الأهوار ليست أغنية لنسيم عودة
7-تشرين الأول-2023
محمد الكاظم
العراقيون يحملون صورة مظللة عن أهوار الجنوب، فأكثرهم يحملون عن الأهوار تلك الصورة السياحية التي تظهر في خلفية أغنية قديمة لنسيم عودة حيث تمتلئ الشاشة خلفه بالمياه والزوارق والطيور والمناظر الجميلة المناسبة لأغنية ريفية مليئة بالإيقاع والشجن. أما البعض الآخر من العراقيين فقد تكونت صورة الأهوار في أذهانهم من الصور التي يلتقطها السياح وهم يمخرون بسعادة مياه الهور الشحيحة في زورق يستأجرونه لساعات ثم يعودون إلى مدنهم حاملين أجمل الذكريات دون ان يفكر أحد بالالتفات خارج اطار الصورة السياحية التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، او خارج اطار الشاشة التي يتغنى مطربها (يا هلا بحلو المعاني).
قمت مؤخراً بجولة صحفية في أهوار الجنوب وتمكنت من تدوين بعض الملاحظات التي أراها مهمة. تحاول هذه الملاحظات ان تدق ناقوس الخطر أمام البيروقراطية الرسمية التي تقترب من مرحلة الخدر أمام ما نواجهه من تحديات قد تصبح في لحظة من لحظات الزمن تحديات وجودية، أي قضية حياة أو موت تدفع البلاد بأكملها ثمنها من استقرارها الاجتماعي والأمني والاقتصادي.
أولاً هذه بعض الأرقام المرعبة التي استقيتها من خبراء ومختصين في ملف المياه الأهوار، فعلى سبيل المثال أصاب الجفاف حوالي 92% من الأهوار الوسطى، ونفق حوالي ثلث أعداد الجاموس بسبب الجفاف، كما تسببت شحة المياه بفقدان 95% من صيادي الأسماك لمهنتهم. وطال التصحر حوالي 75% من الأراضي الصالحة للزراعة.
كما ان نوعية المياه قد تردت بدرجة كبيرة لدرجة أنها أصبحت سامة في بعض المناطق لأنها ملوثة بالمبيدات والكيمياويات ومياه الصرف الصحي إضافة الى الملوحة الشديدة التي أدت الى إتلاف مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية
نستطيع تقدير حجم الكارثة المقبلة اذا وضعنا في حساباتنا ان سكان الأهوار يعتمدون في حياتهم على مهنتين رئيسيتين هما صيد السمك وتربية الجاموس، وبدرجة اقل على الزراعة وإنتاج بعض المصنوعات من القصب، وكل هذه المهن تعتمد اعتماداً كلياً على الماء، بمعنى ان شحة الماء تعني نهاية نظام اقتصادي يقوم عليه نظام اجتماعي كامل تتحرك في ظلاله ثقافة وعادات وتقاليد خاصة بذلك المجتمع.
هذه الظروف السيئة وغيرها أدت إلى موجات واسعة من هجرة السكان من مناطق الجنوب، وهذه الهجرة لا تستهدف الأرياف القريبة او المدن الصغيرة فهي ليست احسن حالاً من الأهوار بل تستهدف المدن الكبيرة، فعلى سبيل المثال تقول دائرة في محافظة ذي قار إنها سجلت هذا العام نزوح اكثر من 10 آلاف عائلة بسبب الجفاف.
لمست الكثير من القلق والخوف من المستقبل في احاديثي مع سكان الأهوار المحليين الذين تعتمد حياتهم كلياً على ما يجود به الهور، وبعضهم كشف عن مخاوفه من أن يكونوا الجيل الأخير الذي يمارس مهنة تربية الجاموس او صيد السمك في الأهوار، وكانت الكلمة الأكثر استخداماً في كل الحوارات هي: الماء
لذا يجب التفكير بجدية في مستقبل مجتمع الأهوار ومساعدة السكان المحليين على تطوير قدرتهم على التكيف والصمود وتشجيعهم على التفكير بمفردات اقتصاد محلي لا يعتمد على وفرة المياه، فيبدو إن شحة المياه أصبحت قدراً وليست مجرد أزمة عابرة في ظل سياسات دول الجوار التي تفكر وتعمل على استثمار كل قطرة من المياه، بمقابل خَدَرنا وعدم اهتمامنا بهذا الملف الحساس، فالأهوار مجتمع كامل ونظام اقتصادي وثقافة وليست مجرد أغنية لنسيم عودة