إريك فروم يناقش الحاجات التي يكتمل بها وجود الإنسان
16-آب-2022
مشير باسيل عون
يتميز عالم النفس الفيلسوف الألماني- الأميركي إريك (إريش) فروم (1900-1980) بأبحاثه الأصيلة التي تناولت الذات الإنسانية كائناً اجتماعياً قادراً على استخدام العقل واستثمار طاقات الحب من أجل التغلب على المسلك الغرائزي المهيمن في المجتمعات المعاصرة المتأزمة، نشأ في بيئة ألمانية يهودية متمرسة بعلوم التوراة والتلمود، درس القانون في جامعة فرانكفورت، وانتقل إلى جامعة هايدلبرغ من أجل دراسة علم الاجتماع على أساتذة لامعين من أمثال الفيلسوف الوجودي المسيحي كارل ياسبرس (1883-1969)، والفيلسوف الكانطي هاينريش ريكرت (1863-1936)، وعالم الاقتصاد والجغرافيا ألفرد ڤيبر (1868-1958)، شقيق عالم الاجتماع الشهير ماكس ڤيبر (1864-1920). وما لبث أن تعمق في أصول التحليل النفسي في مصح (sanatorium) مدينة هايدلبرغ الجامعي، تشرف عليه الطبيبة النفسية الألمانية فريدا رايشمان التي تزوجها عام 1926، ولكنه انفصل عنها عام 1942، فضلاً عن ذلك استطاع أيضاً أن يطور تخصصه النفسي في معهد الأبحاث الاجتماعية الشهير بفرانكفورت.
لا بد من الإشارة في هذا السياق إلى الخيبة العظيمة التي جناها فروم من التزامه السياسي في صفوف المنظمات الصهيونية العالمية، إذ اتضح له أن مثل هذا الالتزام يخالف مبادئه الإنسانية الكونية، وتصوره الروحي المتافيزيائي المستند إلى ضرورة الخلاص الختامي الذي ينبغي أن يشمل جميع الصالحين في كل الأوطان والأقوام، انتسب إلى المدرسة الفرويدية المحدثة، وتعاون تعاوناً وثيقاً وكارن هورني التي أثرت تحليلاتها النفسية في فكره، وأثرت استقصاءاته الاجتماعية في آرائها النفسية.
التناول التحليلي المتنوع الاختصاصات
درس التحليل النفسي في معهد الأبحاث الاجتماعية بفرانكفورت منذ عام 1928، في هذه الحقبة من حياته التقى الفيلسوفين الألمانيين تيودور أدورنو (1903-1969) وهربرت ماركوزه (1898-1979)، لكنه ما لبث أن هاجر عام 1934 إلى الولايات المتحدة الأميركية هرباً من الإبادة النازية، في عام 1962 عين أستاذ الطب النفسي في جامعة نيويورك، بفضل أبحاثه المتنوعة الحقول، غداً من مؤسسي التيار الثقافوي (culturalism) الأميركي، يصاحبه في هذا المسعى عالمان بارزان: مؤسسة علم النفس النسوي الألمانية- الأميركية كارن هورني (1885-1952)، والطبيب النفسي الأميركي هاري ستاك ساليڤان (1892-1949). هؤلاء جميعهم كانوا يرومون أن يجددوا علم النفس الفرويدي بواسطة استجلاء علم نفس الأنا (ego-psychology)، وهو المبحث الذي يمكنهم من استثمار الفرويدية في بناء علم نفس اجتماعي ثقافي أشمل وأغنى وأشد إنصافاً للكيان النفسي في جميع أبعاده، غير أن فروم كان يعارض تصنيفه الثقافوي هذا، قائلاً قولاً صريحاً "إن هورني وساليڤان يتناولان الخطاطات الثقافية في سياق معجم الأنثروبولوجيا التقليدية، في حين أن مقاربتي مبنية على تحليل القوى الاقتصادية والسياسية والبسيكولوجية التي تضع أسس المجتمع". من الجدير ذكره أيضاً أن فروم كان من مؤسسي معهد ويليام ألانسون وايت (نيويورك) المتخصص بالطب النفسي وبالتحليل النفسي، ولكنه كان يرفض أن تخيره مدرسة فرانكفورت بين تأييد ماركس ومناصرة فرويد، لذلك عده كثيرون من أصحاب النظرية الإنسية (humanism) التي تتناول الإنسان في جميع أبعاده الاجتماعية والأخلاقية، وتستثمر طاقات النفس في إغناء العلاقة الاجتماعية الأرحب التي تحرر الإنسان من جميع أشكال الاستبداد التوتاليتاري والاستلاب الاجتماعي.
