أشباح البوسترات... هل عرفت دراما رمضان «موت المؤلف»؟
18-آذار-2023
حميدة أبو هميلة
قبل نحو 25 عاماً أفصح السيناريست أسامة أنور عكاشة في كتابة الدراما التلفزيونية العربية عن رأيه الصريح في ما يعرف بورش الكتابة أو التأليف الجماعي، حيث كانت كلماته الأكثر لطفاً ورأفة حينها مفادها بأنه يعتبر هذا الأمر بمثابة جريمة سطو وسرقة.
وفي تصريحات أخرى له نعتها بألفاظ أكثر قسوة بكثير، مؤكداً أنها تحمل كثيراً من هضم الحقوق، وتجعل الكتاب الحقيقيين وأصحاب المجهود الأكبر في الظل، بينما يتصدر المشهد مؤلف رئيس ينال الثناء والمجد الأدبي والمادي.
بالمقابل أشاد الكاتب الراحل بتلك التجارب عالمياً، حيث قال إنها تعطى لكل المشاركين في كتابة النص حقوقهم وتضع لكل منهم دوراً ومهمة محددة.
الآن وفي ظل ندرة قيام مؤلف واحد بكتابة مشروع تلفزيوني كامل بمفرده نظراً إلى ضغوط وظروف الإنتاج، أصبحت سوق ورش الكتابة أفضل حالاً، وبات المؤلفون مهما كان عددهم معروفين، وتحرص جهات الإنتاج في أغلب الأحوال على وضع أسمائهم على تترات الأعمال الفنية وأيضاً البوسترات الترويجية للمسلسلات.
مع ذلك يأتي موسم رمضان 2023 ليحمل بعض الاستثناءات وربما الأزمات، ويفجر تساؤلات من نوعية "ما الذي يجعل مؤلفاً شارك بإبداعه في عمل فني أن يتغاضى عن كتابة اسمه على البوستر الدعائي، خصوصاً لو كان لا يزال في بداية طريقه ويحتاج إلى الشهرة والانتشار وتقديم نفسه كما ينبغي؟".
موت المؤلف وازدهار الورش
قبل سنوات كانت المجموعات التي تسهم في كتابة عمل واحد تظهر على استحياء، في البداية اقتصر الأمر على حلقات مسلسلات "السيت كوم"، وتدريجاً انتقل إلى السيناريوهات الاجتماعية، وحاول القائمون على تلك التجارب تحسينها شيئاً فشيئاً، وحالياً أصبح هناك عدد كبير من ورش السيناريو ذات المستوى الجيد، تعطي للمشتركين بها حقوقهم المالية والأدبية على الوجه الأمثل، بل ولديها إنتاجات في غاية الجودة والتميز، فهل لو امتد العمر بالراحل أسامة أنور عكاشة "27 يوليو (تموز) 1941 - 28 مايو (أيار) 2010" كان سيغير رأيه أو على الأقل يجعله مشروطاً؟ بخاصة أن الإيجابيات التي تتمتع بها ورش السيناريو العالمية باتت تتحقق تدريجاً في العالم العربي، فلم يعد هناك الكاتب النجم الذي تزين اسمه الأعمال منفرداً إلا قليلاً، لا سيما أن جيل عكاشة من المؤلفين الذين تميزوا في تأليف المسلسلات، مثل محفوظ عبدالرحمن ويسري الجندي ومحمد جلال عبدالقوي، كانوا يتمتعون بشهرة وبصمة توازي شهرة نجوم التمثيل، وكانت أعمالهم تباع بأسمائهم تماماً مثلما يباع العمل باسم بطله.
لكن على رغم أن تلك الورش صنعت لنفسها مكاناً واسماً وأصبحت تحكمها قواعد محددة وبنت سمعة طيبة، فإن المفاجأة هي أن بوسترات مسلسلات رمضان 2023 جاءت لتعيد الجدل من جديد حول طريقة سير تلك الكيانات، حيث يبدو أن المؤلفين يتحولون إلى "أشباح" فعلياً، فمثلاً فوجئ الجمهور بأن بوستر مسلسل "إكس لانس" الذي يعود به محمد سعد للمنافسة الرمضانية بعد غياب سنوات ويخرجه إبرام نشأت، يظهر من دون اسم المؤلف، إذ تم الاكتفاء بعبارة (تأليف ورشة "بلاك هورس")، وتبدو فيه الشخصية الرئيسة للبطل شبيهة كثيراً بشخصية الحناوي، التي سبق وقدمها النجم الكوميدي عام 2007 في فيلم "كركر" للمؤلف أحمد عبدالله، لكن حتى الآن لم يتم الكشف عن أسماء مؤلفي المسلسل الجديد، ولم يعرف هل سيتم الاكتفاء أيضاً باسم الورشة على تيتر العمل مثلما حدث في البوستر الترويجي أم لا.
