الاستدامة والمسؤولية
19-تشرين الثاني-2023

اکو محمد
يغدو العمل الإعلامي في العالم في العديد من الأوجه معقّداً وصعباً للغاية، والمصدر الرئيسي لهذه الصعوبة يتمثّل في استحواذ الشركات والمنصّات العابرة للبلدان والعالمية على نتاج المؤسسات الناجحة والوطنية في العالم.
لا تكتفي منصّات التواصل الاجتماعي والبحث الالكتروني بأخذ محتوى ونتاج الوسائل الإخبارية والاعلامية، بل وتأخذ معها أيضاً الشركات الكبيرة والصغيرة التي كانت تقوم بالدعاية والإعلان لديها. ويؤثّر هذا على حريّة العمل الإعلامي، والحريّة الإعلامية هي محرّك الديمقراطية والألية الأمثل لمراقبة السلطة. وهذا يعني أنّ هذا ليس مجرّد استفادة من نتاج المؤسسات والشركات الأخرى، بل ويضع مسؤولية إضعاف الحريّة والديمقراطية على عاتق هذه الشركات الضخمة.
هذا الوضع الجديد الناشئ في المجال الإعلامي، الذي أدى إلى القضاء على نشر الصحف المطبوعة، يشكّل وضعاً صعباً للإعلام في منطقتنا. فعلى سبيل المثال، في إقليم كوردستان والعراق حيث يبلغ عدد السكان 42 مليون 300 ألف نسمة، ليست هناك أي صحيفة تبيع يومياً ألف نسخە، وقد أدى هذا إلى القضاء على عددٍ من المنابر والصحف الحرّة، التي كانت مصادر جیدة لحرية التعبير والمجتمع المدني.
كانت الصحف المطبوعة في كوردستان والعراق ومعظم بلدان الشرق الأوسط المصدر الرئيسي لبيع الأخبار والمعلومات، لأنّه لم يكن هناك نظام الإشتراك بخدمة الكيبل والبثّ التلفزيوني في منطقتنا. ولم تتشكّل فيها تقاليد الاٍشتراك في شراء المحتوى والانتاج التلفزيوني. ولذلك ألقى هذا الوضع الجديد في الإعلام الناشئ عن الإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي بتأثيره على استمرار مؤسسات كثيرة اعلامية والإستدامة في الشرق الأوسط أكثر من سواه من مناطق العالم.
أصبح هذا الوضع الجديد في الاتحاد الأوروبي وأمريكا والكثير من البلدان الأخرى موضع نقاشٍ بل وصراعٍ قانوني لبعض الحكومات مع كبريات شركات منصّات التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي، ولكن في الشرق الأوسط، لم يصبح هذا بعد محلّ نقاشٍ وصراعٍ قانونيٍّ واسعٍ، ولذلك لا نزال في هذه المنطقة نستمدّ نماذج هذا الصراع في العالم. وأنا على ثقة بأنّ يغد المؤتمر العالمي للأعلام في ابوظبي العام المقبل فرصة كبيرة لخوض هذا النقاش بشكل اوسع.
يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، كشف الخبير الإقتصادي كيفن مورفي عن معلومة مثيرة للاهتمام. لقد حضر مورفي بناءً على طلب شركة ألفابيت المالكة لجوجل كشاهدٍ في جلسة المحاكمة في واشنطن بشأن المشكلة القائمة بين وزارة العدل الأمريكية وشركة جوجل حول مكافحة الاحتكار. قال مورفي أنّ جوجل تمنح ثلث إيرادات الإعلانات في متصفّح سفاري لشركة آبل. وحسب صحيفة فاينانشال تايمز أنّ إيرادات آبل لهذا العام سوف تبلغ 18 مليار دولار من اتّفاقها مع جوجل.
هذا خبرٌ كبير للمتلقّي، ولكن بالنسبة إلى مؤسسات وشركات صنع المحتوى والمعلومات هذه حكاية غير عادلة، لأنّ صانعي هذا المحتوى وهذه المعلومات لا يتلقّون أيّ شيء، بل أنّ صنّاع محرّكات البحث والاكتشاف وأجهزة التلفون و الاتصالات يستحوذون و الكومبيوترات على جهد الجميع.
أصدر البرلمان الكندي في شهر حزيران قانون (الأخبار عبر الإنترنت)، وبموجب هذا القانون الذي يسري بعد ستّة أشهر من إقراره، يجب على المنصات العالمية مثل الفيسبوك وغيرها أن تتّفق مع المؤسسات الإخبارية في كندا من أجل الوصول إلى ونشر أخبار المؤسسات الإخبارية من قبلها. أوقفت الفيسبوك والأنستغرام منذ شهر آب بثّ الأخبار عبر منصّاتها للمستخدمين في كندا، وقالت ميتا أنّ الأخبار ليست الداعم الرئيسي لمستخدميها وأنّها لن تضع بنفسها هذه الأخبار ووصفت القانون بأنّه غير عادل. ومؤسسة رووداو الآن هي إحدى المؤسسات التي لا يمكن متابعتها على الفيسبوك والأنستغرام في كندا. تقول المؤسسات الإخبارية الكندية إنّ خضوع منصّات التواصل الاجتماعي لهذا القانون الكندي، سوف يجلب سنوياً 250 مليون دولار أمريكي لمؤسساتهم. رغم أنّ تنزيل تطبيق المؤسسات الأخبارية في كندا قد ازداد، إلّا أنّ وضع الضغوط على منصّات التواصل الاجتماعي بحدّ ذاتها لا يزال دون نتيجة.
هذا النقاش يتوسّع يوماً تلو الآخر، كما أنّه أصبح صراعاً قانونيّاً، قد يتوسّع ويشتدّ أكثر.
كانت منصات الجوجل والفيسبوك والإكس والتكتوك وسواها ثورة كبيرة في مجال توسّع انتشار المعلومات وعلاقات العالم، ولكنّها أثّرت تأثيراً كبيراً على إيرادات الإعلام في العالم، وقد أصبحت الشركات العاملة في هذا المجال صاحبة أكبر الإيرادات في العالم، لكن إيرادات المؤسسات الإعلامية الكبيرة والصغيرة تتناقص. ويزداد هذا التأثير في الشرق الأوسط. وتعامل الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي و الديجيتال ميديا مختلف مع الشركات الاعلامية في الشرق الاوسط، المشاهد هو مشاهد بكل الأحوال، لكن المقابل المالي الذي يعطى من قبل هذه الشركات للمؤسسات الاعلامية في منطقتنا هو أقل ممّا يعطى مقابل نفس المشاهدات في أوروبا مثلا.
في السابق، كانت المؤسسات الإعلامية التي تنشر الأخبار الأدقّ والأكثر تصبح محلّ ثقة المتلقّي والشركات التي كانت تنشر الدعاية والإعلان لنتاجها وأعمالها، ولكنّ الآن تغيّر هذا الأمر كثيراً. في الوقت ذاته، لا تزال إيرادات الإعلان في منصّات التواصل الاجتماعي للمؤسسات الإعلامية أقلّ بكثير من إيرادات التلفزيون، ولذلك لا تريد المؤسسات الإعلامية توجيه تلك الشركات من التلفزيون نحو منصّاتها في التواصل الاجتماعي، لأنّها تخسر الكثير من الأموال، كما أنّ تلك الشركات تستطيع أن تبثّ مباشرة الدعاية وإعلاناتها على منصّات التواصل الاجتماعي بأسعارٍ أرخص من التي تبثّها على صفحات التواصل الاجتماعي لتلك المؤسسات الاعلامية المعتبرة. رغم أنّ الترويج للمنتوجات والماركات التجارية على منصات التواصل الاجتماعي للمؤسسات الإعلامية الموثوقة أكثر تأثيراً بكثير، لا سيما وأنّ زيادة الأخبار الزائفة في مواقع التواصل الاجتماعي قد زاد من تأثير وسائل الإعلام الموثوقة. والأن مع عصر الذكاء الاصطناعي دخلنا في مرحلة الديب فيك نيوز.
الشرق الأوسط هو ساحة للأحداث الكبرى والأخبار الهامّة في العالم، ولكن للمؤسسات الإعلامية في الشرق الأوسط إيرادات أقلّ بكثير من نتاجاتها. على سبيل المثال، تحظى شبكة رووداو، في عمرها القصير جدّاً، بعددٍ هائلٍ من المتابعين ولها تأثيرٌ هائل في وسائط التواصل الاجتماعي. رووداو صاحبة اتفاق شراكة مع أسوشيتدت بريس، التي هي أكبر وكالة أنباء في العالم، لأنّه أثناء الحرب على داعش، أصبحت رووداو أحد المصادر الرئيسية للأخبار وفيديوهات تلك الحرب في العالم، وبعد ذلك أيضاً، ظلّت رووداو أحد المصادر الرئيسية لنقل أخبار العراق والمنطقة إلى العالم. ولنفس هذا السبب، في عام 2018، في دولة الإمارات وفي مدينة دبي، نالت رووداو جائزة وان إيفرا لأفضل استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، تنشر رووداو في الإعلام الرقمي أخبارها ونتاجها بأربع لغات، وفقط في القسم الكوردي- السوراني، وعلى الفيسبوك فقط، خلال 23 يوماً (من 27 أيلول ولغاية 20 تشرين الأوّل من هذا العام) شاهد مليار شخص فيديوهات رووداو. كما أنّه في يوم 11 أيلول من هذا العام، شاهد 136 مليون شخص فيديوهات رووداو فقط على الصفحة الكوردية- السورانية. لأنّ منصّة فيسبوك نفسها تكشف لنا أنّ التفاعل مع منشوراتها بلغ 61 مليون خلال 14 يوماً وأنّ تأثير متابعيها البالغ عددهم ثمانية ملايين وخمسمائة وثلاثة وثمانين ألفاً يعادل قدرة 30 مليون شخص. كما حظي موقع رووداو في شهر تشرين الأوّل من هذا العام بأربعة ملايين ومئتين وواحد وستين زائراً.
حتى يستطيع الإعلام أن يكون حرّاً ويتطوّر على نحوٍ أفضل، يجب أن يعيش على إيراداته، ولذلك نرى أنّ على الشركات الكبرى للإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي مسؤولية كبيرة أمام المؤسسات الإعلامية. وأنا على ثقة بأنّ الحوار المتواصل سيفضي إلى إيجاد حلٍّ للوضع الراهن.

تسجيل 9 هزات أرضية داخل العراق في شهر نيسان
2-أيار-2024
رغم الإجراءات الأمنية في البتاوين.. نزيل يجهز على صديقه داخل فندق
2-أيار-2024
تركيا تضم صوتها في قضية "الإبادة الجماعية" ضد إسرائيل: نواصل دعم فلسطين
2-أيار-2024
ضخ فوق الحدود.. العراق يواصل الإخفاق بالالتزام بتعهدات أوبك
2-أيار-2024
وسط مخاوف من عودتهم.. العراق يستقبل ما يقرب من 700 مواطن مرتبطين بداعش من مخيم "الهول"
2-أيار-2024
العراق يشتري طائرات عسكرية بدون طيار من الصين
2-أيار-2024
أزمة الشرعية وتداعياتها في مواجهة أردوغان
2-أيار-2024
ليفركوزن للثأر من روما واختبار حقيقي لمرسيليا أمام أتالانتا في يوروبا ليغ
2-أيار-2024
محمد صلاح غير متحمس للتوجه إلى الدوري السعودي
2-أيار-2024
غرائب واختفاءات الموسيقي الفرنسي رافيل في سنواته الأخيرة
2-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech