أمريكا وإيران: هل ينجح طريقهما الثالث؟
18-حزيران-2023
منقذ داغر
مر قبل أيام، وفي حومة الجدل بخصوص الموازنة العراقية، خبر مثير لم ينتبه له كُثُر. فقد حوّل العراق لإيران ما مجموعه 2.67 مليار دولار وهي قيمة المستحقات المالية المتراكمة عن فاتورة الطاقة المصدرة للعراق خلال السنين السابقة. على الرغم من الحكومة العراقية نسبت الفضل لنفسها بهذا التحويل المالي الذي عجزت عن تحقيقه الحكومات السابقة بسبب العقوبات الأميركية على ايران، الا أن الوقائع تؤكد أن هذا التحويل هو ضمن صفقة أميركية-ايرانية بات يشار لها بالطريق الثالث.
يرمز الطريق الثالث الى مسار سياسي مختلف عن الخيارين المطروحين سابقاً وهما التوصل لاتفاق نووي مع أيران كما كانت الإدارة الأميركية والإيرانيين يأملون عندما أستلم بايدن مفاتيح البيت الأبيض، أو الاستمرار بممارسة مزيد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية ضمن ما يسمى بسياسة الضغط الأقصى maximum pressure التي أنتهجها ترامب ضد ايران أبان حكمه.
تقوم سياسة الطريق الثالث على الطيران المنخفض لتجنب رادارات صقور السياسة في أمريكا واسرائيل وحتى ايران.
لقد بات معلوماً ومؤكداً فشل أمكانية أحياء الاتفاق النووي السابق أو حتى أبرام أتفاق جديد لأسباب مختلفة أهمها فقدان الثقة بين الطرفين، والضغوط التي مارسها صقور السياسة في الحزبين الجمهوري والديموقراطي فضلاً عن ضغوط إسرائيل ولوبيها النشط في واشنطن.
صقور السياسة
وبمساعدة غير مقصودة من صقور السياسة في أيران تمكن معارضو المباحثات والاتفاق النووي بين أمريكا وايران من أسقاط هذا الاحتمال الذي كان يبدو قريباً جداً في مرحلة ما خلال السنتين الأخيرتين. ولم تجدي نفعاً كل المحاولات التي بذلتها الدول الأوربية وبعض الدول الأخرى في جعل الطرفين يوقعان على الاتفاق النهائي بينهما.
خلال تلك الفترة نشطت إسرائيل لمنع هذا الاتفاق سواء من خلال حلفائها في واشنطن أو اتصالاتها الدبلوماسية مع الإدارة الأميركية أو حتى من خلال الهجمات العسكرية السرية على البرنامج النووي الإيراني داخل وخارج أيران.
على الرغم من توقف الاتصالات المباشرة بين الأمريكان والإيرانيين بعد ذلك، الا أن كلا الطرفين ظلا يشعران بأهمية أغلاق هذا الملف المفتوح للتفرغ لشؤونهما الاستراتيجية الأخرى. فأميركا لها مصلحة حقيقية في ابقاء المنطقة العربية التي تنشط فيها الميليشيات الولائية هادئة بحيث لا يمس أحد قواتها المتواجدة هناك فضلا عن عدم تهديد ممرات الملاحة في الخليج او منابع النفط هناك.
صحيح أن أمريكا لم تعد بحاجة مؤثرة لنفط المنطقة لكنها تدرك أن أي خطر يداهم منابع النفط، كما حصل عند ضرب أرامكو، أو ممرات الملاحة في الخليج العربي يمكن أن يحدث حالة كبيرة من عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي وبالتالي يمس المصالح القومية المباشرة لأمريكا.
هذا فضلاً عن أن أميركا تريد تركيز جهودها السياسية والعسكرية على الصين وروسيا والعالم الجديد من المنافسة الذي باتت ملامحه تتشكل تدريجياً. من جانبها فأن أيران تدرك أنها تواجه خطر حقيقي في الداخل نتيجة انهيار الاقتصاد بسبب العقوبات الأميركية وأن هناك شارع أيراني مضطرب ومتحفز للتحرك ضد النظام.
لقد تركت هذه العقوبات فضلا عن جائحة كورونا جراع عميقة يصعب الشفاء منها دون توقف حملة الضغط القصوى أو على الأقل أخذ هدنة مناسبة. هذا فضلاً عن أن الهجمات الإسرائيلية داخل وخارج أيران باتت تشكل ضغط داخلي كبير على صانع القرار الإيراني. كما أن أيران تحولت مؤخراً الى دولة محاطة بمشاكل مع جيرانها في كل الاتجاهات.
حل عملي
من هنا فقد بدا الطريق الثالث الذي شرعت كل من أيران وأمريكا بارتياده على ما يبدو، هو الحل العملي الوحيد المتاح حالياً. يقوم هذا الحل على هدنة غير معلنة بين الطرفين ضمن صفقة ترعاها دولة عمان حالياً ولا تبدو بعيدة عن الأعين الأوربية أيضاً. هذه الهدنة تقضي بالحد من نشاط أيران النووي وتجميد الوضع الحالي في المنطقة بحيث لا تصعد الميليشيات الولائية من أنشطتها. مقابل ذلك سيتم التخفيف من العقوبات الأميركية بخاصة ما يتعلق بأطلاق بعض الأموال الإيرانية المجمدة، كما هو الحال مع الديون الإيرانية للعراق. هذه الصفقة سوف لن تحتاج الى اقرارها من قبل الكونغـرس الأميركي الذي بدأ بعض أعــــــــضائه البارزين، مـــــــثل منيندز، بالحديث عن الموضوع ومعارضته.
ومن المعروف أن غالبية الكونغرس الأميركي بغرفتيه وبخاصة في مجلس الشيوخ معارض لتخفيف العقوبات أو عقد أتفاق مع ايران. لذا يبدو الطريق الثالث حل جيد للموضوع بالنسبة لواشنطن. أما من الجانب الايراني فأن مثل هذا الاتفاق سيتيح لإيران تدفق الدولار في شرايين اقتصادها المريض كما سيجنبها ضغوط صقور المحافظين في الداخل. لكن السؤال المهم الآن هو: ماهي انعكاسات هذا الطريق الثالث على المنطقة عموما وعلى العراق خاصة؟ هذا ما سأحاول تحليله في المقال القادم.