الاسباب القانونية في ظاهرة العزوف الانتخابي بالعراق
23-أيلول-2023
ميثاق مناحي العيسى
بعد أن تناولنا في مقالنا السابق الاسباب السياسية لظاهرة العزوف الانتخابي في العراق، نحاول في هذا المقال أن نتناول الاسباب القانونية لها واستقراء مسبباتها التي حالت بين المواطن العراقي والمشاركة السياسية الفعالة، وأثرت بشكل كبير على المخرجات الانتخابية؛ الأمر الذي انعكس على العملية السياسية والديمقراطية وطريقة إدارة السلطة والاستقرار السياسي.
فلربما تكون الاسباب القانونية أقل تأثيرًا من الاسباب السياسية في طبيعة تأثيرها على مشاركة المواطن العراقي أو عزوفه الانتخابي، لكنها قد تكون الأكثر تأثيرًا في طبيعة أدامة هذا العزوف الانتخابي للمواطن العراقي، وزرع اليأس فيه من عملية التغيير السياسي.
ولعل جل الاسباب القانونية تتعلق في طريقة أداء السلطة التشريعية في تشريع القوانين ودورها الرقابي في مكافحة الفساد، فضلًا عن طبيعة القوانين الانتخابية التي أجريت بموجبها كل الانتخابات العراقية وتنفيذ الدستور وتعديل بعض فقراته (التعديلات الدستورية) ولاسيما فيما يتعلق بطريقة تفسير المواد القانونية المتعلقة بتفسير انتخاب رئيس الجمهورية وضبابية تفسير الكتلة الأكبر التي تقع على عاتقها تشكيل الحكومة، ولعل أبرز الأسباب القانونية تكمن في الآتي:
1. النظام الانتخابي: إنَّ النظام الانتخابي المعمول به في العراق "على الرغم من تشريعاته المتباينة" إلا انه قد يكون من الاسباب الحقيقية التي تقف وراء عزوف الناخب العراقي، إذ أدت الانظمة الانتخابية إلى شعور المواطن بغياب دوره في تقرير إرادته نتيجة لصياغة كل القوانين من قبل القوى السياسية وفق ما يناسبها انتخابيًا وجماهيريًا، إذ كثيرًا ما صادرت القوانين الانتخابية إرادة المواطن العراقي، وقطعت عليه الطريق في تغيير الوجوه داخل السلطة التشريعية، وبذات الوقت قطعت الطريق على الاحزاب السياسية الناشئة في الوصول إلى السلطة التشريعية.
فالنظام الانتخابي المتبع في العراق في طبيعته قائم على أساس التمثيل النسبي، وما يؤخذ على هذا النظام بكونه نظامًا معقدًا وغامضًا يخضع لقواعد حسابية يصعب على عامة الناس فهمها. فضلاً عن قانون سانت ليغو "الذي اجريت بموجبه اغلب الانتخابات العراقية"، يدعم مرشحي الكتل الكبيرة والمتوسطة بالحصول على مقاعد رغم قلة عدد الأصوات التي يحصلون عليها، أي أن هذا النظام يصب في صالح الأحزاب الكبيرة المتنفذة في الحكومة والبرلمان، وبالتالي عدم حدوث أية تغييرات في الانتخابات، يؤدي إلى خيبة أمل عند الناخب العراقي ويمنعه من الادلاء بصوته في الانتخابات القادمة.
2. آلية توزيع المقاعد: إنَّ النظم الانتخابية تختلف من دولة إلى أخرى، وربَّما أيضًا من عملية انتخابية إلى أخرى، ويجري اعتمادها وفق القوانين الانتخابية عادة عن طريق تشريعها من قبل الجهات المعنية ومعظمها يكون من مسؤولية السلطة التشريعية. في العراق ومنذ عام 2005 وحتى انتخابات عام 2021، عُمِلَ بموجب نظام التمثيل النسبي مع تغيير في عدد الدوائر الانتخابية وآلية توزيع المقاعد ونوع القائمة المستخدمة في عملية الاقتراع في كل مرحلة انتخابية، وعادة ما تكون آلية توزيع المقاعد لصالح القوائم والاحزاب السياسية الكبيرة، كذلك سعر المقعد، ولاسيما في قانون (سانت ليغو) الذي يمثل مصد حقيقي أمام كل القوى السياسية الناشئة؛ وهذا ما يمَّكن الاحزاب السياسية التقليدية من الحفاظ على ديمومتها وتواجدها السياسي؛ الأمر الذي زرع اليأس داخل المواطن العراقي في عملية التغيير السياسي. ولاسيما، وإنَّ معظم الناس لا يفقهون هذه المعادلات الحسابية وكيفية تسخيرها لصالحهم أو لضدِّ منهم، فحين يخرج الناخبين ليدلوا بأصواتهم وتنتهي عملية التصويت وتفرز النتائج يتفاجؤون بأنَّ معظم من لا يرغبون بهم قد فازوا في الانتخابات.
3. طبيعة النظام القائم: لعل الكثير من العراقيين لا يرغبون في النظام البرلماني القائم لما فيه من عيوب كثيرة ومشاكل قانونية عدة، في تحجيم دور السلطة التنفيذية أو رئيس الوزراء، ويطمحون إلى تغيير النظام الحالي إلى نظام رئاسي، ينتخب فيه الرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب، ولاسيما بعد أن يأسوا من امكانية تحقيق الاغلبية السياسية في الانتخابات العراقية؛ الامر الذي من شأنه أن يساهم في تشكيل الحكومة دون الحاجة إلى تحالفات وتوافقات سياسية، يكون ضحيتها المجتمع والدولة سواء فيما يتعلق بالخدمات العامة او في استغلال موارد الدولة.
فضلًا عن ذلك، هنالك الكثير من المشاكل الدستورية والقانونية ما زالت محمية من قبل الأحزاب السياسية وطبيعة النظام القائم وطريقة تقاسم مغانمه. لهذا تبدو الاسباب القانونية أكثر واقعية في تفسير ظاهرة العزوف الانتخابي من الاسباب السياسية؛ لكونها تمثل المظلة التي تحتمي بها الأحزاب والقوى السياسية والمؤسسات المعنية بالانتخابات والسلطات التشريعية والرقابية ولكون الانتخابات تجري في ظل قوانين انتخابية قد تم التصويت عليها وتمريرها في السلطة التشريعية.
فضًلا عن ذلك، فإن السلوك السياسي للقوى والاحزاب السياسية، والاسباب السياسية للعزوف الانتخابي، دائمًا ما تكون محمية بالقانون أو بتشريعات قانونية؛ لذلك فإن الوقوف على الاسباب القانونية ومعالجتها، قد يكون الخطوة الأولى في تشجيع الناخب العراقي على المشاركة السياسية والحد من ظاهرة العزوف التي أخذت بالاستفحال في جميع طبقات المجتمع العراقي؛ الأمر الذي من شأنه أن يساعد على الاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة بعيدًا عن الاحتجاجات والتظاهرات أو الثورات التي عادة ما تؤدي إلى غياب الاستقرار السياسي وتدهور في كل مفاصل الدولة والمجتمع، كما حصل في اغلب الدول العربية من احداث وتغيرات سياسية في ما يسمى بالربيع العربي، او غيرها من الاحداث على مر التاريخ الحديث والمعاصر.