الإناء النذري من روائع المتحف العراقي!
11-كانون الثاني-2023
بغداد ـ العالم
من فراديّته المصنوعة من الرخام أبيض اللون (الألبستر الشمعي)، المعرّق بأوعية شعرية ملونة، وبارتفاع 105 سم فقط، وشكله الإسطواني القائم على قاعدة مخروطية عالية نسبيًّا، احتلّ هذا الإناء أحد أركان معبد الآلهة (انانا) في الوركاء، أو أوروك.
وهذا الإناء الذي كان محطّمًا عندما اكتشفته بعثة التنقيب الألمانية اثناء تنقيباتها في مدينة الوركاء بين عامي 1933 و 1934 ميلاديًّا، أُصلح بسلاسل نحاسية. وهو الأمر الذي يجعل علماء التاريخ والآثار يطرحون أسئلة متشعّبة ومتعدّدة متعلّقة به.
تتعدّى قيمته الدلالة الأثرية الفنية وترتقي إلى تسليط الضوء على البعد الفلسفي للعقلية السومرية، في تمثيل نُظم الماهيات الكونية.
فاللجوء إلى رخام الألبستر الشمعي ليس عبثيًّا بل خير دليل على الوعي والقصدية لتكريس الترابط بين قدسية المضمون وجمال الخامة.
فما القيمة الفنيّة إلّا امتداد نسيج تاريخيّ فكري له مدلولات تنشد الخصب والتكاثر والتجدد والنماء في مظاهر الطبيعة كافّة، هو الأمرالذي يؤكّده تكرار الأشكال النباتية والحيوانية على سطح هذا الإناء حيث تكمن خصوصيّته وهنا تجتمع العلوم كافّة من الفن إلى الدين والاجتماع والاقتصاد.
فسطح الإناء مصمّم من سبعة حقول أفقية في مشهدية تسعى إلى تكوين سيناريو زمني لرواية تتابع الأحداث من بدءًا من الأرض وصولًا إلى السماء .
ويرى بعض الباحثين أن هناك احتمالًا بأن يكون لهذا الرقم (7) مدلولات كونية، خصوصًا أن عدد طبقات السماء سبع، وكذلك عدد اسوار العالم السفلي.
فكر اجتماعي، عادات وممارسات شعائرية يقيمها الشعب السومري في أعياد المواسم الزراعية، يعكسها سطح الإناء.
فهو يجسّد الالهة انين، سيدة السماء، وهي تتقبل الهدايا والنذور من موكب من كهان عراة يحملون سلالا وجرارًا فيها فواكه وزيت وخمر يتقدمهم شخص كبير قد يكون الملك او الاله تموز الذي غالبًا ما ترافق اسمه مع الالهة انين.
فهذا الإناء يطرح بكل تفاصيله إشكاليات شاعرية وتجريدية واجتماعية، نأمل في أن تجيب عنها الدراسات اللاحقة لتظهر أكثر فأكثر حضارة بلاد الرافدين الفائضة على الإنسانية جمعاء. فهنا مهد الحضارة.