اقتصاد الحرب الناشئ في ألمانيا
12-تشرين الأول-2022
داليا مارين*
في 27 فبراير/شباط، أي بعد ثلاثة أيام من غزو روسيا لأوكرانيا، وقف المستشار الألماني، أولاف شولتز، أمام جلسة خاصة للبوندستاغ، وأعلن قائلا أن الغزو "نقطة تحول" في التاريخ الألماني. وتعهد في خطابه أيضًا بزيادة الإنفاق الدفاعي بمقدار 100 مليار يورو (98.5 مليار دولار)، مما أنهى نفور ألمانيا الطويل الأمد من إعادة التسلح.
وفي خطاب دام ساعة في جامعة "تشارلز" في براغ، في أغسطس/آب، قدم "شولتز" المزيد من الإيضاحات بشأن "نقطة التحول"، وحدد رؤيته لـ"عسكرة" أوروبا بقيادة ألمانيا، ودعا إلى اتحاد أوروبي أقوى ويتمتع بقدر أكبر من "السيادة" ومن الفاعلية في الدفاع عن نفسه، وفي منافسة نفوذ القوى الأجنبية. ولعقود من الزمان، كانت ألمانيا تنفق القليل على جيشها. وما أثار استياء الولايات المتحدة وشركاء الناتو الآخرين، هو أنها فضلت الاعتماد على الولايات المتحدة في توفير الحماية لها. ولكن في أعقاب العدوان الروسي، يبدو واضحا أن ألمانيا لا يمكنها الاستمرار في التقصير في تحقيق هدف "الناتو" المتمثل في تخصيص 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري. ويجب أن يلتزم صانعو السياسات بتعزيز القوات المسلحة في البلاد.
ولكن ما الذي يمكن أن يعنيه التزام ألمانيا الجديد بالإنفاق على الدفاع الوطني من الناحية العملية؟ إذا كان لها أن تضطلع بدور رائد في إعادة تسليح أوروبا، فسيكون من الضروري أن تحول اقتصادها لمواجهة تحديات العصر الجيوسياسي الذي تشكل فيه الحرب تهديدًا دائمًا. ويمكن للحكومة الألمانية أن تتخذ عدة الخطوات اللازمة للتكيف مع هذا الواقع الجديد.
أولا، يجب أن تنشئ ألمانيا وأوروبا وكالة بحث وتطوير عسكرية على مستوى الاتحاد الأوروبي على غرار وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتطورة الأمريكية (DARPA)، التي تفتخر بسجل طويل حافل من الترويج للابتكارات عالية التقنية. ويجب أن تأخذ ألمانيا زمام المبادرة في إنشاء النسخة الأوروبية من "DARPA"، التي ستكون ضرورية لمواكبة المنافسة التكنولوجية من جانب الولايات المتحدة والصين. وخلال السنوات الثلاث الماضية، اتخذت ألمانيا بالفعل خطوات صغيرة في هذا الاتجاه. ففي عام 2019، أنشأت الحكومة وكالة جديدة مكلفة بتمويل الابتكار الخارق. ولكن الوكالة الجديدة صغيرة للغاية؛ وعلى عكس "DARPA"، فهي ليست مرتبطة بالجيش. ومن ثم، فإن قدرتها على إجراء اكتشافات رائدة محدودة أكثر مقارنة مع أي وكالة على مستوى الاتحاد الأوروبي، التي لديها إمكانية الوصول إلى مجموعة أكبر بكثير من المبتكرين.
ويعتبر إنشاء مؤسسة بحثية عسكرية ضرورة في زمن الحرب. وفي بلدان مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، يعد قطاع الدفاع محركًا رئيسيًا للابتكار، كما أن الأبحاث الممولة عسكريًا في كلا البلدين هي التي أدت إلى ظهور الابتكارات التكنولوجية مثل GPS النظام العالمي لتحديد المواقع، وتطبيق Siri سيري، وشاشة اللمس. ولكن الحرب تتطلب نوعا مختلفا من الابتكار، وينبغي أن تكون أوروبا قادرة على تطوير معداتها العسكرية المتطورة الخاصة بها.
ويجب أن تضطلع ألمانيا بدور ريادي أيضا في تأمين الإمداد بالمدخلات الحيوية مثل أشباه الموصلات والبطاريات الخضراء، التي تعد ضرورية للأمن الأوروبي. فإذ تُركت السوق لحالها، لن تجعل سلاسل التوريد العالمية أكثر مرونة، لذلك يجب أن تنوع الحكومات الأمريكية والأوروبية مورديها للانصراف عن آسيا من خلال ضمان توفير موردين بديلين في القارتين. وبهذه الطريقة، إذا تعطلت الإمدادات من شركة تايوان لصناعة أشباه المواصلات، فلن يتوقف إنتاج السيارات أو الآلات في جميع أنحاء العالم، كما حدث أثناء جائحة كوفيد-19.
ولكن في زمن الحرب، لا يكفي مجرد تعزيز سلاسل التوريد العالمية. فعلى سبيل المثال، إذا غزت الصين تايوان غدًا، فكيف ستلبي ألمانيا وأوروبا الطلب على البطاريات والرقائق؟ إن الصين تنتج حاليًا 80 في المائة من بطاريات العالم وتتحكم في معالجة المعادن والمعادن الرئيسية- بما في ذلك 80 في المائة من العناصر الأرضية النادرة، وما يقرب من 60 في المائة من الليثيوم والكوبالت- بينما تهيمن تايوان (إلى جانب كوريا الجنوبية) على إنتاج أشباه الموصلات. ولكي تحمي أوروبا نفسها من صدمات سلسلة التوريد في المستقبل، يجب أن تجعل السلاسل متسقة مع هدف تحقيق قدر أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية.
وفضلا عن ذلك، فإن تحقيق الحكم الذاتي الاستراتيجي من شأنه أن يساعد أوروبا على تجنب الفخ الذي وقعت فيه روسيا عندما غزت أوكرانيا. فلسنوات، أهملت روسيا بناء الأسس التكنولوجية والاقتصادية لجيشها، وبدلاً من ذلك اعتمدت إلى حد كبير على الواردات من شركة Rheinmetall "راينميتال" الألمانية. وأدت العقوبات المتعددة الأطراف التي فُرضت على روسيا في الأشهر السبعة الماضية إلى استنفاد ترسانتها بسرعة، وأفقدتها القدرة على إعادة بناء قدراتها.
يجب أن يكون الضعف التكنولوجي لروسيا بمثابة تحذير لألمانيا وبقية أوروبا. ففي اقتصاد زمن الحرب، ينبغي أن تعزز الحكومات الأوروبية البحث والتطوير العسكريين الممولين من القطاع العام، وأن تشجع الشراكات بين القطاعين العام والخاص والشركات الناشئة في مجال الدفاع، وتأمين الإمداد المستمر بالمواد الخام. ويعد قانون رقائق الاتحاد الأوروبي الذي يضع هدفًا طموحًا يتمثل في إنتاج 20 في المائة من رقائق العالم في أوروبا بحلول عام 2030، وتحالف البطاريات الأوروبي، خطوتين في الاتجاه الصحيح. ولكن ما زال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لمواجهة تحديات هذه الأوقات العصيبة.
* داليا مارين، أستاذة الاقتصاد الدولي في كلية الإدارة بجامعة ميونيخ التقنية، وزميلة باحثة في مركز أبحاث السياسة الاقتصادية.