أمنيات برسم الحكومة الجديدة
1-تشرين الثاني-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
مقدمة
الانتخابات، في الفكر السياسي الديمقراطي، هي الية لتداول السلطة سلميا في المجتمع. ومن هنا جاء تعريف الديمقراطية بانها "منظومة اليات محايدة لتداول السلطة سلميا ودوريا عن طريق الانتخابات".
وهي مباراة تنافسية سياسية ودية وليست معركة بين أعداء وخصوم وليس الفوز فيها انتصار بالمعنى العسكري.
وموضوع هذه المباراة هو خدمة الإنسان، او المواطن. "وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".
ذلك ان تعريف السياسة عندنا هي: رعاية شؤون الناس.
ومن اجل تحسين الأداء الديمقراطي الخدمة للحكومة، اقدم في هذه السلسلة من المقالات مجموعة امنيات لي كمواطن، وربما تكون نصائح، ارجو ممن سوف يتولى تشكيل الحكومة نيابة عن الشعب الأخذ بها وتنفيذها.

الأمنية الأولى
الدولة الحضارية الحديثة
ان تعلن الحكومة أنها تعمل من اجل إقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق.
خلال السنوات التي مرت على العراق بعد ١٤ تموز عام ١٩٥٨ تبنت الأحزاب السياسية الرئيسية اهدافا وشعارات أيديولوجية. الحزب الشيوعي تبنى الماركسية اللينينية. حزب البعث تبنى هدف الدولة القومية العربية. الاحزاب الاسلامية تبنت الدولة الإسلامية. وعمّقت هذه الأهداف الأيديولوجية الخلافات والانقسامات في المجتمع العراقي. وبسبب التخلف الحضاري للمجتمع جسدت هذه الانقسامات نفسها على شكل ممارسات صراعية عنيفة وقاسية ذهب ضحيتها الكثير من العراقيين، وهدر بسببها المال والجهد والزمن.
آن الاوان ان يكون الهدف هو إسعاد الإنسان العراقي عن طريق تحسين نوعية الحياة التي يحياها، وتطويرها، وهذا ما يمكن تحقيقه عن طريق زيادة انتاجية المجتمع، والعدالة في توزيع الثروة والسلطة، وتحسين الخدمات، وتبسيط الاجراءات، وبسط الامن، والحرية والمساواة، وتوفير فرص العمل العادلة، والسكن، والرعاية الصحية، والتعليم، وغير ذلك.
وهذا ما لا يمكن تحقيقه الا في اطار ومن خلال الدولة الحضارية الحديثة، الامر الذي جربته وحققته شعوب اخرى كثيرة في اوروبا واسيا وافريقيا، كما في اليابان وماليزيا وسنغافورة، والدانمارك والنرويج وفنلندا وهولندا، ورواندا، وغيرها من الدول.
وانا اعلم ان اقامة الدولة الحضارية الحديثة لا يتحقق خلال اربع سنوات فقط، لان الامر يحتاج الى وقت اطول، الى اجيال؛ لكن الشروع في السير في الطريق المؤدي الى تحقيق هذا الهدف يتم في لحظة، هي لحظة اتخاذ الحكومة الجديدة قرارا باتخاذ الدولة الحضارية الحديثة هدفا اعلى للحكومة ومعها المجتمع كله. وهذا هدف انساني عام مشترك يمكن ان يجمع تحت مظلته العراقيين باختلاف تنويعاتهم العرقية والدينية والمذهبية والحزبية والمناطقية.
والدولة الحضارية الحديثة دولة قيمية، وهذا هو ما يميزها عن الدول المتخلفة، والاستبدادية، والدكتاتورية، وغيرها.
ومنظومة القيم العليا للدولة الحضارية الحديثة هي التي تمكن الفرد والمجتمع والدولة من تشغيل المركب الحضاري وعناصره الخمسة (الانسان، الارض، الزمن، العلم، العمل) من الاشتغال بطريقة تضمن تحقيق الاهداف الانسانية والخدمية التي ذكرتها قبل قليل. وتضم منظومة القيم العليا مفردات مثل التعاون، والتطوع، والتسامح، والحوار، والتهذيب، والنظافة، والاخلاص، والوسطية، وغير ذلك.