الاضطلاع بمسؤولية الحرية الأخلاقية
أنشأ فروم في عام 1941 كتابه الشهير الذي يحتوي على بذار فكره الإنسي "الهروب من الحرية" (Escape from Freedom)، وقد تغير العنوان تغيراً طفيفاً في الطبعة البريطانية ليصبح "الخوف من الحرية "(The Fear from Freedom). من جراء تأثره بالتنشئة الدينية التلمودية المبنية على الصحوة الصوفية الروحية (hasidism)، أخذ يعالج الطبيعة الإنسانية من منظور نفسي أخلاقي روحي أفضى إلى اعتنائه بعلم النفس السياسي الذي يحلل المسؤولية السياسية بالاستناد إلى معطيات التحليل النفسي. أما الكتاب الآخر الذي يكمل "الهروب من الحرية"، ويرسم خريطة الطباع الإنسانية غائصاً غوصاً عميقاً في علم النفس الأخلاقي، فعنوانه التفصيلي: "الإنسان من أجل ذاته: استقصاء في علم نفس الأخلاق" (Man for Himself. An Inquiry into the Psychology of Ethics).
يستعين فروم برواية آدم وحواء وطردهما من جنة عدن لكي يخالف التأويلات اللاهوتية التي تنسب إليهما خطيئة العصيان والتمرد على المشيئة الإلهية واقتطاف ثمار شجرة المعرفة. غير أن عبرة الرواية تقع في موضع آخر، إذ إن فروم يمتدح فضيلة الإنسان المستقل الخليق بحريته، القادر على استخدام عقله استخداماً سليماً من أجل بناء عمارة أخلاقية ذاتية تحثه على التعاطف والآخرين، عوضاً عن الخضوع لأنظومة أخلاقية خارجية متسلطة مستبدة، فضلاً عن ذلك يمجد فروم موقف الاستقلال الذي وقفه آدم وحواء حين تناولا من ثمار شجرة المعرفة، فأسهما في تطوير وعيهما، وكفا عن التماهي بالطبيعة، من غير أن يخرجا من فضائها. خير دليل على ذلك رمزية العري والخجل التي جعلتهما يتطوران فيتحولان إلى كائنين إنسانيين يعيان ذاتهما، ويدركان طبيعتهما المنعطبة المائتة، ويضطلعان بمسؤولية ضعفهما وعجزهما عن معاندة قوى الطبيعة، وذلك من بعد أن قبلا الانفصال عن وجودهما الحيواني الغرائزي البدائي في حضن الطبيعة. ومع أن وعي الانفصال هذا يستثير في الإنسان الشعور بالذنب والخجل، غير أن استعادة الوحدة الكيانية والانسجام الوجداني في الذات الإنسانية لا تستقيم إلا باستثمار طاقات العقل والحب.
آليات تسويغ الهروب من الحرية الذاتية
ليس للإنسان أمام الحرية سوى سبيلين: فإما أن يعتنقها، وإما أن يجتنبها، كثير من الناس يسلكون السبيل الثاني، فيهربون منها متذرعين ببعض التسويغات التي تعطب وجدانهم وتعطل اتزانهم النفسي. من يضطلع بالحرية، يمكنه أن يحيا حياة المسؤولية الوجودية الحق، في حين أن العزوف عنها يولد التأزم النفسي ويؤجج الصراعات الفردية. أما الآليات التي يخترعها الإنسان لكي يسوغ هروبه من الحرية، فيستجمعها فروم في ثلاث خطط: التطابق الآلي (automaton conformity) والنموذج الاجتماعي الذي تفرضه الأنظومة السائدة، بحيث يتخلى الهارب من حريته عن مثاله الذاتي الخاص ويعتنق الصورة النمطية التي تفرضها الثقافة المهيمنة، وفي ظنه أنه يعفي نفسه من أثقال المسؤولية ويلقي بهموم وجوده على أكتاف الآخرين، التسلطية (authoritarianism) التي تكره الهارب من حريته على الاستغناء المطلق عن مسؤولية حياته وإخضاع وجوده كله لمشيئة الآخرين، الانهدامية (destructiveness) التي تدفع بالهارب الجبان إلى إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع وإبادة الناس وتدمير العالم، وفي اعتقاده أنه بذلك يصون فرديته وحريته ويحفظ نفسه من السحق المنهجي.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech