عارف قورباني
بعد اجتماع للمستشار الألماني عقده الأسبوع الماضي مع رؤساء الأقاليم، صادق المجتمعون على مشروع قرار يخص اللاجئين مؤلف من سبع نقاط. إحدى نقاط مشروع القرار هي إجبار طالبي اللجوء الذين صدرت بحقهم قرارات ترحيل أو الذين أغلقت ملفاتهم، على العودة إلى بلادهم.
إحصائيات وبيانات المؤسسات المعنية بشؤون المهاجرين في ألمانيا تشير إلى أن 72 ألف عراقي من الكورد والعرب، وقسم منهم كورد إيزديون، قد أغلقت ملفاتهم وسيكونون مشمولين بقرار الترحيل الذي تنوي ألمانيا إصداره وبالتالي ستعيدهم قسراً إلى العراق. في حين أنه عند مقارنة المجتمع العراقي في ألمانيا بلاجئي بعض الدول، ستجدهم أناساً يتجنبون المشاكل، وليسوا مكروهين من جانب المجتمع الألماني.
لكن كونهم في المرتبة الأولى بين الذي ستتم إعادهم إجبارياً له علاقة بالحكومة العراقية. فالقوانين الدولية والدستور والقوانين الألمانية لا تسمح بإعادة طالب اللجوء رغماً عنه إلى بلده ما لم يقبل بلده بذلك. كان العراق في السابق يرفض استقبال طالبي اللجوء العراقيين، لذلك فإن هناك أناساً رفضت طلبات حصولهم على حق اللجوء منذ سنوات، لكنهم باقون في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية لأن العراق لم يكن يوافق على إعادتهم رغماً عنهم، حتى أنهم تمكنوا من خلال العمل وبعض الإجراءات القانونية الأخرى من الحصول على جنسيات الدول التي يقيمون فيها.
أما الآن، وكما تداولته وسائل إعلام وسربه بعض النواب العراقيين للإعلام، فإن رئيس الوزراء العراقي في زيارته الأخيرة لألمانيا، قبل بضعة أشهر، وافق على إعادة طالبي اللجوء العراقيين إجبارياً إلى العراق، وذلك بعد ضغوط ألمانية والتلويح بعدم منح الوفود العراقية تأشيرات سفر إلى ألمانيا في حال عدم استقبال العراق لطالبي اللجوء المرحلين. يبدو أن أصحاب السلطة في العراق، ومن أجل حصولهم على تأشيرات لهم ولعوائلهم وأقاربهم، لا يبالون بتعريض حياة آلاف العوائل للخطر. بناء على ذلك، وبدون مراعاة كون حقوق طالبي اللجوء هؤلاء تنتهك، تداهم الحكومة الألمانية بواسطة الشرطة البيوت والمخيمات، وتم حتى الآن احتجاز العديد من المواطنين العراقيين بهذه الطريقة والإعداد لترحيلهم.
لن أتطرق في هذا المقال إلى ما تخلفه طريقة التعامل هذه مع طالبي اللجوء من تداعيات وآثار سيئة بعيدة المدى على ألمانيا. لكني أريد الإشارة إلى أضرار هذا القرار والإجراء اللاإنساني واللاديمقراطي على هؤلاء المواطنين الذين ستتم إعادتهم بالإكراه إلى العراق. هذا العدد الكبير من المواطنين العراقيين المشمولين بالقرار، إن لم تكن حياتهم جميعاً مهددة، فلا شك أن قسماً منهم اضطر للرحيل عن وطنه بسبب مشاكل سياسية وأمنية واجتماعية، وعند إعادتهم إلى العراق سيواجهون نفس المشاكل التي هربوا منها، وليس مستبعداً تعرض العديد منهم للقتل والسجن.
حتى الذين انتهت مشاكلهم تلك وزالت الأخطار التي كانت تتربص بهم، فإنهم سيعانون أوضاعاً معيشية قاسية. فقسم منهم عندما رحل عن العراق، باع كل ما يملك في العراق ودفع أمواله لمهربين كي يبلغوهم أوروبا بأسلم الطرق، وفي أوروبا عندما فشلوا في الحصول على حق اللجوء عاشوا على مساعدات الرعاية الاجتماعية الضئيلة التي لا تكفي إلا لحياة بسيطة، وليس في أيديهم أي رأسمال يعينهم عند عوتهم على بدء حياة جديدة. كما أنه عند احتجازهم وإرسالهم إلى المخيمات (مراكز الترحيل) تجري مصادرة كل مقتنياتهم وسياراتهم وحتى ثيابهم. المحتجزون حالياً الذين تم إرسالهم إلى مراكز الترحيل، لم يسمح لهم بالعودة إلى منازلهم حتى لحمل ما يحتاجونه من ثياب معهم. ولأن قرار الترحيل هو قرار ترحيل إجباري، فإنهم ليسوا مشمولين بالإجراءات التي كان يجري من خلالها التعامل مع الأشخاص الذين كانوا يختارون في السابق العودة إلى بلادهم. لهذا كله، على كل العوائل التي ستعود بموجب هذا القرار أن تبدأ حياتها من الصفر.
وبينما ترتفع نسبة البطالة في العراق يوماً بعد يوم، وباتت نسبة الفقر في بعض مدن وبلدات العراق تقترب من نصف عدد سكانها، فليس أمام الذين تتم إعادتهم فرص للتعيين أو للعمل، وأولادهم الذين درسوا باللغة الألمانية وبينهم من تخطى المرحلة الابتدائية فإنهم بعودتهم سيحرمون من فرص التعليم أو يتحتم أن يعودوا مراحل إلى الوراء ليتعرفوا على نظام ولغة التعليم في العراق، أو تضطر عوائلهم لتحمل نفقات كبيرة عن إلحاقهم بمدارس خاصة باللغة الألمانية والتي لا توجد في كل المدن. يضاف إلى ذلك تدمير ذكريات هؤلاء الأطفال وانقطاعهم عن أصدقائهم وزملاء الدراسة ومعلميهم وحتى أطبائهم. يجب بالدرجة الأولى على وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في العراق، وكل من له قريب مشمول بحملة الترحيل هذه، أن يسلكوا سبيلاً من العراق يحول دون العمل بهذا القرار الألماني. وأرى أن أفضل خيار هو أن يقصدوا الصدر والسيستاني لهذا الغرض، وأن يطلبوا من السيستاني إصدار فتوى تلزم العراق بمنع أي ترحيل لمواطنيها بدون رغبتهم، ويطلبوا من الصدر أن يضغط من خلال مسيرات جماهيرية على الحكومة كي تتراجع عن القرار الذي اتخذته بقبول ترحيل مواطني العراق من ألمانيا، فهذا الأمر لن يتوقف عند ألمانيا وحدها بل ستحذو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى حذوها.
لا يصح من أجل تأشيرات المسؤولين وأصحاب السلطة في العراق، الذين تشرد هؤلاء المواطنون في بلاد أخرى نتيجة ظلمهم وفسادهم وجرائمهم، أن يواجه هؤلاء المواطنون نفس المعاناة التي هربوا منها وتتعرض حياتهم ومستقبلهم لتهديدات متنوعة، فقط ليحصل أصحاب السلطة وعوائلهم وأتباعهم على تسهيلات الحصول على تأشيرات سفر.
إن أطلع مقتدى الصدر والسيستاني على هذا بوضوح، أعتقد أنهما سيجبران السلطات في العراق على التراجع عن قرار السماح بإعادة العراقيين قسراً إلى العراق، وهذا سيؤثر بصورة مباشرة على قرار الحكومة الألمانية ويجبرها على الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية والتوقف على الترحيل الإجباري لطالبي اللجوء العراقيين.