الاستراتيجية الوطنية
14-حزيران-2023
محمد عبد الجبار الشبوط
لسنوات خلت، كنت آمل ان يخطو القائمون على امر الدولة العراقية الخطوة الاولى في الطريق المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة وذلك من خلال النص عليها كهدف في احدى الوثائق المهمة للدولة، مثل الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم. والسبب في اختيار التربية والتعليم هو انني ذكرت عدة مرات ان الخطوات الأولى لبناء الدولة الحضارية الحديثة تتم في المدرسة، وان الصف المدرسي الاول هو المكان الذي تزرع فيه البذرة الأولى لهذه الدولة. ولم يكن هذا القول جديدا، فقد سارت على نهجه كل الدول التي اختارت طريق الدولة الحضارية الحديثة من ماليزيا الى اليابان مرورا بالدانمارك وغيرها. فقد ادرك ولاة الامور في هذه الدول ان الخطوة الأولى في الطريق الحضاري الحديث تبدأ بالمدرسة. وهذا ما كنت آمل ان يدركه القائمون على الدولة العراقية من خلال كتاباتي الكثيرة حول هذا الموضوع منذ عام ٢٠٠٤ والى اليوم. وقد اتضح لي الان ان ولاة الامور اما انهم لا يقرأون او لا يؤمنون بمشروع الدولة الحضارية الحديثة. والامر في الحالتين مؤلم جدا ومثير للاحباط، فللمرة الثانية يضع الماسكون بأزمة الدولة العراقية ما يسمونه "الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعلي دون ان النص على ان هدفها هو ارساء اسس الدولة الحضارية الحديثة، واكتفت بالقول ان الهدف هم ارساء اسس دولة تنموية فاعلة ذات مسؤولية مجتمعية". والفرق كبير بين العبارتين، ويكمن الفرق في كلمتي: الحضارية والحديثة. فاما "الحضارية" فتشير الى ارتباط الدولة ومعها الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم بمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. واما كلمة "الحديثة" فتشير الى ارتباط الدولة ومعها الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم بحداثة العصر الحالي بما في ذلك امور مثل النانو تكنلوجي، والذكاء الاصطناعي وغير ذلك.
بموجب الخطة التي دأبت على طرحها طيلة السنوات الماضية والتي تنص على ١٢ نقطة شروع في العام الواحد كان سيتلقى مئات الالاف من الطلبة في عام واحد تربيةً وتعليماً تفتح وعيهم واذهانهم على فكرة او مفهوم الدولة الحضارية الحديثة. وكان العدد سوف يتكرر في العام التالي والعام الذي يليه وهكذا وصولا الى العام الثاني عشر لدورة مدرسية كاملة. وهذا يعني اننا بحلول العام الثاني عشر لخطتي سوف نلتقي بجيل جديد يعي ويفهم ويؤمن بنموذج الدولة الحضارية الحديثة بكل ما يرتبط به من قيم ومفاهيم واتجاهات سلوكية ومهارات عملية، جيل مؤلف من مواطنين فعالين يؤمنون باسس الدولة الحضارية الحديثة كالمواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث، جيل سيذهب الى صناديق الاقتراع في الانتخابات التي سوف تجرى في ذلك العام وهو على درجة عالية من الوعي السياسي الحضاري لم نجد له مثيلا من قبل. هكذا سيكون عليه الامر لو ان واضعي الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم وعلى رأسهم محمد شياع السوداني الذي كلمته عدة مرات بهذا الخصوص اخذوا بمقترحاتي بشأن النظام التربوي الحديث. ولكنهم للاسف لم يأخذوا بها واكتفوا بنص غامض ورد في الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم التي اعلنوها مؤخرا.
يؤلمني ان أعاين ان النظام التربوي للدولة العراقية سيكون بعيدا عن فكرة الدولة الحضارية الحديثة خلال السنوات العشر القادمة التي لا اتوقع ان ابقى على قيد الحياة في نهايتها. يؤلمني ان الدولة العراقية ممثلة بالسلطة التنفيذية ومؤسستها التربوية لم تقرر بعد ان تجعل الدولة الحضارية الحديثة هدفا لها. الامر يتطلب الان اما ان تعدل الحكومة الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم بالاتجاه الذي ذكرت، او ان يتولى أشخاص اصغر عمرا مني النضال من اجل وضع استراتيجية وطنية في السنوات القادمة.