الإطار يدعو لتشكيل حكومة «خدمة وطنية» ويطرح مبادرة «حسن النية» على الصدر
31-آب-2022
بغداد ـ ياسر الربيعي
ما أن وجّه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أتباعه بالانسحاب من المنطقة الخضراء ومقترباتها، حتى التأمت قوى الإطار التنسيقي في منزل همام حمودي، داعية إلى الإسراع بتشكيل حكومة "خدمةٍ وطنيةٍ"، وانعقاد جلسات البرلمان، الى جانب طرح مبادرة "حسن النية" على الصدر، للمضي في "الاستحقاقات الانتخابية".
ويطرح مراقبون سيناريوهات عديدة في ظل ما حصل خلال اليومين الماضيين.
ومنذ ظهيرة يوم الاثنين، وحتى منتصف نهار أمس الثلاثاء، شهدت المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد مواجهات مسلحة بين القوات الأمنية وأنصار التيار الصدري الذين حولوا اعتصامهم أمام مجلس النواب إلى اقتحام للقصر الحكومي وتطويق بعض المؤسسات قبل أن يتحول الأمر إلى مواجهات دامية سقط خلالها عدد من الضحايا وعشرات المصابين من الطرفين.
ووجّه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أنصاره بالانسحاب الكامل من المنطقة الخضراء، وإنهاء "ثورة عاشوراء" خلال مدة مقدارها ساعة واحدة، منتقدا بشدة الصدام المسلح الذي حدث بين أنصاره والقوات الأمنية، قائلا إن "القاتل والمقتول في النار".
وقال الصدر في مؤتمر صحفي عقده ظهر امس في مقر إقامته بالحنانة في محافظة النجف، إنه "بغض النظر عن من بدأ الفتنة في الأمس فأنا أمشي مطأطأ الرأس، واعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث فالقاتل والمقتول في النار".
وفور انتهاء المؤتمر سارع انصار التيار الصدري بالانسحاب جماعياً من المنطقة الخضراء، التي تحولت لساحة قتال مباشر على مدار ليلة الثلاثاء، حتى بدأ مؤتمر زعيم التيار الذي أوقف حالة المواجهة المباشرة.
وعقد قادة الاطار التنسيقي في منزل رئيس المجلس الاعلى الاسلامي همام حمودي اجتماعا وصف بالهام، لبحث مستجدات الوضع الامني.
وذكر بيان للإطار عقب الاجتماع: "في الوقتِ الذي نعربُ فيهِ عن أسفنا وحزننا الشديدِ لما وقعَ من فتنةٍ عمياءٍ تسببت بسقوطِ ضحايا من أبناءِ شعبنا بسببِ مواقف غير مدروسةٍ أدت إلى ما حدثَ فإننا نتقدمُ بالشكرِ الجزيلِ لكلِ موقفٍ وكلمةٍ وفعلٍ ساهمَ في إيقافِ هذه الفتنةِ ووضعَ حداً لنزيفِ دماءِ الاخوةِ من أبناءِ الوطن الواحد، كما ونتقدمُ بالشكرِ والتقديرِ والامتنان إلى أبناءِ القواتِ الامنيةِ والحشدِ الشعبي لما تمتعوا بهِ من ضبطٍ للنفسِ والتزامٍ كبيرٍ بالمسؤوليةِ".
وأضاف "ولأجلِ منع تكرار ما وقعَ من فتنةٍ وإنهاء الظروف التي تساعدُ عليها نرى ضرورةَ العمل بهمة راسخة والاسراعِ بتشكيلِ حكومة خدمةٍ وطنيةٍ تتولى المهام الإصلاحية ومحاربةِ الفسادِ ونبذ المحاصصةِ وإعادة هيبة الدولة لينعم الجميع بالأمنِ والاستقرارِ والإسراع إلى تحقيقِ ما يصبو إليهِ أبناء شعبنا الكريم، و بمشاركةٍ واسعةٍ من جميعِ القوى السياسيةِ الراغبة في المشاركةِ، وندعو مجلسَ النوابِ وباقي المؤسسات الدستوريةِ للعودةِ إلى ممارسةِ مهامها الدستورية والقيام بواجبها تجاهَ المواطنين".
من جهته، اكد عضو تحالف الفتح علي الفتلاوي، امس الثلاثاء، ان الاطار التنسيقي سيتقدم بمبادرة الى الصدر قبل الشروع بتشكيل الحكومة.
وقال الفتلاوي، إن "الإطار التنسيقي سيتقدم بمبادرة الى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تتضمن بعض الامور كبادرة حسن نية"، مؤكدًا ان "الصدر طرفا مهما في العملية السياسية في العراق".
وأضاف ان "خطوة الصدر اليوم بانهاء الاحتجاجات اعطت الضوء الأخضر الى القوى السياسية بتشكيل الحكومة". واكد ان قوى الاطار تأمل ان تلقى مبادرة "حسن النية" استجابة لدى الصدر.
وتدور تساؤلات كثيرة عن السيناريوهات المقبلة في العراق، بعد احداث الخضراء.
وأشاد وائل الركابي، عضو ائتلاف "دولة القانون"، بموقف الصدر، بالقول: "كل الإشادة والاحترام لهذا البيان، ونحن كنا نراهن عليه دائما بأن الصدر هو من يحقن الدماء ويتعامل مع الأزمات بشكل فيه شيء من الحكمة والمسؤولية والحرص على البلد".
وتوقع عضو ائتلاف المالكي أن "تعقد جلسة للبرلمان العراقي تكون فيها مراعاة لمطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في عملية انتخابات مبكرة وغيرها، بمعنى أنهم سيجعلون الأمور تمضي كما كانت بشكل هادئ".
وتابع: "ما يهمنا الآن أن الأمور مضت إلى التهدئة، وربما يفهمها أحد أن التهدئة هي استبدال محمد شياع السوداني، لكن أتصور أن الأوضاع تسير نحو التهدئة على ألا تكون على حساب الدستور والقانون، وهذه النقطة مهمة جدا ولا بد أن يحترم الجميع ذلك".
واستبعد الركابي وجود وساطات داخلية أو خارجية وراء قرار الصدر بالتهدئة، "لأنه لا يحتاج إلى ذلك، وسابقا كان في مواقف أخرى ولم يستجب إلى تلك الوساطات، لكن أزعجه التصعيد الذي حصل يوم أمس والدماء التي أريقت، لذلك فهو رفض هذا السلوك من أنصاره".
فيما استبعد المحلل السياسي رعد هاشم، أن "يقدم الإطار التنسيقي تنازلات.. حتى الآن كل ردود الفعل والتصريحات تشيد بموقف الصدر وحقن الدماء، لكن لم يصدر أي موقف بخصوص نية الإطار التنازل".
وتوقع هاشم أن "يُصر الإطار التنسيقي على موقفه وعناده بإبقاء الأزمة على ما هي عليه، وربما تحصل مرونة هنا أو أهناك، بتغيير مرشحهم لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، وقد تحصل بعض المرونة في حل البرلمان، لكن بشروط الإطاريين".
وأوضح أن "انسحاب الصدر خطوطه العريضة هي حقن للدماء، لكن لا أستبعد الضغط الإيراني القسري على خلفية عزل المرجع (الشيعي) كاظم الحائري، وتوصيته قبل أن يعزل بأن يكون مرجع التيار الصدري، هو علي خامنئي، وأن هذه الاشتراطات العقائدية دائما ما يلتزمون بها".
وأكد هاشم أنه "متوقع في أي وقت أن يعود المحتجون إلى ممارسة الضغط، لأن التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر عودونا على روح المناورة بالانسحاب ثم العودة، ويعمل الأخير على توظيف هذه المناورة لخداع منافسيه، ولكن ربما ليس الآن".
وأشار إلى أن "العزلة السياسية التي اتخذها الصدر ستبقى مثار جدل وشك لا يُعرف فحواها ونتائجها وإلى أين ستفضي"، متسائلا: "من سيدير هذا التيار المليوني إذا كان بهذه العزلة؟ هل سيفكك أم يدار من خلف الكواليس؟".
ونوه هاشم إلى أن "المعادلة السياسية إذا خلت من وجود الصدريين، وأن الساحة إذا فقدت التنافس بين الأجنحة الشيعية، فسيحدث اختلال في العملية السياسية بالبلد يتسبب في توسع النفوذ الإيراني بشكل مطلق عبر الأطراف الولائية، وهذا سيجر الويلات على العراق إذا اتخذ هذا المنحى الخطير".
على ضوء قرار الصدر سحب أنصاره وإنهاء الصدام المسلح، فقد ثمّن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، دعوة زعيم التيار الصدري، وقال في تغريدة عبر "تويتر" إن "دعوة مقتدى الصدر إلى وقف العنف تمثل أعلى مستويات الوطنية والحرص على حفظ الدم العراقي".
وأشار إلى أن "كلمة الصدر تحمّل الجميع مسؤولية أخلاقية ووطنية بحماية مقدرات العراق والتوقف عن لغة التصعيد السياسي والأمني والشروع في الحوار السريع المثمر لحل الأزمات".
وفي السياق ذاته، رحب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بخطاب زعيم التيار الصدري، وقال في منشور على "تويتر": "شكرا لكم سماحة السيد مقتدى الصدر، فموقفكم بحجم العراق الذي يستحق منا الكثير".
بدورها، رحبت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، بإعلان الصدر، وقالت عبر حسابها على "تويتر" إن "يونامي ترحب بالإعلان المعتدل الأخير للسيد مقتدى الصدر. وكما قلنا بالأمس: ضبط النفس والتهدئة ضروريان لكي يسود صوت العقل".