر وبوادر ثورة شعبية ضده يقودها أبو ذر. فحاول رشوته تارة ولم يفلح فطلب من عثمان أن يستدعي الغفاري للمدينة ، هو من ثار على إستغلال النفوذ ومحاباة عثمان لأقاربه مثل معاوية وعبد الله بن عامر ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة وتعيينهم ولاة وما فعلوه بأموال المسلمين ، أبي ذر الغفارى يعد أمة واحده فى الرأي والزهد والاستمساك القوي المتين بأصول النهج الإسلامي والسيرة النبوية ، هو محامي الفقراء في تلك الفترة ، في المواجهة الأخيرة بينه وبين الخليفة الذي استدعاه وقال له:
- اختر لك مكاناً تعيش فيه،
- قال أبو ذر: مكة ..
- قال الخليفة: لا ...
- قال أبو ذر: الشام ...
- قال الخليفة: لا ...
- قال أبو ذر: البصرة ...
- قال الخليفة: لا.. ولكن سر إلى الربذة.
الخليفة يضع حدا لوجوده
أمر الخليفة بترحيل أبي ذر إلى الربذة ، كانت تلك هي الشرارة التي وسعت الخلاف بين الحاكم والرعية وجعلت الغضب أعلى لدى أوائل المسلمين ، كان قد أعاد في عقول الناس مقولة علي بن أبي طالب عندما واجه الخليفة معترضا " أنه حتى وإن لم يكن في الأمة أصحاب حاجة ، وكان كل أفرادها مسلمين وذميين قد بلغوا حد الكفاية ، فما يحق لأحد المسلمين أن يكنز فوق حاجة عام أو فوق أربعة آلاف دينار ذهبا ، بل عليه أن يبذل الباقي للمصلحة العامة ، يسلمه لبيت المال ، ليحقق به ولي الأمر حد الرفاهية للجميع " ...
رأى الغفاري الأموال تتكدس لدى الرهط من " بنو أمية " فلا ينفقونها فيما أمر الله ، ولا يؤدون الزكاة ، أدرك ان اموال المسلمين صارت في قبضة فئة تريد أن يكون المال دولة ... ومن هنا بدأت الثورة وزاد حجم التعارض للخليفة الذي وضعته قراراته في قبضة المصير المحتوم .. ظل صوت الغفاري يدور في الأسواق والمدن والدروب يدعوا الناس إلى اليقظة " والذين يكنزون الذهب والفضة " ....
( يتبع )