الأمر تكرر أيضاً في بوستر مسلسل "الأجهر" من بطولة عمرو سعد ودرة وإخراج ياسر سامي، حيث كانت عبارة (تأليف ورشة "ملوك") هي الإشارة الوحيدة إلى فريق الكتابة، وهو ما حدث أيضاً العام الماضي في مسلسل للبطل نفسه بعنوان "توبة"، حيث كان اسم الورشة نفسها على بوسترات العمل الذي أخرجه أحمد صالح وشاركت في بطولته صبا مبارك.
حق أدبي أم مادي؟
بصرف النظر عن حالات بعينها، فإن التساؤل عن كيفية إتمام تلك الاتفاقات يعتبر أمراً ضرورياً في الوقت الحالي، لا سيما أن الهدف الأساس لأي مؤلف هو أن ينال التقدير الأدبي أولاً بانتشار اسمه على العمل الذي أسهم فيه عبر طرق الدعاية الرئيسة، حتى لو لم يكن المساهم الوحيد في الكتابة بالطبع.
كشف أحد الكتاب الذين تعاملوا مع تلك الورش قبل أن يشق طريقه إلى العمل بمفرده عن رؤيته لتلك الظاهرة، محاولاً تفسير الوضع من واقع تجربته، إذ يلفت إلى أن الشروط قد تكون قاسية في بعض الأحيان، لا سيما إذا كان عدد المؤلفين في الورشة كبيراً، حيث يتم في بعض الأحيان التضحية بكتابة أسماء المبتدئين مع تعويضهم مادياً، على وعد بأن ينالوا التقدير الأدبي في التجارب المقبلة.
ولفت إلى أن هناك سبباً آخر يجعل المؤلفين الشباب أنفسهم في بعض تلك الورش غير مهتمين بكتابة أسمائهم على بوسترات الأعمال، وهو أن النجم أحياناً هو من يقوم بتسيير عملية الكتابة على طريقته وشروطه، ووقتها يجد المؤلفون الشباب أنفسهم يكتبون ما يملى عليهم، ولا يضعون وجهة نظرهم في الدراما التي يكتبونها، كما أن دور بعض المنتجين هنا هو إرضاء البطل بأية طريقة، وهنا لا يجد الكاتب لنفسه دوراً يذكر سوى تنفيذ تعليمات البطل، بالتالي لا يهتم كثيراً سوى بالأجر.
بالنظر إلى سيطرة ورش السيناريو في الأعمال التلفزيونية بالتحديد، سنجد أنها قد تخفف العبء عن المؤلف، لا سيما من يجد نفسه مطالباً بأن ينجز عدداً معيناً من الحلقات في وقت قياسي كي تدور عجلة الإنتاج، بالتزامن مع زيادة الطلب على المسلسلات من قبل منصات العرض الإلكتروني، كما أنها تسهم في الكشف عن مواهب جديدة وتعطي لهم خبرة كبيرة في وقت صغير نتيجة ثراء التجربة والاحتكاك بأكثر من عقلية خلال اجتماعات العمل، وبالطبع تمنحهم فرصاً تفتح لهم الباب في أن يشقوا طريقهم في ما بعد.
هذا ما يؤكده مؤلف شاب آخر لا يزال يخطو خطواته الأولى في هذا المجال، إذ يشير إلى أنه عمل في ورشة مكونة من ستة أشخاص، وكان هو أحدث المنضمين وأقلهم تجربة، بالتالي لم يجد أزمة في تجاهل ذكر أسماء المؤلفين في البوستر والتركيز على المشرف الرئيس على السيناريو، لكنه أيضاً حرص مع زملائه على أن تتم كتابة أسمائهم بطريقة أو بأخرى على تيتر العمل، مشدداً على أنه "كان حلاً مرضياً وكافياً" له باعتباره لا يزال في أول المشوار، وكل ما يهمه في المقام الأول هو دخول عالم كتابة السيناريو، وأن يعرف رواد الوسط الفني اسمه ومستوى موهبته.
تجارب رائدة
في ما يتعلق بسباق الموسم الدرامي الرمضاني الحالي، فقد فوجئ الجمهور أيضاً بأن واحدة من أشهر ورش السيناريو حالياً وأكثرها ثقة لدى الجمهور اكتفت باسم الورشة "سرد، مريم نعوم" على البوستر الأساسي لمسلسل "الهرشة السابعة"، الذي يخرجه كريم الشناوي وتقوم ببطولته أمينة خليل مع محمد شاهين، حيث إن هناك ثلاثة مؤلفين آخرين شاركوا بالعمل، وقد انتشر البوستر الأول انتشاراً كبيراً بعد أن كشفت عنه في البداية الشركة المنتجة، ونال تصميمه الثناء والإشادة نظراً إلى تميز فكرته وتعبيرها عن تيمة العمل الاجتماعي، لكن بعد أيام تم تدارك الموقف وإضافة اسم المشرفة على فريق الكتابة دينا نجم.