وتقوم الدولة الحضارية على ركائز واسس متينة منها: المواطنة والديمقراطية وحكم القانون والمؤسسات والعلم الحديث.
وبناء عليه، فان على الحكومة الجديدة ان تعمل على تعزيز هذه الاسس الخمسة، في مختلف المجالات، بحث تكون هذه الاسس اساسا ومقياسا لتصرفاتها واجراءاتها وقراراتها. وسوف تتعلق هذه الاجراءات فيما يمكن ان نطلق عليه عنوانا عريضا هو الاصلاح الحضاري الذي يشمل العديد من المفردات الاصلاحية الفرعية مثل: الاصلاح السياسي، والاصلاح الاقتصادي، والإصلاح الحزبي، والإصلاح التربوي، وغير ذلك.
كانت الحكومات السابقة تضع الكثير من التفاصيل في برامجها العملية، لكنها لم تضع تلك التفاصيل في اطار رؤية شاملة جامعة، وقد ان الاوان بعد عقود من المعاناة والحرمان ان تتصرف الحكومات العراقية بوحي رؤية مستقبلية علمية متكاملة هي الدولة الحضارية الحديثة.

الأمنية الثانية:
حكومة الأغلبية السياسية
أتمنى ان يقبل من يُكلّف بتشكيل الحكومة بفكرة حكومة اغلبية سياسية تقابلها معارضة برلمانية.
جرت العادة في السنوات السابقة على تشكيل حكومة يشارك فيها الجميع، اي كل الكتل السياسية التي تفوز بعدد معين من المقاعد البرلمانية. وجرى تطبيق هذه الطريقة بموجب احد قواعد "الديمقراطية العراقية" وهو الاستحقاق الانتخابي. وهو مبدأ لم يرد في الدستور. وبموجب هذا المبدأ، توهمت القوى السياسية ان من كل من فاز بعدد من المقاعد البرلمانية ان يستحوذ على ما يعادلها من الحقائب الوزارية. وجرى تثمين الحقائب الوزارية بما يناسبها من المقاعد البرلمانية. وفي وقتها كان لهذه القوى من الاسباب التي دفعتها الى هذا التصرف الغريب مما اريد التطرق اليه هنا. لكن أريد الإشارة الى النتائج السلبية لهذه الطريقة.
أولا، ادى ذلك الى تشكيل حكومات غير منسجمة، وبالتالي غير كفوءة. المفهوم ضمنا ان تعدد الاحزاب السياسية واختلافها يعكس تعددا في البرامج السياسية واختلافها. فاذا اجتمعت كل هذه الاحزاب ذات البرامج المختلفة في حكومة واحدة، كانت الحكومة خليطا غير متجانس من الاراء والافكار والرؤى. ومثل هذه الحكومات سوف تكون غير قادرة على الانسجام والاتفاق خاصة اذا تذكرنا ان نظامنا السياسي يسير بموجب التوافق، او الديمقراطية التوافقية، او الاجماع. وهذا من عيوب التأسيس المعيقة.
ثانيا، ادى ذلك الى غياب المعارضة البرلمانية. وهذا هدم خطير للحكم الديمقراطي الذي ينبغي ان يطير بجناحين هما: حكومة الاغلبية السياسية والمعارضة البرلمانية.
وبغياب المعارضة يغيب النقد البناء والمراقبة الموضوعية، وتحل محلهما المماحكة السياسية.
ولما غابت المعارضة البرلمانية، اضطر الشعب، الذي كان يأمل ان يتحدث النواب باسمه، الى النزول الى الشارع.
وفي مجتمع كالمجتمع العراقي، يكون من الصعب ضبط الجماهير الغاضبة ضمن القانون والأساليب الحضارية في التظاهر والاحتجاج. وهذه تطورات سلبية دفع ثمنها الكثير من المواطنين.
