أمنيات برسم الحكومة الجديدة
2-تشرين الثاني-2022
محمد عبد الجبار الشبوط

(الجزء الثاني)

مقدمة
الانتخابات، في الفكر السياسي الديمقراطي، هي الية لتداول السلطة سلميا في المجتمع. ومن هنا جاء تعريف الديمقراطية بانها "منظومة اليات محايدة لتداول السلطة سلميا ودوريا عن طريق الانتخابات".
وهي مباراة تنافسية سياسية ودية وليست معركة بين اعداء وخصوم وليس الفوز فيها انتصار بالمعنى العسكري.
وموضوع هذه المباراة هو خدمة الانسان، او المواطن. "وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".
ذلك ان تعريف السياسة عندنا هي: رعاية شؤون الناس.
ومن اجل تحسين الاداء الديمقراطي الخدمة للحكومة، اقدم في هذه السلسلة من المقالات مجموعة امنيات لي كمواطن، وربما تكون نصائح، ارجو ممن سوف يتولى تشكيل الحكومة نيابة عن الشعب الاخذ بها وتنفيذها.
الامنية السابعة:
المشاريع الذكية الصغيرة
تنطلق هذه الامنية من عدة ظواهر غير صحية يعاني منها البلد، وهي:
الظاهرة الاولى: الارتفاع الكبير في نسبة البطالة بين الشباب من الجنسين.
الظاهرة الثانية: انخفاض انتاجية المجتمع وتحوله الى مجتمع استهلاكي مستورد بالدرجة الاولى.
الظاهرة الثالثة: انعدام التنسيق بين الجامعات وحاجة المجتمع من حيث قوة العمل، الامر الذي يزيد من حجم البطالة سنويا.
الظاهرة الرابعة: تضخم الجهاز الاداري للدولة بشكل يفوق حاجة الدولة الفعلية.
ازاء هذه الظواهر مجتمعة، فان البلد بحاجة الى "مشروع ذكي" قادر على حل هذه الظواهر بخطوة واحدة جبارة.
ويمكن في هذا المجال الاستفادة من الخبرة اليابانية في استقطاب اليد العاملة وزيادة انتاجية المجتمع عن طريق "المشاريع الانتاجية الصغيرة"، سواء كانت مشاريع زراعية او صناعية، وما يرتبط بها من مشاريع خدمية او تجارية او غيرها.
وفكرة المشاريع الانتاجية الصغيرة بسيطة وسهلة التنفيذ. وخلاصتها تشجيع الشباب (من ١٠ فما فوق) على تأسيس شركات صغيرة تقوم بمختلف الاعمال والنشاطات في المجتمع، ومساعدتهم على توفير الرأسمال المطلوب، عن طريق القروض الميسرة من المصرف الزراعي او الصناعي او غيرهما، وتقديم الخبرات الضرورية لهم، وتوفير البيئة القانونية لعملهم. ويمكن ان تتأسس الاف الشركات من هذا النوع القادرة على استيعاب الملايين من الشباب في مختلف الاختصاصات في اعمال انتاجية مختلفة مما يزيد من القدرة الانتاجية للمجتمع. وقد اطلقت اسم "المشاريع الذكية" لانها قادرة على تحقيق عدة اهداف في ان واحد وفي وقت سريع.
ولما كانت هذه المشاريع الذكية ضمن نشاط القطاع الخاص، فيجب ان تقوم الدولة بما يلزم لتقوية القطاع الخاص وتعزيزه وخاصة فيما يتعلق بالضمانات التي يحتاج اليها العاملون فيه وخاصة فيما يتعلق بالحقوق التقاعدية.
وكانت وزارة التخطيط قد باشرت بخطوات اولى في هذا المجال، في عدد من المحافظات، واستبشر الشباب بذلك، لكن الحكومة الحالية اوقفت المشروع. وهذا من مشكلات الدولة العراقية، فما ان يأتي مسؤول جديد حتى يلغي ما قام به المسؤول السابق بحجة مكافحة الفساد وغيره، الامر الذي يؤدي الى خسارة المجتمع لخاصية المراكمة، وهي خاصية ضرورية لتحقيق التقدم.
لهذا كله اتمنى على الحكومة الجديدة ان تسرع في تبني فكرة "المشاريع الذكية/ الانتاجية الصغيرة"، وتوفير المال اللازم لتنفيذها بسرعة، وتسهيل الاجراءات الحكومية المتعلقة بها، ودعوة الشباب من الجنسين الى الانخراط في هذه المشاريع، وتوفير المحفزات التشجيعية التي يتطلبها هذا الامر. وافترض ان مجلس النواب، وبخاصة الوجوه الجديدة فيه، سوف يدعم تحرك الدولة بهذا الاتجاه، ويُسهم من جانبه بتشجيع الشباب للانخراط في المشاريع الذكية.
