الإدارة بدون إدارة توجه جديد
19-أيلول-2022
أ.د.حمزة محمود شمخي*
زادني الفضول العلمي وانا اتصفح فقرات الكتاب المميز (الادارة بدون ادارة: فلسفة البساطة ومرحلة ما بعد الادارة) Managing Without Management: A Post Management Manifesto For Business Simplicity) للمبدعين Richard Kock و Ian Godden المنشور عام 1999، وسبب فضولي العلمي هو ان مضمون الكتاب يجسد شكل الادارة الجديدة في منظمات الاعمال وما سوف يحصل عند الابتعاد عمليا عن فكرها العام المعروف الذي تخصصنا فيه واكدنا ان الادارة بمنهجها المتعارف عليه وتطورها ونظرياتها كان سببا مباشرا في رقي وتطور منظمات الاعمال واقتصادات الدول وبدونها لم تصل الدول المتقدمة الى ما وصلت اليه من تطور وابداع ورقي وفق تطبيق المفهوم العام للإدارة الذي يعني (فن تحقيق النتائج بواسطة الآخرين، أي إن وظيفة الإدارة هي الإشراف وليس الفعل، التنظيم وليس الأداء، التخطيط وليس التنفيذ، وموقع الإدارة هو التوسط بين الموردين والعملاء، وتوجد الإدارة بناء على فرض وهو أن العاملين لن يحققوا نتائج إلا اذا أديروا).
الإدارة بدون ادارة، ابداع جديد يرسم ممارسة ادارية تختلف عن مضمونها السائد، رغم ان المعنى لا يلغي الادارة كممارسة وانما تقليص المستويات الادارية بطريقة (فريدة اساسها العودة إلى الأساسيات التي تتجنب التعقيد، وتسعى نحو البساطة ووضوح الرؤية).
المعروف اداريا ان هيكل أي منظمة اعمال يقسم إلى ثلاثة أقسام هي: الإدارة والإنتاج والتسويق، فإذا نظرنا إلى قطاع الإنتاج فسنجد أنه كلما زادت قدرات المنظمة الإنتاجية زادت مصادر قوتها، فأي شيء يصرف في هذا القطاع هو استثمار، وقطاع التسويق يأتي بما يصرف عليه وزيادة، في حين أن قطاع الإدارة يصرف مبالغ طائلة ووقتًا وجهدًا وعدد موظفين كبيرا بلا عائد) ولهذا تقليصه اصبح واجب وقرار.
منهج (الادارة بدون ادارة) ضمن هذا التحديد المثير للاهتمام هو تقليل حجم الإنفاق على قطاع الإدارة والاستفادة منه بأدنى تكلفة من خلال استئصال النوع الهدام من الأنشطة الإدارية والإبقاء على النشاط الإيجابي فقط).
يؤكد Kock& Godden ان التضخم الذي حصل في منظمات الاعمال الكبيرة سببت (تضخم الجهاز الإداري ومركزيته وتعقيده. فقد طالت خطوط الإمداد بين الإدارة وموظفي الصفوف الأمامية الذين يتعاملون مع العملاء مباشرة ويخوضون الحرب الحاسمة لإنتاج القيمة الحقيقية. لذا فقد بدأ الانتصار الذي حققته هذه المنظمات بالأمس يتراجع اليوم وينحسر. فالمؤشرات الاقتصادية تؤكد تراجع نصيب منظمات الاعمال الكبرى من السوق أمام المنظمات الصغيرة).
ولضمان تأكيد هذه النظرية الجديدة في الادارة عرض الكاتبان ست قوى يعتقد انها تهدد الإدارة الحالية ، وتجعل من (الادارة بدون ادارة) أمرا ممكنا في التطبيق والممارسة، هذه القوى هي: قوة العملاء، قوة المعلومات، قوة المستثمرين، قوة السوق العالمية، قوة البساطة، وقوة القيادة.
وفيما يأتي عرض لهذه القوى:
¤قوة العملاء: الاهتمام بالعملاء تمثل ثقافة جديدة، رغم وجود تعارض بين قوة العملاء وقوة المديرين ينبع من التكاليف العالية التي تفرضها طبيعة الوسطاء المديرين على خدمة العميل ،ولهذا حتم التخلص من الادارة الوظيفية والتخلص من الانشطة الداخلية التي لا تضيف قيمة ولا تستجيب بسرعة لرغبات العملاء.
¤قوة المعلومات: هي قوة فاعلة، حيث بدأت تكنولوجيا المعلومات تحل محل العنصر البشري القائم بدور الوسيط بين العميل ومقدمي المنتج او الخدمة دون المديرين.
¤قوة المستثمرين: هذه القوة تؤكد على اهمية وشرعية حملة الأسهم وعدم شرعية الحفاظ على المديرين الذين لايؤدون المطلوب منهم.
¤قوة السوق العالمية: وهي قوة تحرير السوق العالمية.
¤قوة البساطة: تهدف قوة البساطة التخلص من التعقيد الذي يجعل الإدارة اكثر تكلفة واقل سرعة.
¤قوة القيادة: وهي القوة الاخيرة التي تهدد الادارة وذلك بسبب قوة القادة وقدرتهم في ادارة المنظمات دون الحاجة الى مستويات إدارية كبيرة فقد كانت الادارة العليا تعتمد على الادارة الوسطى في مدها بالمعلومات ولكن القادة الجدد يرون هذا الشكل البيروقراطي معقد ومعوق للعمل.
ورغم اهمية هذه القوى كمتغيرات في محيط الاعمال لكن يجب على هذه القوى ان تتوحد لتضمن نجاح (الادارة بدون ادارة) ولكن حتى الآن لم يقدم أحد على جعل هذه القوى وسيلة ملموسة، ولذلك لم يتم تحويلها أو تطبيقها بوضوح كما يشير منظرو الإدارة بدون ادارة.
ان (الادارة بدون الادارة) تمر الان في عصرها الذهبي حيث فقدت نقابات العمال قوتها، ولم تعد الحكومات راغبة في ادارة المنظمات الكبيرة، واصبحت الاسواق اكثر حرية واصبح الحصول على التمويل اكثر سهولة وما تحصل عليه الادارة من اجور ومكافآت تجاوز المعقول واصبح المديرون على درجة من القوة لا تهتم الا بمصالحها الذاتية بدلا من الاهتمام بمصالح العملاء او أصحاب العمل، ولذلك سوف يتقلص الطلب على الادارة التقليدية ومدرائها، وسوف يتراجع حظوة وقوة أجور اغلب المديرين، مما يفتح المجال امام مدراء جدد.