ولتجنب هذا، فاني اتمنى تشكيل حكومة اغلبية سياسية. واشدد على كلمة "سياسية" لانها لا تعني اغلبية مذهبية او عرقية او حزبية. انما تعني تشكيلها من افراد يمثلون التعددية العرقية والمذهبية والدينية والحزبية الخ، لكنهم يتفقون على برنامج حكومي عملي واحد. ولكن لا يشترط في تشكيلها ان تضم كل من فاز في الانتخابات. انما يشترط ان تستند حكومة الاغلبية السياسية الى كتلة او قاعدة برلمانية مؤلفة من ١٦٥ نائبا في الاقل يمثلون الاغلبية البرلمانية.
في مقابل حكومة الاغلبية السياسية، يستطيع النواب الاخرون، الذين يمثلون بدورهم نفس التنوع المذهبي والديني والعرقي (وليس الحزبي بطبيعة الحال)، ان يشكلوا المعارضة البرلمانية التي تمارس بقوة دور الرقيب والحسيب على الحكومة، اضافة الى دورها التشريعي المعتاد. ويمكن ان يشكلوا "حكومة الظل" التي تعترف بها الحكومة معنويا، وذلك على الطريقة البريطانية.

الأمنية الثالثة:
التخلص التدريجي من المحاصصة
نظام المحاصصة من ابرز عيوب التأسيس التي ابتلي بها النظام السياسي الجديد. وهي تعني تقاسم مناصب الدولة بين الفرقاء على شكل حصص محددة ومقررة. وكانت المحاصصة بالاصل للمكونات الاساسية، اي الشيعة والسنة والكرد، وهذه هي المحاصصة العرقية والطائفية. ثم نزلت درجة اخرى لتقسم الحصص بين الاحزاب. وهذه هي المحاصصة الحزبية.
والمحاصصة العرقية والطائفية والحزبية انحراف خطير عن الديمقراطية. واصل هذا الانحراف يعود الى المفكر ليبهارت الذي اقترح الديمقراطية التوافقية للمجتمعات التعددية. وطبقت الديمقراطية في دول قليلة جدا ولم تنجح الا في سويسرا. وانتهت التجارب الاخرى على قلتها الى الفشل.
وبسبب التخلف السياسي في المجتمع العراقي، وهذا يشمل الطبقة السياسية ايضا، فقد انزلقت الديمقراطية التوافقية على يد احزاب السلطة الى المحاصصة بأنواعها الثلاثة المذكورة انفا.
اذا جعلت الحكومة هدفها التمهيد للدولة الحضارية الحديثة، فانها يجب ان تعمل من اجل التخلص من المحاصصة، لان هذه الدولة تقوم على اساس المواطنة والكفاءة والنزاهة؛ والانتماء القومي او الطائفي او الحزبي ليس من شروط المواطنة والكفاءة والنزاهة. وقد يقال انه من الصعب التخلص من المحاصصة دفعة واحدة لاسباب لا اريد مناقشتها الان، لانها خارج الصدد، لكني أستطيع اقتراح برنامج تدريجي للتخلص من المحاصصة. وسيكون ذلك على مرحلتين، الاولى تخص المحاصصة الحزبية؛ والثانية تخص المحاصصة المكوناتية. واقترح ان نتخلص في المرحلة الاولى من المحاصصة الحزبية بمعنى التخلي عن مفهوم ان يكون لكل حزب فائز عدد من الوزارات ووكلاء الوزارات والمدراء العامين وهكذا نزولا الى اخر ما يمكن الوصول اليه. وهذا ما سوف اعود اليه ثانية حين اتحدث عن الفصل بين المسار السياسي- الحزبي للدولة والمسار الاداري والتنفيذي لها. ستنظر الدولة في هذه المرحلة الى الحزبيين والمستقلين نظرة واحدة على اساس المواطنة والكفاءة. كل مواطن يملك نفس الحق في تولي المنصب الفلاني اذا كان يملك المواصفات والمؤهلات التي يملكها المواطن الثاني الذي يتطلع الى نفس المنصب. هذا بشرط ان تكون المؤهلات مما يتطلبها المنصب وينص عليها القانون المتعلق به. الانتماء الحزبي او السياسي تحديدا لا يعطي افضلية للشخص في تولي المنصب. ومن باب اولى فان الانتماء الديني أو الطائفي او العرقي لا يعطي المواطن اولوية او ميزة على غيره في تولي المنصب المعين.
نعم سوف نسمح في هذه المرحلة باعتماد المحاصصة التمثيلية للمكونات في تولي المناصب الوزارية تحديدا، لتحقيق الصفة التمثيلية للحكومة بشكل مرضي للمكونات الاثنية في البلد. بمعنى ان الحكومة لا تتشكل من وزراء من لون عرقي او طائفي واحد، انما يجب ان يكون فيها وزراء من مختلف الانتماءات. فهي حكومة يتحقق فيها التمثيل وليس بالضرورة المحاصصة.
ليكن هذا المقترح للسنوات الاربع المقبلة، على ان يتم الغاء المحاصصة تماما في السنوات الاربع التالية. وبهذا نكون قد حققنا خلال ثمان سنوات احد اهم ممهدات او متطلبات د ح ح وهو اعتماد مبدأ المواطنة ومبدأ الكفاءة في تولي الوظائف الحكومية.

الأمنية الرابعة:
عدم استيزار النواب
يفترض ان العراق نظام برلماني. و"هو نظام حكم يُشكل فيه الوزراء الفرع التنفيذي من البرلمان، ويكون مسؤولًا أمام هذه الهيئة، بحيث أن السلطتين التنفيذية والتشريعية متشابكتان. في مثل هذا النظام، يكون رئيس الحكومة بطبيعة الحال الرئيس التنفيذي وكبير البرلمانيين على حد سواء. تتميز النظم البرلمانية بفصل غير واضح بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما يؤدي إلى مجموعة مختلفة من الضوابط والتوازنات بالمقارنة مع تلك التي وجدت في نظام رئاسي. وعادة ما يكون هناك تمييز واضح في النظم البرلمانية بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة، فيكون رئيس الحكومة هو رئيس الوزراء، ويكون وضع رئيس الدولة في كثير من الأحيان صورياً، هو في الأغلب إما رئيس (منتخب شعبياً أو إما من قبل البرلمان) أو عاهل وراثي (غالباً ملكية دستورية)". (انتهى الاقتباس). وافضل نموذج للنظام البرلماني هو المطبق في بريطانيا.
لكن هذا الوضوح غير موجود في النظام "البرلماني" العراقي، بل ان استخدام "برلماني" لوصف النظام السياسي العراقي غير دقيق، ومستخدم على اساس قاعدة "التسامح في استخدام المصطلحات" المعمول بها في العراق. وهذا ما جعل النظام "البرلماني" العراقي هجينا. وهذا ما وقع فيه الدستور ايضا حين نصت الفقرة السادسة من المادة ٤٩ على ما يلي:"لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب، وأي عملٍ، أو منصبٍ رسمي آخر.". ولهذا جرت العادة ان يفقد النائب مقعده النيابي حين يصبح وزيرا. ويصعد الى البرلمان شخص من نفس القائمة الانتخابية للوزير بحسب قانون استبدال النواب الذي وضعه مجلس النواب للحفاظ على الاقطاعيات السياسية. وقد نصح الامام السيستاني بعدم تحول النواب الى وزراء. ولكن لم يسمع نصيحته احد، حتى النواب الشيعة!
نحن الان امام خيارين: اما تعديل الدستور والسماح بالجمع بين منصبي النائب والوزير، وهذا امر صعب الان، او عدم استيزار النواب اصلا. وهذا ما افضله في هذه المرحلة تحديدا، الى ان يتم تعديل الدستور.
ولهذا اتمنى على من يُكلّف بتشكيل الحكومة ان يبحث عن وزراء من خارج البرلمان، على ان بكون الوزراء من الخبراء المختصين في مجال عملهم. لا مشكلة، حاليا، ان يكون الوزراء حزبيين، سواء كانت الحكومة حكومة اغلبية سياسية، كما ذكرت في الامنية الثانية، او حكومة الكل كما جرت العادة عليه حتى الان. والمستقلون افضل لبعض الوزارات مثل وزارة التربية، ووزارة التعليم العالي. وسبب هذه الامنية هي ان الشخص رشح نفسه ليكون نائبا، والشعب رشحه على هذا الاساس، فليبقَ نائبا الى ان يحسم الشعب رأيه في مسألة النظام البرلماني، في استفتاء عام. وفي هذه المرحلة، سوف نقبل بنظام التمثيل المكوناتي، وليس المحاصصة الحزبية، في تشكيل الحكومة، بمعنى ان يشترك في الحكومة وزراء من مختلف المكونات، على سبيل التمثيل وليس المحاصصة.

الأمنية الخامسة:
فصل المسارين التنفيذي والحزبي للدولة
ارتكبت الأحزاب العراقية خطيئة كبيرة بعد سقوط النظام البعثي الدكتاتوري. وهي افتراض ان فوزها بعدد من المقاعد البرلمانية يخولها حق الحصول على عدد مناظر من المناصب والمواقع الحكومية. بدأ الامر بالرئاسات الثلاث، ثم الوزارات والهيئات المستقلة، ثم وكلاء الوزارات، ثم بقية الدرجات الخاصة، وهكذا نزولا الى ادنى الدرجات الوظيفية في الدولة.
ونطلق على هذه الظاهرة التداخل بين الحزب والدولة، او المسار الحزبي، والمسار التنفيذي. وهذه مسالة سبق ان ناقشتها الاحزاب الشيوعية تحت عنوان علاقة الحزب بالدولة. وكان هناك دائما من يدعو الى الفصل بين الحزب والدولة. لان التداخل بينهما مفسدة للطرفين. وظيفة الحزب في النظام الديمقراطي البرلماني تثقيف المواطنين واقناعهم ببرنامجه الانتخابي، ثم الفوز باصواتهم التي توصل مرشحيه الى البرلمان، ومن البرلمان يتم تشكيل الحكومة من قبل الحزب الذي فاز باغلبية المقاعد البرلمانية زائد واحد بعضوية نواب يجمعون بين صفة النائب والوزير؛ فيما يجلس الحزب الاخر في صفوف المعارضة ليراقب اداء الحكومة ويحاسبها. لا تطالب الاحزاب الموجودة في البرلمان بمواقع حكومية لاعضائها، لان هذا ليس من "حقوق" الحزب الفائز، وليس من خصائص النظام البرلماني الديمقراطي. الوظائف الحكومية وظائف خدمة عامة تدفع اجورها من المال العام ولا يصح تقاسمها بين الاحزاب. اشدد مرة اخرى: من الممكن ان يتولى الحزب الحاكم او الائتلاف الحزبي الحاكم الحقائب الوزارية، او حتى وكالات الوزارات، لكنه لا يملك حقا ابتدائيا لانه حزبي في وظائف الدولة الاخرى. هذه الوظائف حق مشاع لكل مواطن تتوفر فيه شروطها ومتطلباتها. اما الاستحواذ على هذه المناصب بسبب انتماء الشخص الى حزب معين فهذا تمييز بين المواطنين على اساس حزبي، ومصادرة حق المستقلين من تولي الوظائف الحكومية بصورة عادلة ونزيهة وشفافة. يقف جميع المواطنين الراغبين على قدم المساواة امام الوظائف الحكومية لا يتميز بعضهم على بعض الا بمقدار ما تتوفر فيهم شروط تولي هذه الوظائف. ويمكن ادارة التنافس الحر والنزيه بين المواطنين على هذه الوظائف بشفافية وعادلة من خلال مجلس الخدمة العامة، او اية وسيلة اخرى تضمن المساواة وعدم التحيز في اسناد الوظائف العامة للمواطنين. وضمن هذا المبدأ يعامل المواطن الحزبي على قدم المساواة مع المواطن غير الحزبي.
اما الاحزاب فيمكنها ان تواصل عملها في الفرع التشريعي للدولة، اي البرلمان والمجالس الشبيهة، وبين صفوف الناس، وذلك للحفاظ على استقلالية الجهاز الادراي والتنفيذي للدولة. وهذا ما اطلقت عليه عنوان: فصل المسار الاداري والتنفيذي للدولة عن المسار الحزبي.
وفيما اقدم هذا الاقتراح الى رئيس الوزراء المقبل وحكومته العتيدة، فاني اعلم ان الامر ينطوي على صعوبة بالغة، ولكن لابد من تحمل هذه الصعوبة، لان الحكومة الجديدة انما تشكلت بعد انتخابات مبكرة اجريت بهدف اصلاح الدولة، وانيطت مهمة الاصلاح، في جانبها التنفيذي، بالحكومة الجديدة، وعليها ان تتحمل اعباء هذه المهمة الجليلة.

الأمنية السادسة
النظام التربوي الحضاري الحديث
ربما كانت هذه هي اهم امنياتي ونصائحي للحكومة الجديدة. وهي امنية-نصيحة سبق ان قدمتها الى الحكومات السابقة من نوري المالكي ثم العبادي ثم عادل عبد المهدي وصولا الى مصطفى الكاظمي.
الدولة مسؤولة عن تنشئة اذفال وشباب المجتمع. وتتم هذه التنشئة في المدارس. وقد ادرك هذه المسألة قدماء المفكرين والفلاسفة ومحدثيهم، من افلاطون وارسطو، مرورا بغوستاف لوبون وجان جاك روسو، وغيرهم. ولهذا تبوأت المدرسة مكانا مرموقا في اهتمامات الدول من حمورابي الى الثورة الفرنسية وما بعدها. المدرسة هي اخطر مؤسسة في المجتمع، ووزارة التربية هي اهم وزارة في الدولة. ولهذا اتمنى من الحكومة الجديدة ان تولي هذا الموضوع اهمية قصوى وذلك بتبني المشروع الحضاري الحديث في مناهج وبرامج ومقررات المدارس، وتضع ستراتيجية تربوية متكاملة تمتد على مدى ١٢ سنة تستغرقها الدورة الدراسية عندنا في العراق، اي منذ المرحلة الابتدائية الاولى انتهاء بالمرحلة الثانوية السادسة.
وهدف المشروع التربوي الحضاري الحديث تنشئة اجيال من الطلبة تتوفر فيهم صفات وخصائص المواطن المتحضر الفعال. ويتمحور هذا المشروع حول منظومة القيم الحضارية العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، فضلا عن فكرة الدولة الحضارية بركائزها الاساسية اي المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث، واهدافها في الحرية والعدالة والمساواة والامن وتنمية الانتاج وحقوق الانسان وكرامته، واخيرا الحداثة، بما تعنيه من الانفتاح الحضاري والتفاعل الحضاري والعيش في العصر وامتلاك ادواته.
ولتحقيق ذلك، بل لضمان تحققه، اتمنى من الحكومة الجديدة ان تشكل المجلس الدائم للتربية والتعليم الذي يتولى وضع المناهج الدراسية الصفية واللاصفية والمقررات التي تجسد المشروع التربوي الحضاري الحديث. اي ان المجلس يقوم بتهيئة المحتوى المعرفي للمشروع، اي مقابل ال software ، فيما توفر وزارة التربية الجانب المادي للمشروع اي ال hardware، مع التمني في اخراج وزارة التربية من دائرة المحاصصة العرقية او المذهبية او الحزبية، وتكليف شخص مؤمن بالمشروع التربوي الحضاري الحديث وقادر على متابعته. اما المجلس الدائم للتربية فيتشكل من اعضاء متطوعين للعمل، على ان يتم تكوين الجهاز الاداري والتنفيذي للمجلس من موظفي وزارة التربية، على طريقة التنسيب. وبهذه الطريقة لن يكلف المجلسُ الدائمُ الدولةَ ايةَ تكاليف مالية اضافية. وغني عن الذكر ان اللجنة المختصة في البرلمان عليها ان تنسق وتتعاون مع وزارة التربية والمجلس الدائم للتربية والتعليم من اجل توفير مستلزمات هذا المشروع على المستوى التشريعي والقانوني. وحسب علمي ان رئيسة لجنة التعليم النيابية غيداء كمبش السابقة، رحمها الله، دعت إلى "تشكيل مجلس اعلى للتربية والتعليم لوضع خطط انية ومتوسطة وبعيدة المدى يسن له قانون تضمن لقراراته الديمومة بعيدا عن التغيرات والتجاذبات السياسية". وهذه دعوة جيدة متوافقة مع هذه الامنية.
يتبع..
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech