طه المراياتي
الجزء الثامن
في الحلقة السابقة قدمنا لكم الانموذج الامريكي الامثل الذي سخرته الادارة الامريكية لتشويه صورة الاسلام و هو انموذج القاعدة و مخلفاتها والتي كانت الماكنة الاعلامية الامريكية و الغربية قد سخرت جل قدراتها على كل المستويات ، المرئي والرقمي و المسموع و المقروء في تسليط الضوء على جرائمه و بالتفصيل لا لأجل سواد عيون ضحايا الارهاب بل ان الذي تريده المنظومة الصهيونية الامريكية الغربية ان لا يعرف مواطينيهم غيره ،اي الاسلام المشوه، الممسوخ ، الشرير ، الحاقد ، وليغلقوا اي منفذ قد يتغلغل منه الاسلام الحقيقي لبلدانهم من جديد.
الذي تريده امريكا بكل مؤسساتها التشريعية و التنفيذية و الدينية والفنية و الاجتماعية وحتى مؤسساتها الثقافية هو ان زمن الحضارات القديمة انتهى وولى دون رجعة ، اليوم هو زمن التكنولوجيا الامريكية و مكتسباتها... ومن يقف ضد التيار سيغرق لا محال.
واليوم قبل ان نكمل موضوعة الاعلام الامريكي و الغربي علينا ان نعرف...كيف ترى المنظومة السياسية الامريكية الاسلام...ولكي نعرف علينا ان نعود قليلا لمنتصف القرن العشرين اي في خمسينيات و ستينات القرن المنصرم.... ورغم انشغالهم بالحرب الباردة مع الشيوعية و حرب فيتنام و لكن ملف الاسلام كان يقلقهم ، مثلاً
: الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون قبل ان يكون الرئيس السابع و الثلاثين للولايات المتحدة عام 1969 .
1ـ كان عضوا في الكونجرس من 1947 لـ 1951 .
2ـ و عضو في مجلس الشيوخ من 1951 لـ 1953.
3ـ و بقى نائب للرئيس ايزنهاور من 1953 لـ 1961.
4ـ و في سنة 1969 انتخب رئيسا لأمريكا التي كانت في وقتها تخوض حربا خاسرة في ڤيتنام.
* لاحظ ماذا يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه "اقبض على اللحظة".... يقول : أنّ الإسلام قوةٌ هائلةٌ، وأنّ تزايد عدد سكانه والقوة المالية التي يتمتع بها تشكلان تحدياً رئيسياً للغرب، وأنّ الغرب مضطرٌ إلى تشكيل حلفٍ جديد مع موسكو، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، لمواجهة عالم إسلامي معادٍ ومعتدٍ. فالإسلام والغرب، حسب تصوره، متناقضان ومتباينان. وأكّد نيكسون في كتابه هذا :
على ضرورة أن يستعد الغرب للمواجهة الحاسمة مع العالم الإسلامي، الذي يُشكل واحداً من أعظم التحدياتِ السياسيةِ الخارجيةِ للولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين. كلام نيكسون هذا هو اعلان الحرب على الاسلام.. مع سبق الاصرار و الترصد. نكسون سياسي مسلكي فهو كان عضو كونغرس و عضو مجلس شيوخ و نائب رئيس واخيرا رئيس الولايات المتحدة عام1969 الا يكفي هذا لمعرفة النوايا الامريكية.
في الاربعينات و الخمسينات كان العالم الاسلامي و العربي بالذات يعاني من انظمة عميلة خاضعة للغرب و لإرادته و اطماعه و لم تكن هناك حركات اصولية تهدد مصالح امريكا و الغرب الذي يمتلك القرار السياسي و الاقتصادي و العسكري و بشكل مباشر في بلداننا الاسلامية. و كان العالم يشهد صراع بين المعسكر الرأسمالي بقيادة امريكا و المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي و الظاهر للعيان ان امريكا و الغرب سخَّرت كل طاقتها لتعطيل دور الاخر اي الاتحاد السوفيتي .
اما ان يأتي نيكسون في خضمّ هذا الصراع و ينسى و يتناسى عدوّه و منافسه القوي الاتحاد السوفيتي ليصب في كتابه جام غضبه على الاسلام ، فهذا لن يأتي صدفة.. فالعين الامريكية التي تراقب السوفيت ترافقها عين اخرى راقبت و تراقب الاسلام.. المؤامرة قديمة و لم تتوقف.
اما اليوم فقد أضحى الحديث عن الإسلام يشكّل وجبة دسمة في مختلف وسائل الإعلام الغربي، والتي برعت في إلصاق تهمة العنف والإرهاب به وبأتباعه، مما فاقم من حدة الاهتمام والمتابعة لكل ما يرتبط بالعالم الإسلامي، الذي أمسى منبع الخوف والريبة بالنسبة للغربيين. ولاشك في أن الإعلام الغربي، بما يمتلكه من إمكانات جبارة وقوة الجذب والتأثير، قد اوصل رسالته وهو يسعى للاستمرار.
تعالوا نتابع حملة الاعلام الامريكي الناطق بلسان اللوبي الاسرائيلي والمنظومة السياسية و التنظيرية الامريكية...
* يقول د. جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر: "امتلأت وسائل إعلام أمريكية وأوربية عدة، خلال السنوات القليلة الماضية، بعناوين مثيرة مثل: "القنبلة الإسلامية قادمة، الحرب الإسلامية ضد الحداثة، الحروب الصليبية مازالت مستمرة، الهلال الجديد في أزمة".
* ولاحظ جون اسبوسيتو –الاستاذ بجامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأمريكية – أنّ العناوين التي كرسها الاعلام الامريكي جذبت الاهتمام، وشوهت الحقائق حول العالم الإسلامي وعلاقاته المتنوعة وغالباً ما يتم مساواة الإسلام بالحرب المقدسة والكراهية والتعصب، والعنف، وعدم التسامح، واضطهاد النساء.
* ويقول د. أحمد البوهي – نائب رئيس منظمة الثقافة الإسلامية في الولايات المتحدة: "شهد المجتمع الأمريكي، أخيراً، حملات مكثفة، هدفها التهجم على الإسلام، منها كتاب فرانكلين جراهام الجديد عن الإسلام، الذي ظهر منه بجلاء شديد، تحيزُ المؤلف ضد الإسلام وجهله بتعاليمه، وهو يتصدى للكتابة عن هذا الموضوع، فقد امتلأت صفحات الكتاب بالأخطاء العلمية والتاريخية، فقد اتهم الإسلام بأنّه دين لا يعرف التسامح، وأنّه يُغذي أتباعه بحب الانتقام".
* كما قدمت قنوات التلفزيون الأمريكي عدداً من البرامج التي هاجمت الإسلام، من أمثلة ذلك، برنامج "أورالي فاكتور"، الذي دأب على استضافةِ بعض الأساتذة والمحللين من أعداء الإسلام، يزعمون تخصصهم في الفكر الإسلامي. وعلى مدى حلقات هذا البرنامج، يتناول هؤلاء الضيوفُ بعض المصطلحات الإسلامية، مثل الشهادة والحور العين بأسلوب ساخر و غير مؤدب و غير محترم ويسيء يشكل مباشر و ساخر للعقيدة الإسلامية دون إعطاء أية فرصة متكافئة للمسلمين للرد على هذه الاتهامات، وبيان كذبها وجهل أصحابها.
* أيضاً، فقد نُشر في أمريكا أخيراً تقرير بعنوان: "الإسلام الرجعي" أعده جيسون لفنجورد، وفي محاولة مفضوحة لإثارة الرأي العام الغربي والأمريكي ضد المسلمين، قال مُعد التقرير: "إنّ 80 في المائة من مساجد أمريكا يُسيطر عليها أو يُديرها العرب، ومن ثمَّ يجب ألا نتوقع من مسلمي أمريكا أن يصونوا عهداً أو يحفظوا وداً، وإنما المتوقع من أتباع المدرسة المحمدية هو الغدر والخيانة ونقض العهد".
* ويؤكد الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا على أن الإعلام الغربي يبرز وجها سيئا للإسلام من خلال تصرفات بعض المسلمين المتطرفة، ولا يبرز الوجه الإيجابي، كما أنه يتم التركيز على العناصر والحركات غير المنضبطة، والتي لا تعبر إطلاقا عن مجمل الظاهرة الإسلامية، فعمليات خطف الرهائن والتفجير وأعمال العنف الناشئة عن سوء الفهم لحقيقة الإسلام في مبادئه وتعاليمه وقيمه، كلها تدفع الإعلام الغربي إلى استغلالها والتركيز عليها وبالتالي يتم الربط بينها وبين الإسلام .
خاتمة
الأعلام الغربي استطاع أن يوصل رساته المكرسة لتشويه صورة الاسلام وتهويل و تغويل هويته و اضفاء صفة الارهاب و القتل و القسوة و الكراهية كجزء من شخصية الانسان المسلم لتترسخ هذه الصورة البشعة في ذهنية الانسان الغربي ، حتى بات مصطلح "فوبيا الاسلام" هو الاكثر استخداما في وسائل الاعلام المختلفة و ترى هذا واضحاً و خصوصا في نهايات القرن المنصرم اذ ينظر المواطن الغربي إلى المهاجر المسلم نظرة حذر وارتياب وخوف.
ولذلك، باتت الصور الكاريكاتيرية العنصرية، واللقطات الإعلامية السلبية أكثر الصور انتشارا وذيوعا، وأمست الآلة الإعلامية الغربية لا تجد غضاضة في نهج مختلف السبل لعرض الإسلام وتحليله وتصويره بشكل يجعله «معروفا»، وفق طريقتها للقراء والمشاهدين الغربيين، فتكوّنت من جراء ذلك صور مشوهة عن ديننا.
في المحصلة النهائية.... ان ما يلفت نظرنا ويثير اهتمامنا هو أن التفسير الامريكي الجديد للإسلام لم يعد يقوم به علماء الدين " الحاخامات و القساوسة" وانما تتبناه المؤسسة الأمريكية السياسية وصنّاع القرار فيها و بجناحين ، عسكري وفكري : عسكري يوظف مقولة صراع الحضارات كما طرحها هنتنغتون ، والفكري يوظف مقولات حوار الأديان كمرحلة حوارية اولى للانتقال الى الديانة الابراهيمية.