وارجو ان لا تكون حجة عدم توفر السيولة المالية ذريعة جوفاء لعدم الاخذ بهذه الفكرة المهمة.


الامنية الثامنة
تحسين الخدمات
الخدمات الجيدة هي من اهم معالم الدولة الحضارية الحديثة؛ بل ان هذه الدولة في تعريفها العام ليست دولة عقائد وايديولوجيات بقدر ما هي دولة خدمات. لا قيمة لقولنا ان هذه دولة اسلامية او علمانية او اشتراكية او رأسمالية الا بمقدار ما تقدمه من خدمات لمواطنيها. فالخدمات، كما يقول فؤاد بن غضبان، تستهدف "تحسين نوعية الحياة للفرد والمجتمع". ويلاحظ مازن عبد الرحمن الهيتي في كتابه "جغرافيا الخدمات أسس ومفاهيم" ان الخدمات تحظى بأهمية كبيرة ومتميزة من قبل سكان المدن ويعود السبب في ذلك لتزايد حاجة الإنسان لتلك الخدمات وخاصة بعد التطور في مستوى التحضر الذي تعيشه المجموعات البشرية وتطور التقنيات والأساليب المستخدمة في تقديم وتوفير تلك الخدمات فضلا عن اختلاف وتباين مستويات أصنافها في المكان، ونتيجة لتسارع نمو المدن وتطورها وارتفاع مستويات التحضر الذي جعل أمر توفر الخدمات بأشكالها وأنواعها المتنوعة أمرا ضروريا وأساسيا بل أصبح توافرها من مقاييس ومعايير وسمات التحضر الذي تمر به الدول، والمهم في ذلك يجب أن تكون الخدمات بكفاءة وكفاية ونوعية وكمية كمعايير تطور حضاري وتكنولوجي على اعتبار أن المظهرين يرتبطان بأهمية وجودها.
والخدمات هي أنشطة تمارسها الدولة (قطاع حكومي) أو مؤسسات غير الدولة (قطاع خاص) لتوفير منافع معينة لإشباع حاجات ورغبات الناس وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية في الكهرباء والصحة والتربية والسكن والطرق ومياه الشرب والصرف الصحي والحدائق العامة والترفيه عن النفس وبقية مفردات البنية التحتية للدولة. ونتذكر ان حكومة نوري المالكي حاولت تحقيق ذلك عن طريق مشروع "قانون البنى التحتية" لكن المماحكات السياسية اجهضت المشروع في مجلس النواب للاسف.
لقد صنفت مؤسسة "ميرسر" العالمية للاستشارات، العاصمة العراقية، بغداد، بالمركز الأخير كأسوأ مدينة للعيش في العالم. وليست بقية المدن العراقية، باستثناء مدن كردستان، بافضل حال من بغداد، ان لم تكن اسوأ.
لذا يتعين على الحكومة الجديدة ان تولي مسألة الخدمات اهمية قصوى لان المواطن الذي مازال يعاني من تردي الخدمات في العراق، وسوء نوعية الحياة في مدنه، لا يتطلع الى شيء اكثر من تطلعه الى تحسين نوعية حياته في مختلف المجالات.
وهذا يتطلب اولا ان تدرك الحكومة ان الخدمات اضحت علما يدرس في الجامعات تحت عنوان جغرافيا الخدمات، geography of services . وهذا يتطلب ان يكون وزراء الوزارات الخدمية وكبار موظفيها من الخبراء المختصين في مجالات هذا العلم المختلفة وليسوا مجرد ممثلين لاحزابهم.
ويتطلب ثانيا وضع ستراتيحية طويلة الامد لتحسين نوعية الخدمات التي تقدمها الدولة، موازية ربما لستراتيجية النظام التربوي الحضاري الحديث، من اجل تحديث كل الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين.
ويتطلب ثالثا توفير او تخصيص المال الكافي لتنفيذ هذه الستراتيجية طويلة الامد.


الامنية التاسعة:
مكافحة الفساد
الفساد ظاهرة اجتماعية تشمل المال العام والوظيفة العامة، و هو استغلال الوظيفة العامة لتحقيق منافع شخصية مثل الاثراء غير المشروع وغيره، و اساءة التصرف بالمال العام وسرقته.
لا جديد في حديثنا عن الفساد في العراق. فهذا امر مشهود معروف ملموس من قبل المواطنين قبل غيرهم. وتؤكد منظمة الشفافية العالمية هذا بقولها ان العراق يحتل المرتبة 160 من بين الـ 180 دولة في العالم.
وجاء في موقع ويكبييديا ما نصه:"يعتبر العراق من أعلى الدول في معدلات الفساد الإداري والمالي،[ وهو موجود بشكل ملحوظ في عدة مرافق إدارية في العراق، من القضاء،[ والوزارات الأمنية والخدمية، ويعتبر السياسيون الكبار في العراق الأوائل من ألذين تحاصرهم تهم الفساد، وبسبب ذلك يعتبر العراق مع عدة دول مثل أفغانستان و الصومال و اليمن و السودان و ليبيا من أكثر الدول في معدلات الفساد حسب إحصاء باروميتر للفساد.[بسبب الفساد الهائل في العراق، فإن هناك نقصا هائل في الخدمات وتدهور للبنى التحتية وتدهور للتنمية الصناعية والزراعية".
و يكشف الفساد عن وجود خلل حاد جدا في منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري للمجتمع والدولة. فالفساد في حقيقته يمثل ازمة قيمية عميقة في المجتمع. ويتركز هذا الخلل القيمي في منظومة القيم الفرعية المتعلقة بالانسان. فالانسان هو اساس الفساد او الصلاح في المجتمع. ويحمّل القران الكريم الناسَ مسؤولية الفساد: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".
والناس كلمة واسعة تشمل كل اعضاء المجتمع، من حكام ومحكومين، ومواطنين في مختلف مراتب الدولة والمجتمع. ولهذا قال الرسول: "كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ."
وهذه النظرة الشمولية للفساد تشكل منطلق التفكير الصحيح لمعالجة ومكافحة الفساد. والعلاج يجب ان يكون شاملا ايضا يغطي كل المجالات ذات العلاقة بالفساد، بصورة مباشرة او غير مباشرة.
واتمنى على الحكومة الجديدة وبدعم من البرلمان والمجتمع ان تتخذ خطوات جادة، قريبة المدى وبعيدة المدى، وليست دعائية، من اجل مكافحة الفساد والحد منه ثم القضاء عليه.
ومن هذه الخطوات النظام التربوي الحديث الذي يتكفل بتنشئة الاطفال على الصلاح والاخلاص والحرص على المال ورفض الفساد بكافة اشكاله.
ومنها التخلص من نظام المحاصصة السياسية والطائفية والحزبية الذي ثبت انه البيئة التي تنمو فيها جراثيم الفساد وتتكاثر.
ومنها ما يذكره أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي وهو "وجود قاعدة تشريعات رصينة والاستعانة بمؤسسات مالية عالمية تستطيع متابعة حركة المال في البلاد، تمثل الأسس الرئيسة لمعالجة الفساد، إلا أنها لا تزال غائبة عن المشهد العراقي".
ومنها تبسيط الاجراءات الحكومية وتسهيلها واختزالها والحد من احتكاك المواطن بالموظفين الامر الذي يساعد على سد احد اوسع ابواب الرشوة والفساد الاداري.
ومنها اعادة مكاتب المفتش العام في الوزارات ومؤسسات الدولة والغاء قرار مجلس النواب السابق بحذفها.
واخيرا محاربة الفساد عن طريق اجهزة بعيدة عن المؤثرات الحكومية او الحزبية او السياسية.


الامنية العاشرة
حماية شبكة الاعلام
حين جعلت شبكة الاعلام موضوع الامنية العاشرة لم يكن يدور بخلدي ان الشبكة سوف تشهد تطورات دراماتيكية قبيل كتابة هذه المادة. ولكن هذا ما حصل. فقد قرر مجلس الامناء انهاء تكليف نبيل جاسم لرئاسة الشبكة، الذي هرول بدوره الى محكمة القضاء الاداري ليأخذ منها في نفس اليوم امرا ولائيا بايقاف تنفيذ قرار مجلس الامناء، فيما رد رئيس الوزراء على مجلس الامناء بتكليف الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإعداد مشروع قانون لتعديل قانون شبكة الإعلام العراقي النافذ، وبما يتضمن إلغاء مجلس الأمناء في الشبكة، وإعادة تنظيم بنيتها الإدارية. وهكذا تحول ما بدأ كاشكال بين مجلس الامناء ورئيس الشبكة الى نزاع وتحدي بين مجلس الامناء ورئيس الوزراء. وقد كشفت خطوة رئيس الوزراء عن نزعة عدوانية وهجومية وتدخل سافر في شؤون شبكة الاعلام العراقي بهدف السيطرة عليها، وتسخيرها لمآرب واهداف رئيس الوزراء.
اثرت هذه التطورات على مخطط كتابة هذا المقال. فاذا تولى الكاظمي رئاسة الحكومة الجديدة فليس عندي امنية اقدمها له، لاني يائس منه بعد ان تم انكشاف نواياه ليس فقط ازاء الشبكة، وانما ازاء العراق كله. فالرجل، رغم امكانياته الثقافية والعلمية والسياسية والقيادية المتواضعة جدا، يبدو انه عازم على السير في الطريق الذي سار فيه صدام حسين وانتهى الى اقامة دكتاتورية فردية مطلقة وعبادة للشخصية تنافس الله. هذا مع يقيني انه لن يستطيع تحقيق ذلك.
انما انا اتوجه بالامنية-النصيحة الى حكومة لا يرأسها الكاظمي او من هو على شاكلته بخصوص شبكة الاعلام، وعلى النحو التالي:
اولا، ان تدرك الحكومة الجديدة الفرق بين اعلام دولة واعلام الحكومة، وان تعرف ان شبكة الاعلام تندرج ضمن عنوان اعلام الدولة، او ما يعرف باسم البث العام، وليست ضمن اعلام الحكومة، ولا الناطقة باسم الحكومة، ولا خاضعة لسلطة الحكومة، وان علاقة رئيس الوزراء بالشبكة لا تمر من خلال المادة ٧٨ من الدستور، التي تقول:"رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق باقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب"، وانما من خلال القانون رقم ٢٦ لسنة ٢٠١٥ الذي ينص على استقلالية الشبكة.
ثانيا، ان تحرص الحكومة على ابعاد الشبكة عن المحاصصة الحزبية او العرقية او المذهبية، خاصة على مستوى اختيار رئيسها او تعيين اعضاء مجلس الامناء او تغطياتها الخبرية.
ثالثا، ان تدرك الحكومة ان الشبكة تتمتع بالاستقلالية بمعنى "القدرة المالية والتحريرية والادارية على ممارسة العمل، بما ينسجم ويتناسب مع خصوصية العمل الاعلامي، وبدون الخضوع للمؤثرات الخارجية أو النوازع الذاتية أو الانحيازات الشخصية، وبشكل محايد.". وبناء على هذا يجب على الحكومة ان تتوقف عن التدخل بشؤون الشبكة.
رابعا، ولما كانت الشبكة احدى مؤسسات الدولة، ولما كانت الحكومة مسؤولة عن الدولة، فان عليها ان تقدم الدعم المالي والتقني والقانوني اللازم للشبكة، بدون ان تتخذ من هذا المال وسيلة للضغط على الشبكة.
خامسا، ولما كانت الشبكة احدى مؤسسات الدولة، ولما كانت الحكومة احدى مؤسسات الدولة الاكثر اهمية ودورا في الدولة والمجتمع، فان على الشبكة ان تغطي اخبار الحكومة بشكل منصف وعادل، وتوصل صوتها الى الجمهور بشكل امين، استنادا الى نص قانون الشبكة الذي يقول: "اعلام الجمهور بالتطورات السياسية والاجتماعية والثقافية والصحية والرياضية والدينية وغيرها بمهنية ومصداقية وحياد وموضوعية." الشبكة ليست معارضة للحكومة ولا مناوئة لها.
سادسا، ان تدرك الحكومة ان "مجلس الامناء" هو المؤسسة الاهم داخل الشبكة والمسؤول عن حماية الشبكة من كل اشكال التدخلات وفي مقدمتها تدخلات الحكومة، بموجب قانون الشبكة الذي ينص على ان "مجلس الامناء: هو المجلس المسؤول عن رسم السياسات العامة في الشبكة ومراقبة عملها والحفاظ على استقلاليتها بما يضمن تحقيق الاهداف المحددة بهذا القانون ويعبر عن مصالح الشعب ويعمل حاجزا يفصل ما بين الشبكة ومصادر الضغط الخارجية." وان حله يمثل خطوة كبيرة الى الوراء.

الخاتمة
مسؤولية الحكومة الجديدة
قلت في المقدمة ان الانتخابات، في الفكر السياسي الديمقراطي، هي الية لتداول السلطة سلميا في المجتمع. ومن هنا جاء تعريف الديمقراطية بانها "منظومة اليات محايدة لتداول السلطة سلميا ودوريا عن طريق الانتخابات".
وهي مباراة تنافسية سياسية ودية وليست معركة بين اعداء وخصوم وليس الفوز فيها انتصار بالمعنى العسكري.
وموضوع هذه المباراة هو خدمة الانسان، او المواطن. "وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".
ذلك ان تعريف السياسة عندنا هي: رعاية شؤون الناس.
ومن اجل تحسين الاداء الديمقراطي الخدمة للحكومة، اقدم في هذه السلسلة من المقالات مجموعة امنيات لي كمواطن، وربما تكون نصائح، ارجو ممن سوف يتولى تشكيل الحكومة نيابة عن الشعب الاخذ بها وتنفيذها.
وفي ذروة التظاهرات الاحتجاجية التي شهدها عامر٢٠١٩ قالت المرجعية الدينية العليا في خطبة يوم الجمعة في ٢٠ كانون الاول ٢٠١٩ما نصه:
"واذا تمّ إقرار قانون الانتخابات على الوجه المقبول يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة، لكي تكون على إستعداد لعرضها على الناخبين في أوان الانتخابات، ويتم التثقيف على التنافس فيها لا على أساس الانتماءات المناطقية او العشائرية أو المذهبية للمرشحين بل بالنظر الى ما يتصفون به من كفاءة ومؤهلات وما لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبل أفضل، على أمل أن يقوم مجلس النواب القادم والحكومة المنبثقة منه بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضرورية للخلاص من تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعية في المدة السابقة."
بعد حوالي سنتين من هذا الخطاب، يمكن ان نقدم جرد حساب بما حصل وبما لم يحصل. تم تشريع قانون مشوه وهجين للانتخاب الفردي، وتم اجراء انتخابات تشوبها الشبهات. لكن لم توحد النخب الفكرية والكفاءات الوطنية لا جهودها ولا رؤيتها، ولهذا لم تستطع خوض الانتخابات كقوة موحدة كبيرة، ولم تستطع ان تحدث نقلة كبيرة في الانتخابات. لكن هذا ليس مدعاة لليأس، وانما دعوة الى مواصلة العمل في السنوات المقبلة بحسب النصيحة التي قدمتها المرجعية حتى يحصل التغيير المطلوب والمأمول ان شاء الله.
ويلاحظ ان المرجعية الدينية احالت تنفيذ البرنامج الاصلاحي الى مجلس النواب ومجلس الوزراء الجديدين، وكان هذا تعديلا مهما على شعارات ومطاليب المتظاهرين انذاك الذين كانوا يطالبون الحكومة انذاك باجراء الاصلاحات المطلوبة، وكان هذا خطأ في ترتيب الاولويات.
وقد اختصرتُ في هذه المقالات الاصلاحات المطلوب اجراؤها والقيام بها من قبل البرلمان والحكومة الجديدين وهي:
اولا، العمل وفق رؤية الدولة الحضارية الحديثة
ثانيا، تشكيل حكومة الاغلبية السياسية
ثالثا، عدم استيزار النواب
رابعا، التخلص التدريجي من المحاصصة
خامسا، فصل المسارين التنفيذي والحزبي للدولة
سادسا، النظام التربوي الحديث
سابعا، دعم المشاريع الذكية الصغيرة
ثامنا، تحسين الخدمات
تاسعا، مكافحة الفساد
عاشرا، حماية استقلالية شبكة الاعلام
ليس هذا كل ما اتمناه كمواطن عراقي، لكني ذكرت هذه النقاط حصريا لثقتي بامكانية تنفيذها دون الحاجة الى تعديل الدستور، او تخصيص اموال طائلة، او اللجوء الى اجراءات استثنائية. انها نقاط ممكنة التنفيذ في ظل الوضع الراهن ولا تتطلب تغييرا جذريا فيه.
لكن لا يفوتني في الختام ان اعبر عن امنية او نصيحة الى مجلس النواب وهي ان يُسرع الخطى بتشريع قانون جديد للاحزاب يضع من بين اهدافه تقليل عدد الاحزاب الى ادنى درجة على ان يكون احدها حزبا كبيرا بالقياسات التي اقترحتها في مناسبة اخرى.
كما ادعو مجلس النواب الى تنقية قانون الانتخاب وتصفيته من الشوائب التي الحقها به مجلس النواب السابق لتكون الانتخابات القادمة انتخابات فردية شكلا ومضمونا.
انتهى
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech