اقتصاديون: موازنة 2023 «انفجارية» والوفرة المالية نحو سداد 70 مليار دولار من الديون
16-كانون الثاني-2023
بغداد ـ العالم
يقدم العديد من خبراء الاقتصاد توصيفات مختلفة لموازنة العام الجاري، الذي ينتظر البرلمان إرسالها من قبل الحكومة، مؤكدين أنها ستحمل مشاريع خدمية واستثمارية، تقوض نسب البطالة والفقر، بينما يذهب الجزء الأهم من الوفرة المالية المحتملة إلى سداد الديون الداخلية والخارجية، التي تقدر إجمالا بنحو 70 مليار دولار.
والى جانب ذلك، يتبجح البنك المركزي العراقي بتجاوز الاحتياطي النقدي من العملة الاجنبية حاجز الـ90 مليون دولار، ارتباطا بانتعاش أسعار النفط عالميا، ولا شيء آخر، انما تبقى إدارته عاجزة عن إيجاد مخرج مناسب لتذبذب أسعار صرف الدولار، الذي وصل مديات غير مسبوقة خلال السنوات الاخيرة. وبالتأكيد هناك متضرر وحيد من هذه الحالة الا وهو المواطنين من ذوي الدخل المحدود، لكن المستفيدين من مضاربات الدولار الامريكي كثر.
وينتظر العراقيون إقرار مشروع قانون موازنة 2023 بصبر نافد، من قبل الحكومة ومجلس النواب، بعد فشلهما في تمرير موازنة العام 2022، على خلفية ما سمي بـ"الانسداد السياسي" التي رافقت عملية تشكيل الحكومة الجديدة، في حين اكتفت حكومة تصريف الأعمال السابقة الاعتماد على "قانون الأمن الغذائي"، الذي اعتبر البديل "المؤقت" لميزانية الدولة، وشابه الكثير من شبهات الفساد.
وأدت الأزمات الاقتصادية، خلال السنوات القليلة الماضية، الى تفاقم البطالة، حيث شهد العام 2020 في العراق ارتفاع معدل الفقر بنحو 40% من السكان البالغ عددهم تقديريًا 41 مليونًا، وهو نفس العام الذي شهد عدم إقرار الموازنة المالية للبلاد.
وقال د. مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، يوم أمس، أن الاحتياطيات الأجنبية في العراق عالية جداً، بينما قال مسؤول في البنك المركزي انها تجاوزت 90 مليار دولار.
الدين الداخلي
وبيّن صالح، أن "الدين العام الداخلي للبلاد يقدر حاليا بنحو 50 مليار دولار، والذي تعود حيازته بالكامل إلى الجهاز المصرفي الحكومي (أي دين داخل الجهاز الحكومي وليس خارجه)".
وأضاف، أن "63% من الدين العام الداخلي هو بحوزة البنك المركزي العراقي ويمثل موجودات محلية في هيكل الميزانية العمومية للبنك المركزي"، لافتا إلى أن "المتبقي من الدين الداخلي هو بحيازة المصارف الحكومية الثلاث الرئيسة بفائدة سنوية بين 2-3%".
الدين الخارجي
وأشار الى ان "الدين الخارجي الفعال الواجب السداد خلال العام 2023 لا يتجاوز 20 مليار دولار، ما يعني ان أجمالي الدين العام يقدر بنحو 70 مليار دولار حاليا"، من دون الافصاح عن الجهات المدين العراق لها.
وقال، ان هذا "الدين الخارجي لا يشكل سوى نسبة من 30% الى 35% من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد، وهي نسبة آمنة جدا مقارنة بالنسبة المعيارية او القياسية الدولية البالغة 60%".
آلية تسديد الديون
وأفصح المستشار الاقتصادي، عن آلية تسديد الديون قائلا: إن "كفاءة الاحتياطيات الأجنبية للبلاد عالية جدا وتغطي التزامات الدين الخارجي بـ 5 مرات، وهي نسبة معيارية عالية ومطمئنة، وتعكس متانة الوضع المالي للعراق".
وأوضح أن "آلية تسديد الديون الداخلية والخارجية تتم من خلال التخصيصات السنوية المعتمدة في الموازنة العامة الاتحادية"، منوها الى ان "السياسة المالية في العراق تتجه الى اعتماد مبدأ الانضباط المالي الذي يقوم على خفض اجمالي الدين العام المتراكم بالتدريج، يقابله تضييق العجز السنوي في الموازنة العامة الاتحادية، وجعل الدين المستحدث عند الضرورة ضمن النسب المعيارية بما لا يتعدى الدين العام المستحدث 3% سنويا".
90 مليار دولار
من جهته، أكد البنك المركزي العراقي تخطي الاحتياطي النقدي حاجز الـ90 مليار دولار أميركي، للمرة الاولى في تاريخه.
ونوه مستشار البنك إحسان الياسري بأنّ "هذا الرقم كبير جداً ويؤشر حائط صد لتعافي الاقتصاد، وإسناداً كبيراً لقيمة العملة العراقية".
وأضاف أن "الحكومة ووزارة المالية تمتلك فرصة لإسناد الفئات الهشة والفقيرة والمتقاعدين من ذوي الرواتب الضعيفة والمشمولين بالحماية الاجتماعية والمتقاعدين من خلال هذه الأموال بتخصيص جزء منها ضمن موازنة عام 2023"، التي يجري الاعداد حاليا للانتهاء منها وتقديمها الى مجلس الوزراء لرفعها الى البرلمان لمناقشتها والتصديق عليها.
ولفت إلى أن "البنك المركزي تحول من سياسته التقليدية والتي تتمثل بمتابعة الاستقرار وإصدار النقد وغيره الى مؤسسة تنمية كبيرة إذ أطلق صندوقا تنمويا تجاوزت أمواله 18 تريليون دينار (حوالي 13 مليار دولار)".
وبين ان "هذا الصندوق أسهم في سد فجوة التمويل الحكومي نتيجة التحديات الأمنية والاقتصادية وانخفاضات أسعار النفط المتوالية منذ عام 2014 وحتى الآن".
وتوقع مستشار البنك المركزي أن يتم طرح عملة عراقية من فئة 20 ألف دينار نهاية العام الحالي 2023، لافتاً إلى أنها "سيكون لها دور في إعادة رسم هيكل الأوراق النقدية".
مشاريع خدمية
ويقول عضو في اللجنة المالية النيابية، إن موازنة 2023 ستركز على زيادة المشاريع الخدمية في عموم المحافظات، بنسبة 80% مقارنة بالأعوام السابقة.
ويضيف النائب جمال كوجر، أنّ "مشروع قانون الموازنة لا يزال موجودا في وزارة المالية، ومن ثم يرسل إلى مجلس الوزراء قبيل تحويله لمجلس النواب"، متوقعًا في ذات الوقت أن يصل "المشروع إلى إدراج البرلمان خلال الأسابيع الـ 3 المقبلة".
ويتوقع عضو اللجنة المالية النيابية، أن "تركز الموازنة على زيادة المشاريع الخدمية في عموم المحافظات بنسبة 80% مقارنة بالأعوام السابقة"، محذرًا من "رسم الموازنة وفقًا لمشروع البنود، وهو ما كان دارجا في العراق على مدار السنوات الماضية وصولًا إلى العام 2021 التي اختلفت وكانت موازنة برامجية"، حسب كوجر.
ويعبر كوجر عن تخوفه من استغلال تخصيصات المشاريع الاستثمارية وتحولها في نصف العام إلى الموازنة التشغيلية لسد العجز المالي كما في الأعوام السابقة، مؤكدًا "أهمية الشروع في مشاريع خدمية جديدة".
ويعتمد الاقتصاد في العراق، بشكل كلي على القطاع النفطي حيث يكون 95% من إجمالي دخل البلاد من الدولار، مما يجعل الاقتصاد متأرجحًا كونه يرتبط ارتباطًا مباشرًا بأسعار النفط العالمي، وأي انخفاض في الأسعار العالمية يدخل البلاد بأزمة مالية كما حدث في الأعوام السابقة.
موازنة انفجارية
وبحسب تصريحات صدرت عن المالية النيابية، فإنّ الموازنة المالية ستكون "انفجارية"، وهذا ما يقدره الخبير الاقتصادي أحمد صدام، قائلًا إنّ "الموازنة ستكون قيمتها بحدود 120 – 150 مليار دولار تقريبًا".
ويضيف الخبير الاقتصادي أنّ "الموازنة المالية للعام المقبل ستشهد زيادة في التخصيصات الاستثمارية"، متوقعًا أن "تعتمد الموازنة على الجانب الاستثماري وتهتم بتحريك المشاريع المتوقفة وزيادة في عدد المشاريع الجديدة بهدف توفير فرص عمل وتخفيف من البطالة نسبيًا".
من جانبه، يقول عبدالرحمن الشيخلي، الخبير الاقتصادي، إنّ "الأوساط الاقتصادية في انتظار إرسال مشروع القانون إلى مجلس الوزراء من قبل وزارة المالية للوقوف على أبرز نقاط القوى والضعف فيها".
ويستطرد الشيخلي قائلًا إن "أبرز ما يميز الموازنة هو الوفرة المالية التي قد تغطي كامل ما سيخصص بعد جدولة الديون، التي لا يمكن تسديدها بالكامل بالوقت الحاضر".
أما نقاط الضعف، بحسب الخبير الاقتصادي، فيمكن حصرها في التهاون في إصدار بعض القوانين المعلقة لنشاط القطاع الخاص والجاذبة للعمالة المحلية وامتصاص البطالة والاكتفاء الذاتي عن العديد مما نستورده بالوقت الحاضر.
ووفقًا للشيخلي، يمكن دعم القطاع الاستثماري من خلال استكمال بعض المشاريع غير المنجزة وخاصة ذات النفع العام والعاملة على استقطاب أكبر عدد من العاطلين، وحتى من الممكن إدخال مشاريع جديدة أخرى غير الكاملة حاليًا.