إيران والعراق على خط الأزمة
29-تشرين الثاني-2022
إبراهيم العبادي
إيران في أزمة خطيرة وأوضاعها تثير القلق، هذه العبارة ليست وليدة قراءة متشائمة للأحداث وتطوراتها وردود فعل النخبة الإيرانية بمختلف اتجاهاتها الإصلاحية والأصولية، فضلاً عن تعبيرات الخط المتشدد، الذي ما زال متمسكاً بخطابه وشعاراته وأحلامه.
في صورة رمزية معبرة جمعته مع أربعة من أسلافه وزراء الخارجية السابقين، نشر وزير الخارجية الإيراني امير عبداللاهيان تغريدة، أراد منها توجيه رسالة إلى العالم الخارجي يقول فيها: إن الدبلوماسية الإيرانية متماسكة وتعمل بانسجام وتستفيد من خبرات وتوجهات الوزراء الذين خدموا في ظروف مختلفة، لكن ما أراد عبداللاهيان أن يخفيه كان الوجوم والقلق وعدم الارتياح الذي عبرت عنه لغة جسد الوزراء بتعبير (علم النفس السياسي)، وهذه النتيجة يلمسها المراقب للأحداث الجارية في إيـران، فالمحصلة تقول إن إيران ليست بخير وإنها تعيش أخطر ازمة داخلية منذ تأسيسها، رغم إنها واجهت أزمــات خطيرة قبل ذلك، خصوصا السنوات الأولى من عمر الثورة بدء من تـمـردات الاقليات بين الاعــوام (1979-1982 ( إلى الحرب المسلحة التي شنتها قوى اليسار (فدائيي خلق، مجاهدي خلق، تودة) في السنوات الأربــع الاولــى من عمر الثورة، إلى الحرب مع نظام صدام -1980 1988، كل ذلك جرى في ظل حصار أميركي وتوتر في علاقات إيران الخارجية وهجوم إعلامي كبير، ودبلوماسية مرتبكة بسبب انقسام التوجهات والتيارات الداخلية، التي تراوحت بين ثورية طائشة وواقعية معتدلة. الأزمة التي تعيشها إيران منذ موت مهسا اميني في 13 ايلول المنصرم، تنفرد عن الأزمــات السابقة في كونها قسمت الإيرانيين عموديا، وصارت تهدد شرعية النظام وتطالب بتغيير سياسي ودستوري، علاوة على اكتسابها دعما متزايدا من الجاليات الإيرانية في الخارج (ستة ملايين) وترد كبير في علاقات إيران مع أوربا. أسباب كثيرة تبرر القلق عما يجري في إيران، أسباب أولها أن زخـم التظاهرات لم يضعف، وإن خيارات استعادة الامن والنظام يخضع لجدل كبير بين النخبة الإيرانية، بين من يدعو إلى عـدم التراجع والتنازل ويمثل هـذا الخط، الأجهزة العسكرية (الحرس، الجيش) وبعض رجـال الدين المتشددين، وبين من يدعو إلى الاستجابة المعقولة وإجراء اصلاحات دستورية وسياسية، وانــهــاء احتكار التيار المتشدد للسلطات، والتخلي عن منظورات وخطابات تسببت في قطيعة بين أجيال إيران الجديدة وطموحاتهم وقيمهم المعولمة وبين جيل الثورة الاسلامية المتراجع والمنقرض بحسب قانون التعاقب الجيلي.
الاخطر في أحداث إيران الراهنة بروز رجل الدين مولوي عبد الحميد امام جمعة زاهدان (من الاقلية البلوشية السنية)، الذي صار يقدم نفسه زعيما مطالبا بالتغيير ويستخدم منبر صلاة الجمعة، ليقوم بنقد لاذع للسياسات وموجها للجمهور لمواصلة التظاهرات.
انتشار التحريض والدعم الاعلامي والسياسي الخارجي للتظاهرات وجنوح مجموعات نحو العنف صار يزعج السلطات كثيرا، خصوصا أن التكتيكات المستخدمة لإدامة زخم التظاهر صــارت تستعيد ايــام الـثـورة الاسلامية في الاعوام -1977- 1978 1979)، تشييع الضحايا، التجمع في المقابر، إحياء أربعينية الضحايا، إضـرابـات المصانع والـشـركـات والنقابات، التظاهرات داخـل الحرم الجامعي، تحطيم الرموز والصور والتماثيل، توزيع التظاهرات في مدن كبيرة وصغيرة)، وهذه الديناميكية صـارت تدفع بالنقاش السياسي إلى مديات غير مسبوقة إلـى حـد صـار رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وهو أحد وجوه الأصوليين المعروفة، يعلن أنه بعد استعادة الأمن في عموم البلاد، فإن الوقت حان لإجراء الاصلاحات، بينما يتصاعد الـجـدل بشدة حــول سقوف هذه الاصلاحات إن كانت ستطول الدستور والصلاحيات الممنوحة لمجلس حماية الدستور بل مساحة ولاية الفقيه؟! الأمـر المقطوع به أن إيــران تعيش مخاضات كبيرة وأنها أمام خيارات محدودة، بين أن تنجح النخبة العقلانية في سوق الاصلاحات نحو استيعاب مطالب المحتجين وطمأنة الأقليات وتوسيع مساحة المشاركة السياسية، وإعادة النظر في السياسة الخارجية نحو المرونة مع الخارج، أو يتغلب الحل الأمني وتساق إيران نحو العسكرة وسيطرة منهج القوة والصدام، بدعوى عدم التنازل للقوى المدعومة من الغرب والتمسك بالمبادئ الثورية لأنها المنهج الصائب الوحيد. كيف ستؤثر أحداث إيران على العراق؟ َّ أن العراق هو البلد الاول الـذي يتأثر لا شك بما يجري في إيران، فهذه واحدة من مسلمات العلاقة بين البلدين منذ مئات السنين، أوضح مصاديق التأثر ظهرت في عام 1979 عندما انتصرت الثورة الاسلامية، فقد ترددت أصداء هذا المتغير في أغلب شوارع العراق ومساجده، ليتحول بعدها إلـى ساحة صــراع قــادت إلى تداعيات ومضاعفات ما زالـت تتوالى حتى اليوم.