استغفر الله.. او ثورة في الجحيم!
3-تموز-2024

عامر بدر حسون
للشاعر جميل صدقي الزهاوي (1863 – 1936) قصيدة غريبة على الشعر العربي في جرأتها و فكرتها.
ويكفي القول ان عنوانها هو: "ثورة في الجحيم"!
والزهاوي رجل متعدد الاهتمامات، وهو الّف كتبا عن لعبة الداما وعن الخيول وعن الجاذبية التي اجتهد فيها، فقال ان الجاذبية ليست في الارض وانما في الاشياء وهي التي تجذبها للاسفل!
وهو اشتهر بدفاعه عن المرأة وضرورة عملها وتواجدها بجانب الرجل، وله قصائد كان يحمل على اعناق الجماهير بسببها، وقصائد تجعله طريد هذه الجماهير التي كانت ترابط على باب بيته لتقتله حين يخرج!
وهو عندما كان في الخامسة من عمره طلب منه والده ان يلبس شيئا لان الجو بارد جدا فقال لابيه:
- اني لا بس الغرفة! وكان والده يمنحه مكافأة كلما تحدث بشيء غريب او بليغ، وايضا كلما حفظ بيتا من الشعر. وهي طريقة لو استخدمتها لساعدت اطفالك في تنمية مواهبهم بدلا من تقريعهم وحثهم على ان يكونوا نسخة منك! وهو يعتقد ان المجتمع ان لم تكن فيه الاولوية للعلم ولتحرير النساء فلن تتاح له فرصة خلق الحياة الافضل. وهو دافع بشراسة عن السفور ضد الحجاب.
(والسفور المقصود الذي وقف المجتمع ضده بنخبه ورجال دينه يومذاك، لم يكن الا ما نسميه اليوم الحجاب الاسلامي الشرعي)! وتلك قصة اخرى قد نعود لها في منشور مستقل.
وثورة في الجحيم تنتقد ضمنا النظرة السلفية للدين، وهي التي كانت شائعة في زمنه، وهي تعرض شكوك الزهاوي وتردده بين الالحاد والايمان.. وساختصر لك ماجاء في القصيدة التي زادت ابياتها على الاربعمئة بيت: فهي تبدا من زيارة منكر ونكير له في القبر، وتوجيه الاسئلة له فيربكهما بارائه في الدين والعلم والسفور والخ.. فيصدران قرار القائه في الجحيم! لكنهما ولزيادة حرقة قلبه ياخذانه للجنة كي يرى ما خسره بعدم امتثاله لما هو سائد. فيرى ان اغلب سكانها من البلهاء (وهو هنا يكرر ما قيل انه حديث نبوي عن ان اغلب سكان الجنة من البله)! وعندما يلقى في جهنم يرى انها مليئة بعباقرة البشرية عبر التاريخ، من سقراط وارسطو الى شكسبير وداروين وكوبرنيكوس وحتى قيس وليلى وغيرهم وهم يتقلّبون في النار! وهو يشهد اجتماعا سياسيا وعلميا لهؤلاء العباقرة يخطب فيه ارسطو ويقترح ان يصبروا الى ان يجف النفط في جهنم فتنطفيء النار لوحدها. لكن العباقرة الشباب يقررون اطفاء نار جهنم بالعلم!
ويخترع احدهم اداة حديثة تقوم باطفاء النار ويقومون باطفائها فعلا!
وتبدا ثورتهم. وتهجم عليهم الملائكة والشياطين وبضمنهم عزرائيل، الذي قبض ارواحهم سابقا، وتدور معركة طاحنة (اين منها ومن اجوائها السينما؟) لكن العلماءوالفنانين ينتصرون في المعركة. بل ويصعد العلماء والعباقرة على اجنحة الملائكة والشياطين ويدفعونها لاخذهم الى الجنة فيحتلونها ويطردون البلهاء منها!
والقصيدة كانت بالفعل ثورة عارمة على انماط التفكير السائدة في زمن الزهاوي سواء ما يتعلق منها بالسياسة او المراة او الدين بصيغته المحنطة التي اساءت لله وللدين معا.
وهو يناصر فيها العلم الحديث ضد السفسطة والاوهام.. وله في هذه المناصرة اكثر من سابقة:
فهو عندما كان عضوا في البرلمان العثماني جرى نقاش عن التخصيصات المالية التي يجب رصدها لشراء او طباعة كتاب "صحيح البخاري" لتوزيعه على ضباط وجنود الاساطيل العثمانية، فوقف في البرلمان وقال: - الاساطيل تحتاج لقوة البخار لتمشي وليس الى صحيح البخاري!
فضج البرلمان بالضحك وبالغضب عليه في الوقت نفسه.
وعاش الزهاوي بعد القصيدة مطاردا من الرعاع، وصدرت بحقه اكثر من فتوى تبيح قتله!
وبعد ان هدأت الامور التقى صدفة بالملك فيصل الاول، مؤسس الدولة العراقية الحديثة، وعاتبه الملك على قصيدته تلك. لكن الزهاوي أضحك الملك عندما قال له:
- وماذا نفعل يا مولاي وانتم لا تسمحون لنا باشعال الثورة في الارض؟!
وانت الان، مثل ثقافتنا السائدة وما فيها من قيم متخلفة ومسيئة حتى للدين، تقرأ وتستغفر ربك بين سطر وسطر!
و.. ها انا استغفر الله معك!

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech