مسلم عباس
يمكن وصف الخطاب الإعلامي الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين بأنه يريد القول، أن جيش إسرائيل المختار يدافع عن نفسه ضد الإرهابيين المتوحشين الأشرار من مقاتلي حركة حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية الأخرى، هذه هي السردية الرئيسية للخطاب الإسرائيلي، وقد تبناها قادة الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية مثل ألمانيا وبريطانيا، وفرنسا التي دعت إلى تشكيل تحالف عالمي لمحاربة "إرهاب حماس" ليكون شبيهاً بالتحالف الدولي ضد داعش.
وسائل الإعلام الغربية هي الأخرى كانت قد اتبعت التوصيف الرسمي الإسرائيلي والغربي المتبع ضد حركة حماس والحركات الفلسطينية الأخرى، فكل فصيل فلسطيني يقاتل من أجل استعادة أرضه يعد إرهابياً، بل وأن الإعلام الغربي وضع شرطاً لاستضافة أي شخصية وهي أن يكون قادراً على إدانة فعل المقاومة من قبل الفصائل الفلسطينية.
التساؤل المركزي في هذا المقال يدور عن حقيقة الفصائل الفلسطينية، وهل هي إرهابية فعلاً؟
من هو الإرهابي؟ وما هي أفعاله لنقول عنه إرهابي أو لا؟
نذهب إلى أفضل منتج صنعته الدول الغربية وتتفاخر بأنها تسير على خطاه، وهو القانون، من خلاله نضع مسطرة نقيس عليها، وسنبدأ من مهد التعريف في مجال الاصطلاح وحتى آخر ما توصلت إليه المنظمات الدولية بشأن تعريف هذا المفهوم المعقد.
تبلور مفهوم العنف بمعنى الإرهاب مع أحداث الثورة الفرنسية عام 1789 , إذ اكسب هذا اللفظ البعد السياسي الذي يعرف به اليوم، فبعد أنْ نجحت الثورة الفرنسية وضمت أجزاء البلاد كافة، قام الثوار بمهاجمة مؤيدي العهد السابق في عام 1792 وقتلوا مجموعة كبيرة منهم، فيما أيدت الثورة ذلك العمل، وبذلك أصبحت أعمال العنف وسيلة معترفاً بها من الحكومة الثورية.
ومنذ ذلك الحين لم يخضع مفهوم الإرهاب لتحديد واضح، لذلك نرى أنَّ أغلب من كتب في هذا المجال يتحدث عن عدم الاتفاق على تعريف محدد، فقد تحدث البعض عن تجاوز تعريفات الإرهاب المائة، في وقت أصبحت فيه ظاهرة الإرهاب العقبة الأكبر في مسيرة استقرار الشعوب، وربما كان العراق هو الساحة الأوسع للإرهاب منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 وحتى يومنا هذا إذ أشار المسؤولون الأمريكيون في أكثر من مرة أنَّ العراق أصبح ساحة لقتال الإرهاب، لكن الولايات المتحدة تعتبر كل من يخالف سياستها إرهابياً، لذلك لا يمكن القول أن التعريف الأميركي للإرهاب تعريفاً موضوعياً بل يخضع للمصالح السياسية وطبيعة العلاقة مع الأطراف المتنازعة.
ويعزو بعض الباحثين عدم وجود اتفاق على تعريف الإرهاب إلى اختلاف الآراء والاتجاهات بين الفقهاء والمختصين بهذه الظاهرة من جهة، فضلاً عن أنَّ هذه الظاهرة هي في الأصل متغيرة ومختلفة الأشكال والأنماط والدوافع. فالذي يعد إرهاباً في سياسة دولةٍ ما، تَعده الدول الأخرى نضالاً شعبياً، إلا أنَّ ذلك لا يعني عدم وجود محاولات لتعريف الإرهاب سواء على مستوى القانون أم المنظمات الدولية أم الدول، ووفقا لمتطلبات المقال سنتناول مفهوم الإرهاب في القانون والمنظمات الدولية بما فيها الاتفاقيات الدولية وفي تشريعات بعض الدول.
الإرهاب في القانون
على صعيد فقهاء القانون ظهرت ثلاثة اتجاهات في تعريف الإرهاب، يركز الاتجاه الأول في الطابع السياسي والايدلوجي للعمل الإرهابي، فهو يشترط وجود هدف سياسي وراء الإرهاب، فعرفه الفقيه اريك دافيد بانه "أي عمل من أعمال العنف المسلح الذي يرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو فلسفية أو ايدلوجية أو دينية". على هذا الأساس من هو الإرهابي؟ هل هي إسرائيل أم الفصائل الفلسطينية؟ أليست إسرائيل هي من تمارس العنف من أجل أهداف دينية للدولة اليهودية التي لا تسمح بتجنيس مع يهاجر إليها إلا من كان يهودياً، ثم إن العمليات الجارية الحالية تهدف إلى إنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو الذي يعاني من أزمات سياسية مع القضاء الإسرائيلي والاحزاب المعارضة هناك.
كما أن الدعم الأميركي غير المحدود لجرائم الحرب ضد المستشفيات والمدارس والمنشآت المدنية كلها تأتي لتحقيق مصالح انتخابية داخلية أميركية، ولا سيما ما يتعلق بالرئيس الأميركي جو بايدن.
وتفسيرنا هذا يتوافق مع ما ذهب إليه شريف بسيوني بأن الإرهاب "استراتيجية عنف محرم دولياً، تحفزها بواعث عقائدية (ايديولوجية) وتتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول إلى السلطة أو للقيام بدعاية لمطلب أو لمظلمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل انفسهم أو نيابة عنها أم نيابة عن دولة من الدول". وفكرة إحداث الرعب تمارسها إسرائيل عملياً في قطاع غزة من خلال ضرب جميع المنشآت المدنية لإجبار الفلسطينيين على مغادرة شمال قطاع غزة إلى جنوبه، لتنتقل إلى المرحلة الثانية وهي تهجيرهم جميعاً إلى خارج قطاع غزة كلياً.
الاتجاه الثاني
أما الاتجاه الثاني فيؤكد على الرعب والخوف الذي يثيره العمل الإرهابي، لذا فالعمل وفقاً لهذا الاتجاه حتى يوصف بالإرهاب يجب أن يتولد فيه خوف ورعب بغض النظر عن أهدافه أو نتائجه، إذ عرّفه أحمد محمد رفعت بأنه استخدام طرائق عنيفة من أجل نشر الرعب بغيةالاجبار على اتخاذ موقف معين، أو الامتناع من موقف معين. وعرفه وولتر أنَّ "الإرهاب عملية رعب تتألف ثلاثة عناصر: فعل العنف أو التهديد باستخدامه، ردة الفعل العاطفية الناجمة عن اقصى درجات الخوف الذي اصاب الضحايا أو الضحايا المحتملة، واخيرا التأثيرات التي تصيب المجتمع بسبب العنف، أو التهديد باستخدامه ونتائج الخوف". ويقترب هذا التعريف مع ما جاء به (فريلاند) و الذي يقول أنّ الإرهاب "هو الاستخدام التكتيكي للعنف، الغاية منه أولا خلق جو عام من الخوف والذعر لدى القسم الاكبر من الشعب". نعود للتذكير بأن التعريفين أعلاه ينطبقان تماماً على الأفعال الإسرائيلية التي تستهدف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وأشار أخرون بالاتجاه نفسه بأن الإرهاب استراتيجية عنف تتوخى بث الرعب داخل مجتمع ما؛ بغية تحقيق السيطرة أو الدعاية لقضية أو الايذاء لأغراض الانتقام السياسي تقوم به الدولة ضد شعبها أو ضد شعب دولة أخرى، أو تقوم به جماعات ثورية تعمل داخل دولتها أو خارجها.
الاتجاه الثالث
ويركز الاتجاه الثالث في العشوائية والفوضوية في العمل الإرهابي، إذ يقول جوليان فرويند: "أنَّ الإرهاب يقوم على استعمال العنف من دون تمييز من أجل تحطيم كل مقاومة عن طريق انزال الرعب في النفوس، وهو يتعدى القضاء على الكائنات وتدمير الممتلكات المادية إلى استعمال العنف بأسلوب منسق ليخيف النفوس ويرهبها". يكفي أن أذكر هناك تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي هدد بحرق كل شيء في غزة ومنع الماء والكهرباء والدواء ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في محاولة لخلق أقصى درجات الإرهاب ضد المدنيين الفلسطينيين.
مفهوم الإرهاب لدى المنظمات الدولية
لم يكن المجتمع الدولي غائبا عن تحديد ملامح الإرهاب عن طريق الاتفاقيات الدولية أو منظماته الدولية، فمنذ بدايات القرن العشرين طرحت قضية الإرهاب للمعالجة القانونية في محاولة لتقنين ظاهرة الإرهاب وردعها، بعدها بدأ اهتمام المجتمع الدولي بالإرهاب عام 1930 إذ شكلت عصبة الأمم لجنة خاصة لدراسة جرائم العنف والمعاقبة عليها ومكافحتها، وعقدت مؤتمرات عدة ناقشت الأفعال التي تتضمن استعمالاً عمدياً لوسائل من شأنها إحداث خطر عام، أو تهديد الحياة والسلامة البدنية أو الملكية، أو الاعتداء على حياة وسلامة رؤساء الدول وأعضاء الحكومات، وانتهت إلى تعريف الإرهاب عام 1937 على إنه: "الأفعال الجنائية الموجهة ضد دولة ما، ويكون غرضها أو نتيجتها إشاعة الرعب والذعر لدى شخصيات أو جماعات معينة، أو لدى عموم الجمهور". ومما يُثار حول هذا التعريف اقتصاره على الإرهاب الموجه ضد الدولة علماً أنَّ الإرهاب قد تمارسه الدولة نفسها ضد حركات التحرر الوطنية أو الحركات الثورية، لكنه رغم ذلك ينطبق على الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وتفسيرنا هذا يتوافق مع ما ذهبت إليه لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي، في مشروعها الخاص بالجرائم ضد الانسانية وأمنها عام 1954 والتي قالت بأن أعمال الإرهاب تقع ضمن هذه الجرائم الموجهة، وأنها تتضمن قيام دولة بأفعال إرهابية في دولة أخرى.
وقدمت خمس عشرة اتفاقية في مجال مكافحة الإرهاب خلال خمسة عقود بدءاً من عام 1963, إذ وقّعت اتفاقية طوكيو وحتى عام 2005 وصنفت هذه الاتفاقيات إلى خمس فئات، تبعا للأفعال التي يشملها التجريم، وهي كالاتي :-
1- اتفاقيات تجريم أفعالاً تمس سلامة الطيران المدني.
2- اتفاقيات تجرّم أفعالاً متصلة بالسفن والمنشئات الثابتة في الموانيء.
3- اتفاقيات تجريم أفعالاً متصلة بحالة الضحايا.
4- اتفاقيات متصلة بالمواد الخطرة .
5- اتفاقيات متصلة بتمويل الإرهاب.
وقدمت بعض هذه الاتفاقيات تعريفا للإرهاب ومنها اتفاقية جنيف عام 1973 التي عرفته في المادة (1/2) بأنه : "الأفعال الجنائية الموجهة ضد دولة , والتي يقصد بها أو يراد منها خلق حالة من الرعب في ذهن بعض الأفراد أو مجموعة منهم أو الجمهور عامة".
وعلى صعيد مجلس الأمن فانه عرف الإرهاب في قراره الصادر في 8 اكتوبر 2004 بأنه تلك الأعمال التي تُرتَكب ضد المدنيين، بغية القتل أو إلحاق إصابات جسمانية بالضحايا، أو أخذ الرهائن، بغية إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو مجموعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو ارغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل أو الامتناع عنه.