استطلاع: لماذا يشهد العراق ارتفاعا مخيفا في حالات العنف الأسري؟
10-أيار-2023
بغداد ـ أوس ستار الغانمي
في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة العنف الأسري بشكل لافت وغير مسبوق في مجتمعنا العراقي، ومعظم هذه الحالات تقع على عاتق ثلاثة فئات وهم النساء والأطفال وكبار السن وظهر حديثاً فئة الرابعة وهي تعنيف وتعذيب الرجال، وتعاظمت هذه الظاهرة حتى باتت حديث الكثير في مجتمعنا بسبب الأرقام المخيفة والنسب المتصاعدة للعنف الأسري، وهذه القضية أدت إلى خسارة أرواح الكثير من البشر وصلت لمرحلة فقدان الحياة بسبب الانتحار.
وبحسب المختصين تبرز أسباب عديدة فاقمت من حالات العنف الأسري في المجتمع واهمها الضغوط العائلية والفقر المالي وتعاطي المخدرات وتزايد البطالة واستخدام السلاح المنفلت وغياب سلطة القانون، جميع هذه الأسباب تنتج اعمال عنف أسرى، وهكذا نلاحظ بأن المحاكم العراقي تسجل عشرات من حالات الطلاق بسبب عدم التفاهم الأسري والعنف الأسري الذي يحدث داخل الأسر ضد فئة النساء وفئة الأطفال.
ولأهمية الظاهرة وتأثيرها على مجتمعنا من ناحية الاجتماعية والحقوقية، ولما لها من انعكاسات خطيرة تؤدي الى غياب الاستقرار الاسري، قامت "شبكة النبأ المعلوماتية" استطلاع رأي بهذا الخصوص وطرحت أسئلة على عدد من المثقفين والمختصين ومن يهمه أمر المجتمع، وكان سؤالنا كالآتي:
لماذا يشهد العراق ارتفاعاً مخيفاً في حالات العنف الأسري؟
عباس الگمبر السعدي، مشاور قانوني ومدير مكتب مجلس النواب العراقي في كربلاء، يقول: "تتزايد حالات العنف الأسري في العراق بصورة مقلقة ومضطردة، ومن خلال مراقبة الخط البياني عن أرقام صادمة لتصاعد عمليات العنف الأسري في البلاد، ومعدلات تسجيل حالات العنف الأسري زادت عن 15 ألف حالة عنف خلال العام 2021، تجاه النساء والأطفال وكبار السن"، واضاف السعدي: "للعنف أسباب عديدة هي المؤشرات والحقائق نلخصها بالاتي: ظروف المعيشة الصعبة كالفقر والبطالة، وغياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة، وسوء الاختيار وعدم الانسجام بين الزوجين في مختلف جوانب الحياة التربوية والتعليمية والاجتماعية والفكرية والبيئية، وتابع: "ان العلاقة بين قيادة السيارة والحياة الزوجية هي الحرص على قيادة آمنة وسليمة وسعيدة بحيث السائق لا يؤذي نفسه اثناء قيادة السيارة يجب عليه أن يسير بهدوء وبأمن وأمان وسلامة، عندئذ أصبح السائق مؤهلاً لمنح رخصة قيادة، أما في الحياة الزوجية يجب على المتزوجين مؤهلين لكي تسير حياتهم بالمودة والمحبة والتعاون والرحمة والعشرة الطيبة، نأمل أن نكون بذلك قد نخفض من المآسي الأسرية".
ناصر محمد عبد، مشاور قانوني أقدم وموظف في وزارة الموارد المائية، فأجابنا قائلا: "عندما نتحدث عن الاسرة، تعد الحجر الأساس في تكوين المجتمع سواء كان مجتمعناً مثالياً واعياً او بالعكس، ينشأ العنف الأسري في بعض الحالات من دوافع اقتصادية نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي، وأخرى دوافع السياسية والحروب وكذلك سيطرة عصابات داعش على مناطق واسعه من العراق، جميع هذه الامور كانت اسبابا بارزة في ازدياد حالات التفكك الاسري في بلدنا، وهذا يحتاج توحيدناً جميعاً كمثقفين وناشطين وضع الحلول المناسبة واحتواء هذه الاسر من التفكك باستخدام برامج توعية خاصة لبيان الاثار والمخاطر التي تنتج عن هذا التفكك مع ايجاد فرص عمل بالتعاون مع الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لاحتواء هذه الظاهرة الخطيرة.
حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في الشأن الاقتصادي، ذكر: هناك علاقة وثيقة بين الاقتصاد والعنف الاسرة، وذلك بحكم الترابط بينهما والتأثير ببعضهما البعض، بمعنى آخر، ان تحسن اداء الاقتصاد ينعكس بشكل ايجابي على العنف الاسري والعكس صحيح أي ان سوء اداء الاقتصاد ينعكس بشكل سلبي على العنف الاسري.
في العادة، ينتقل الاثر من الاقتصاد إلى العنف الأسري من خلال البطالة والفقر، اي كلما ترتفع البطالة والفقر تؤدي إلى زيادة العنف الأسري والعكس صحيح.
وفيما يخص اداء الاقتصاد العراقي فالبعض يعتبره أفضل اقتصادات المنطقة بحكم تحقيقه معدلات نمو مرتفعة مدفوعةً بأسعار النفط والبعض الآخر لا يعتبره كذلك لعدم تنوع الاقتصاد الحقيقي فضلاً عن تذبذب المورد النفطي.
ونظراً لاعتماد الاقتصاد العراقي على المورد النفطي بشكل رئيس الذي يتصف بأنه صناعة كثيفة رأس المال من جانب وعدم تفعيل القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تتصف بأنها صناعات كثيفة العمل، كلا الجانبين دفعا لزيادة البطالة لأكثر من 15% والفقر لأكثر 20% مما يعني تفاقم العنف الأسري.
إضافة إلى مسألة البطالة الفقر جاء ارتفاع الاسعار ليزيد الطين بلةً، إذ في الوقت الذي يعاني العاطلين عن العمل والفقراء من تمشية أمورهم الحياتية جاء ارتفاع الاسعار بفعل التضخم المستورد كنتيجة لارتفاع اسعار الطاقة العالمية على خلفية بداية انتعاش الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا بالتزامن مع الحرب الروسية- الاوكرانية، إلى ارتفاع تكاليف النقل وارتفاع اسعار السلع والخدمات هذا الأمر أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة مما يعني ارتفاع العنف الأسري.
ان العلاقة بين الاقتصاد والعنف الأسري تحتاج لبيانات توضح العلاقة بينهما بشكل دقيق، حيث يتم اخذ مؤشر اداء الاقتصاد أو الاسعار من جانب والعنف الاسري أو أحد مؤشرات من جانب آخر، وتتضح العلاقة بينها. ونظراً لضعف الجهات الاحصائية في تحديث البيانات الاقتصادية والاجتماعية خصوصاً بعد الأزمات لذلك يظل الكلام في ظل التحليل والواقع المعاش. حيث يلاحظ من خلال الواقع المعاش تزايد حالات العنف الأسري من طلاق وانتحار وهجرة وتحرش وزيادة الباعة المتجولين من كبار وصغار ذكور واناث وغيرها.
وبالتأكيد، هناك عوامل أخرى لا تقل وربما تفوق أهمية العامل الاقتصادي تقف وراء مشكلة العنف الأسري متروكة لأصحاب الاختصاص كالعامل الديني والنفسي والاجتماعي وغيرها.
عموماً ولأجل التخفيف من العنف الأسري يتطلب الأمر معالجة الملف الاقتصادي وبالخصوص ملف البطالة والفقر وذلك من خلال تقليل الاعتماد على النفط وتفعيل القطاعات الاقتصادية الاخرى من أجل خلق فرص العمل.
كذلك ينبغي العمل على محاربة الفساد وخلق بيئة جاذبة تحفز وتشجع القطاع الخاص على الاستثمار مما يعني خلق فرص العمل ايضاً وتقليل البطالة والفقر والعنف الأسري أخيراً.
نبيل جبار التميمي، باحث بالشأن السياسي والاقتصادي، قال: العراقيون يعيشون تحت خط الفقر من 18ـــــ 25٪ وان نسبة الفقر في تزايد مستمر ارتفعت في البلاد إلى 25 في المائة، يعاني ربع سكان العراق من عدم الانتفاع المباشر او غير المباشر من الانفاق الحكومي، وهو ما تشير له احصائيات نسب الفقر الدورية والسنوية التي تصدرها الجهات الرسمية كونها باقية بحدود ١٨ــــ 25٪، وان هذه الطبقة الاجتماعية بالعادة لها أكثر من بعد من ابعاد الفقر الستة، فالكثير منهم لا يمتلكون مساكن خاصة والبعض منهم في المساكن العشوائية واخرون يستأجرون منازل ولديهم امراضا مزمنة، واعاقات جسدية، وامراض خاصة كالسرطانات او ضعف كلوي وغيرها، ونسبة تسربهم من المدارس كبيرة وتنشر فيهم الامية، او اغلبيتهم يفتقدون الى الوصول واكمال مستويات دراسية تؤهلهم لنيل وظائف مرموقة، ضعف في الدخول العامة كونه بالعادة دون خط الفقر التي تمثل ١٢٠ لكل فرد شهريا.
محمد الزيادي، اكد انه "لا شك بأن جرائم العنف الأسري من الجرائم القديمة ولكنها كانت تتخذ اشكالاً مختلفة بحسب الوضع القائم من ناحية الزمان والمكان، والعنف بشكل عام هو العنف مضاد للرفق ومرادف للشدة والقسوة والعنيف هو المتصف بالعنف، فكل فعل شديد يخالف طبيعة الشيء ويكون مفروضاً عليه من خارج فهو بمعنى ما فعل عنيف".
وعلى المستوى التشريعي فيلاحظ تقريبا عدم وجود محاولات تشريعية في هذا الصدد بالنسبة لتعريف العنف الاسري وهي في الواقع خطة محمودة لإنه اصلا ليس من وظيفة المشرع ايراد التعاريف لان من صفات التعريف ان يكون مانعا جامعا وشاملا وهو من الصعب تحقيقه بالتعريف الذي يمكن ان يورده المشرع لإنه مهما اجتهد المشرع في ذلك فلن يستطيع ان يأتي بتعريف يشمل جميع ما يمكن ان يستجد من وقائع في المستقبل فيظهر بذلك قصور هذا التعريف.
لذا من الافضل ترك هذا الامر للفقه ولكن يبدو ان المشرع الكردستاني قد شذ عن ذلك فأورد تعريفا للعنف الاسري في قانون مناهضة العنف الاسري رقم 8 لسنة 2011 بقوله: العنف الاسري (كل) فعل او قول او التهديد بهمــا علـى اساس النوع الاجتماعي في إطار العلاقات الاسرية المبنية على اساس الزواج والقرابة الى الدرجة الرابعة ومن تم ضمه الى الاسرة قانونا من شأنه ان يلحق ضررا من الناحية الجسدية والجنسية والنفسية وسلبا لحقوقه وحرياته).
من الجدير بالذكر أن قانون العقوبات العراقي لا يوجد به فصل خاص تحت اسم العنف الاسري لكن قانون العقوبات العراقي جرم جميع الافعال والجرائم التي ترتكب بحق أي انسان والجرائم الواقعة على الاشخاص في العراق يوجد لها نصوصا قانونية ضمن قانون العقوبات العراقي، لذلك نجد هذه النصوص متفرقة في عدة مواد حسب الجريمة ونوعها، ولكن توجد مواد قانونية ترتبط وتشترك في شيء واحد وهو الجرائم التي ترتكب داخل إطار الاسرة الواحدة وهو ما يعرف بالعنف الاسري.
مع ان جرائم العنف الأسري ليست مقصورة على مجتمعات دون أخرى فهي موجودة في كل المجتمعات، إلا إن طرق التعامل هذه الجرائم تتفاوت من مجتمع لأخر لا سيما في مجال الحماية الجنائية للأسرة. ففي مجتمعاتنا العربية ونظرا لطبيعتها الذكورية والعادات والتقاليد السائدة، فانه نادرا ما يتم الحديث عنها لأنها تعطي الحق للرجل أن يفعل بأهل بيته ما يشاء بحجة التأديب. صحيح إن للرجل سلطة على أهل بيته حسب النظام الأبوي، لكن إذا تعسف في استعمال سلطته هذه باستعمال العنف الزائد الذي قد يؤدي الى المعاناة والألم.