إستراتيجية ألمانيا متعددة الأطراف: أنموذج الاتحاد الأوروبي والدروس للعراق
17-كانون الأول-2023

لقمان عبد الرحيم الفيلي
تتمتع ألمانيا بتاريخ طويل ومؤثر داخل الاتحاد، وتقدم استراتيجياتها وسياساتها في التعامل مع الاتحاد الأوروبي دروساً قيّمة لدول مثل العراق، الذي تطمح إلى التكامل وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتحقيق الرخاء الاقتصادي. وبينما يسعى العراق إلى التغلب على التحديات التي يواجهها وتعزيز دوره في الشرق الأوسط، فإنه يستطيع أن يستمد الإلهام من النهج الذي تتبناه ألمانيا في التعامل مع الاتحاد الأوروبي في مجالات رئيسة. يتعمق هذا المقال في ستراتيجية ألمانيا متعددة الأطراف داخل الاتحاد الأوروبي، ويظهر كيف يمكن للعراق أن يستفيد من هذه الدروس، في سعيه للتغلب على تحدياته الإقليمية المعقدة وجهود التكامل الاقتصادي مع دول الجوار والمنطقة.
التطور التاريخي لسياسات ألمانيا مع الاتحاد الأوروبي:
يمكن تقسيم التطور التاريخي للسياسات الألمانية اتجاه الاتحاد الأوروبي بمراحل رئيسة عدة، كانت بدايتها مع الحرب العالمية الثانية، ما يعكس الأولويات والتحديات المتطورة، التي تواجهها ألمانيا والاتحاد الأوروبي:
تحديات فترة المصالحة بعد الحرب (1945 - 1957) الانضمام إلى الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (ECSC 1951) معاهدة روما في العام 1957 التي تعتبر نواة الاتحاد الاوروبي إنشاء عملة اليورو والانضمام إلى معاهدة ماستريخت (التسعينيات)،احتضان التوسع وبالذات سياسية التوسع الشرقي (العقد الأول من القرن الحادي والعشرين)، الدعوة إلى الانضباط المالي وتدابير التقشف لمعالجة الأزمة المالية وإصلاحات منطقة اليورو (2008 ولاحقاً)أزمة الهجرة (2015 - 2016) خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (Brexit) في عام 2020 خلقت Brexit تحدياً جديداً لـلاتحاد الأوروبي، إذ تلعب ألمانيا لمكانتها وتأثيرها، دوراً رئيسياً في المفاوضات والمناقشات بشأن العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ولا يزال العقد الثاني من القرن الجاري يجلب تحديات مثل جائحة كوفيد- 19، أو الحرب الروسية الأوكرانية، وجهود التعافي الاقتصادي، وتغير المناخ، والتوترات الجيوسياسية، وهو ما تسعى ألمانيا والاتحاد الأوروبي إلى معالجته بشكل جماعي.
طوال المراحل المذكورة، كان التزام ألمانيا بالتكامل الأوروبي ودورها المدافع عن الاستقرار الاقتصادي، والتعاون السياسي، وسيادة القانون داخل الاتحاد الأوروبي، من الموضوعات الثابتة، ثم تطور النهج الذي تتبناه ألمانيا في التعامل مع سياسات الاتحاد الأوروبي استجابة للظروف والتحديات المتغيرة، ولكن التزامها بالمشروع الأوروبي يظل ثابتاً لا يتزعزع.
العوامل المساهمة: كان لموقع ألمانيا الجيوسياسي وتجاربها التاريخية تأثيرٌ عميقٌ على سياساتها التنموية في الاتحاد الأوروبي، ويعد فهم هذين العاملين أمراً ضرورياً، لفهم الأسباب التي جعلت ألمانيا لاعباً رئيساً في تشكيل الاتحاد الأوروبي، ادناه بعض العوامل الرئيسة التي تأثرت بموقع ألمانيا الجيوسياسي وتاريخها، مما أثر في سياساتها في الاتحاد الأوروبي وكما يلي:
الحرب العالمية الثانية وشعور ألمانيا بالذنب والمسؤولية التاريخية، الرغبة في الاستقرار الأوروبي، القوة الاقتصادية، وستراتيجية توجيه الصادرات، الشراكة الفرنسية – الألمانية، تحديات الهجرة واللجوء، دعم توسع الدول الشرقية بعد إعادة توحيد عام 1990، الالتزام بسيادة القانون والديمقراطية داخل الاتحاد الأوروبي، وأخيراً قانون التوازن، حيث كان موقع ألمانيا الجيوسياسي بين نصفي أوروبا الغربي والشرقي، يتطلب منها إجراء عملية توازن دقيقة، ويتعين عليها أن تحافظ على علاقات قوية مع كل من الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، مع الاعتراف بأهمية الأمن والتعاون في كلا السياقين.
يُعد حلف شمال الأطلسي أساسية للسياسة الأمنية والدفاعية الألمانية، اذ يُعتبر الحلف بأعضائه الثمانية والعشرين، ضمانة مهمة للأمن والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية، إذ تسهم ألمانيا في ميزانية الحلف بنسبة 14.5% اي ما يعادل 1.4% من ناتجها القومي، ولديها خطط برفع تلك النسبة إلى 2% بحلول العام 2024، كما تشارك ألمانيا في بعثات الناتـو في عدة مناطق حول العالم، وتسهم مثلاً بفعالية بعملية (ايرني) لمراقبة السواحل الليبية لمنع توريد الاسلحة إلى اطراف النزاع هناك.
وكجزء من سياق البحث عن دور فعال دولياً، خصوصاً داخل أقبية الأمم المتحدة، هناك تركيز ألماني على ملء مقاعد الدول غير دائمة العضوية في مجلس الامن، اذ تعتبر ألمانيا منظمة الأمم المتحدة اهم مؤسسة في النظام الدولي وتحتل ألمانيا مركزاً متميزاً فيها، كما تُعد ثاني مساهم انساني في برامجها، وتطالب باستمرار ألمانيا منحها مقعداً دائماً في مجلس الامن الدولي، حيث ترى بأن لها أحقية بذلك، كونها رابع أكبر مساهم في موازنة المنظمة بنسبة 7% من ميزانية الأمم المتحدة، وثاني أكبر مانح دولي في إطار الأمم المتحدة، وتشارك في عدد من بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام حول العالم، كما تدعو ألمانيا إلى إجراء اصلاحات في مجلس الامن الدولي، كونه لا يمثل واقع اليوم أو التوزيع الجغرافي العادل، حيث شكلت ألمانيا مجموعة (G4) مع اليابان والبرازيل والهند في عام 2005، وانطلقت مفاوضات الاصلاح بشكل رسمي في العام 2016.
التعددية الألمانيَّة داخل الاتحاد الأوروبي:
لقد أثرت تجارب ألمانيا التاريخية تأثيراً عميقاً في التزامها بالتعددية داخل الاتحاد الأوروبي.
وقد أكد الدمار الذي خلفته الحربان العالميتان والتقسيم اللاحق للبلاد خلال الحرب الباردة على أهمية التعاون والتكامل في أوروبا، وتبنت ألمانيا التعددية كوسيلة لمنع الصراعات وتعزيز المصالحة.
ويلعب اقتصاد ألمانيا القوي دوراً محورياً في نهجها متعدد الأطراف، وباعتبارها أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فإنها تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير، وتدفع السياسات التي تؤكد الاستقرار الاقتصادي، والنمو، والتكامل، وهذا الالتزام بأساس اقتصادي قوي لا يفيد ألمانيا فحسب، بل أيضاً الاتحاد الأوروبي بالكامل.
إن الزعامة السياسية الألمانية داخل الاتحاد الأوروبي، بالتعاون غالباً مع فرنسا في «المحرك الفرنسي- الألماني»، تعمل على صياغة الأجندة السياسية للاتحاد، والشراكة القوية تكون من خلال التعاون بين هذين البلدين كعنصر أساسي في تكامل الاتحاد الأوروبي، حيث سلط الضوء على قوة التعاون والوحدة بين الدول الأعضاء.
إن التزام ألمانيا بتعميق التكامل الأوروبي، يشكل مبدأ توجيهياً، وهي تدعو إلى الاتحاد السياسي والاقتصادي والنقدي، مما يدل على الإيمان بفوائد السيادة المشتركة وصنع القرار الجماعي، ويشكل هذا الالتزام حجر الزاوية في هوية الاتحاد الأوروبي وتقدمه.
المشكلات: ورغم أن ألمانيا كانت لاعباً رئيساً في تشكيل سياسات وستراتيجيات الاتحاد الأوروبي، فإنها لم تخل من الأخطاء الستراتيجيَّة أو المجالات التي واجه فيها نهجها انتقادات عدة، أدناه بعض الأخطاء الستراتيجيَّة الرئيسة أو القضايا المثيرة للجدل المتعلقة بسياسات وستراتيجيات ألمانيا في الاتحاد الأوروبي:
تدابير التقشف خلال أزمة منطقة اليورو، واتهام ألمانيا بالسعي للهيمنة على سياسات الاتحاد الأوربي وخصوصاً اتجاه دول جنوب أوروبا، وانعدام التضامن خلال أزمة الهجرة عام 2015، والفشل في تعزيز توسيع الاتحاد الأوروبي من غرب البلقان، والتحديات في موازنة المصالح الاقتصادية، وتقويض سياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، من خلال دعم نورد ستريم 2، وبالتالي تعزيز وخلق الاعتماد على الغاز الروسي، وأخيرا النهج الحذر الذي تتبعه ألمانيا في إصلاح منطقة اليورو ومقاومتها لإجراءات، مثل سندات اليورو أو السياسة المالية الأوروبية المشتركة.
وعليه من الممكن القول إن الدور الذي تلعبه ألمانيا في الاتحاد الأوروبي معقداً، وكثيراً ما تتطلب سياساتها إيجاد توازن دقيق بين مصالحها الخاصة والمشروع الأوروبي الأوسع.
وعلى هذا النحو، فإن تصورات الأخطاء الستراتيجيَّة يمكن أن تختلف بين الدول الأعضاء وأصحاب المصلحة.
دروس للعراق:
هناك نقاط رئيسة عديدة من الفهم الألماني تجاه الاتحاد الأوروبي يجب على العراقيين اخذها بعين الاعتبار، حيث إن الفهم المذكور يمكن أن يساعد العراق، وهو يستكشف مساره بعد عزلة طويلة نحو التعاون والتنمية الإقليميين، وهي:
1 - الالتزام بالسلام والاستقرار الإقليميين: إن التزام ألمانيا التاريخي بالسلام والاستقرار في أوروبا، والذي تحقق من خلال التعاون الإقليمي، يشكل درساً قيماً، وإن العراق، الدولة التي عانت من سنوات من الصراعات وعدم الاستقرار، يمكنها أن تستلهم التزام ألمانيا بالسلام والاستقرار، ومن خلال إعطاء الأولوية للسلام والتعاون الإقليميين، يستطيع العراق أن يعمل على منع الصراعات في المستقبل وتعزيز المصالحة بين المجموعات العرقية والدينية المختلفة.
2 - الإصلاحات الاقتصادية والنمو والرخاء: النجاح الاقتصادي الذي حققته ألمانيا يقدم دروساً قيمة للعراق، وإن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وجذب الاستثمار في البنية التحتية، وفي رأس المال البشري وخلق بيئة أعمال مواتية يمكن أن يحفز النمو الاقتصادي ويحسن مستويات المعيشة للعراقيين.
3 - المرونة في الحكم: إن النهج المرن الذي تتبعه ألمانيا في التعامل مع التكامل الأوروبي، واستيعاب الاحتياجات المتنوعة، يمكن أن يتردد صداه لدى سكان العراق المتنوعين عرقياً وثقافياً، ومن المهم بالنسبة للعراق أن يستكشف نماذج أنظمة الحكم الاتحادية وأنظمة الإدارة اللامركزية لمعالجة الفوارق الإقليمية في هياكل الحكم.
4 - حكم القانون والديمقراطية: إن تأكيد ألمانيا على حكم القانون والقيم الديمقراطية داخل الاتحاد الأوروبي يبرهن على أهمية هذه المبادئ، لتحقيق الاستقرار، وينبغي للعراق أن يعطي الأولوية لإنشاء وتعزيز المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون.
5 - حل الصراعات والمصالحة: يمكن للعراق أن يستفيد من تجربة ألمانيا في جهود المصالحة بعد الحرب العالمية الثانية، وأن تعزيز الحوار ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات وتعزيز الوحدة الوطنية هي خطوات أساسية نحو السلام الدائم.

الاقتصاد النيابية تبحث المواصفة العراقية لاستيراد المركبات مع جهاز التقييس
3-نيسان-2024
وزير العدل خالد شواني لـ"العالم": نعمل على "أتمتة" عمل التسجيل العقاري وكتّاب العدول
25-آذار-2024
الحسناوي لـ"العالم": حصة المواطن من الموازنة العامة سنويا 4 آلاف دينار
23-آذار-2024
وزير الداخلية لـ"العالم":نخطط لاستبدال المنتسبين الرجال في المطار بكادر نسوي
12-آذار-2024
حادث سير يودي بحياة "مشرفين تربويين" على طريق تكريت - موصل
12-شباط-2024
العراق يتأثر بحالة ممطرة جديدة تستمر لأيام تتبعها ثالثة "وربما رابعة"
12-شباط-2024
هزة أرضية تضرب الحدود العراقية التركية وسكان يستشعرون قوتها في دهوك والموصل
12-شباط-2024
العراق يدعو إلى تدخل دولي لمنع خطط التهجير الجماعي لسكان جنوب غزة
12-شباط-2024
بمشاركة السوداني وبارزاني إنطلاق قمة عالمية بدبي للحكومات
12-شباط-2024
الأمن والدفاع: العراق لا يستطيع حماية أجوائه من المسيرات
12-شباط-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech