الاقتصاد العراقي وطبيعة الحلول
21-أيار-2023
حامد عبد الحسين الجبوري
يمتلك العراق مقومات اقتصادية جيدة، يُمكن ان تسهم في تحقيق نهضة اقتصادية اذا ما أُحسن توظيفها وفق الحلول الاستراتيجية بدلاً من التكتيكية.
حلول استراتيجية وتكتيكية
إن الحلول الاقتصادية ذات الطبيعة الاستراتيجية قد لا تسهم في معالجة المشاكل الحالية بشكل سريع، بل وقد تزيد منها، بحكم انها حلول بعيدة المدى وليست قصيرة المدى، أي أنها تعالج المشاكل المستقبلية من الآن.
أما الحلول التكتيكية عكس الاولى فهي تهتم في معالجة المشاكل الحالية بشكل سريع، دون الأخذ بعين الاعتبار الاثار التي ستحصل مستقبلاً، بمعنى انها بمثابة الترحيل المؤقت لانفجار الازمة، وهي تأتي بعد وقوع المشكلة لا قبلها كما في الاولى.
مقومات اقتصادية
يمتلك العراق مقومات اقتصادية كبيرة تسهم بلا شك في تحقيق نهضة اقتصادية عراقية لافتة على مستوى المنطقة والعالم، إذا ما اعتمد الحلول الاستراتيجية كمنهج في ادارة الاقتصاد؛ على رأس تلك المقومات النفط حيث يمتلك أكثر من 148 مليار برميل كاحتياطي نفطي، وينتج أكثر من 4 ملايين برميل يومياً، ويُصدر أكثر من 3500 ألف برميل يومياً ويحصل على ايرادات نفطية بحدود 7 مليار دولار شهرياً.
كما ويتمتع بموقع جغرافي مميز حيث يقع في قلب الشرق الاوسط والعالم، يربط بين العرب والحضارة الفارسية والحضارة العثمانية من ناحية، واسيا واوربا من ناحية أخرى، كما ويُمكن أن يربط بين البحر الابيض المتوسط والخليج العربي من خلال شق قنوات اتصال بينهما من ناحية ثالثة.
كذلك يمتلك جغرافية طبيعية متنوعة حيث يتميز بوجود الجبال في الشمال والسهل الرسوبي في المنطقة الوسطى والصحاري في المنطقة الغربية والاهوار في المنطقة الجنوبية فضلاً عن إطلالته المحدودة جنوبياً على الخليج العربي.
كما ويمتلك العراق أرثا حضاريا عظيما، حيث يُعرف بين الحكام والشعوب بأنه مهد الحضارات وأول من اخترع الكتابة وأول من سن القوانين، هذه المعرفة بحد ذاتها تمثل مقوم اقتصادي مهم ممكن استثماره.
إضافة إلى تركيبة وتنوع السكان، حيث يتصف سكان العراق بالطاقة الشبابية لان 56% من السكان هم من فئة الشباب الذين تتراوح اعمارهم (15-65)، وكذلك يتصف بالتنوع العرقي والديني والطائفي والمذهبي، وفي الغالب هذا التنوع له امتدادات خارجية تمثل نقطة قوة للاقتصاد العراقي إذا ما استثمرها بالشكل المناسب.
طبيعة الحلول في العراق
يُمكن معرفة طبيعة الحلول الاقتصادية في العراق هل هي حلول اقتصادية ذات طبيعة استراتيجية أم ذات طبيعة تكتيكية؟ وذلك من خلال مجموعة مؤشرات نذكر بعضها في الآتي:
1- دور الدولة
كان دور الدولة في الاقتصاد العراقي قبل عام 2003 دوراً رئيسياً واستراتيجياً، تخطيطاً وتنفيذاً واشرافاً؛ وما كان للقطاع الخاص إلا دوراً ثانوياً ومرحليّاً لكن مع التغيّر الذي حصل عام 2003 وانسجاماً مع الدستور العراقي 2005 يُفترض أن يكون دور الدولة في الاقتصاد العراقي دوراً إشرافيًاً وتنموياً إلا إنه لازال ضبابياً غير واضح المعالم[i]، وهذا ما ترتب عليه ان أغلب الحلول الاقتصادية لم تكُن ذا بعد استراتيجي بقدر ما هي حلول تكتيكية لمعالجة مشكلة ما سرعان ما تظهر مرةً أخرى.
2- مزيج الطاقة
يعتمد العراق على الطاقة الناضبة بشكل رئيس، حيث استحوذ النفط على 78% من مزيج الطاقة مقابل نسبة 21% للغاز الطبيعي، فيما احتلت الطاقات المتجددة حصة لا تذكر اقتصرت على 0.3%[ii]، ونظراً للتطور التكنولوجي والتغيرات المناخية أصبحت هناك توقعات عالمية ان مزيج الطاقة العالمي سيميل لصالح الطاقة المتجددة على حساب الطاقة الناضبة، واستمرار اعتماد العراق على الطاقة الناضبة بشكل رئيس (99% من مزيج الطاقة) هو دلالة صارخة على ضياع بوصلة الحلول الاقتصادية ذات الابعاد الاستراتيجية.
3- تنوع الاقتصاد
الوضع الاقتصادي لا يختلف عن وضع الطاقة بل ان الاول يعتمد على الثاني بشكل كبير، حيث يُشكل النفط ما نسبته 45% من الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية عام 2021، وما نسبته 56% من الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الثابتة للسنة ذاتها، كما وشكلت الايرادات النفطية ما نسبته 87% من الايرادات العامة عام 2021، وشكّلت الصادرات النفطية ما نسبته 99% من الصادرات السلعية عام 2021[iii].
تؤشر هذه النسب مدى ابتعاد العراق عن التنوع الاقتصادي واعتماده على المورد النفطي بشكل مركّز، نجم عنه اقتصاد ضعيف غير قادر على مواجهة الازمات الداخلية والصدمات الخارجية واستدامة المشاكل الاقتصادية، وهذا متناقض تماماً مع الحلول الاقتصادية ذات الابعاد الاستراتيجية التي تضع الحلول قبل وقوع المشكلة عكس الحلول التكتيكية التي تأتي بعد وقوع المشكلة والتي قد لا تجدي نفعاً كما هو حال الاقتصاد العراقي.
4- بيئة الاعمال
تعطي بيئة الاعمال مؤشراً على طبيعة الحلول الاقتصادية إن كانت استراتيجية أم تكتيكية؟ بمعنى كلما تكون بيئة الاعمال جاذبة بحكم سهولة وانخفاض عدد الاجراءات واختصار الوقت وانخفاض راس المال والرسوم المطلوبة لإنجاز المعاملات، كلما تعني ان طبيعة الحلول الاقتصادية هي استراتيجية تهدف لجعل الاقتصاد قوياً قادراً على مواجهة الأزمات والصدمات.
والعكس صحيح كلما تكون بيئة الاعمال طاردة كلما يعني عدم استراتيجية الحلول الاقتصادية وبالتالي اللجوء للحلول التكتيكية الترقيعية واستمرار ضعف الاقتصاد واستمرار ولادة المشاكل.
ونظراً لضعف بيئة الاعمال في العراق بحكم احتلاله المرتبة 172 من أصل 190 دولة عام 2020[iv] مما يعني ضعف بيئة الاعمال في العراق وان الحلول العراقية هي حلول غير استراتيجية ولا تعمل على بناء وتقوية الاقتصاد العراقي بالشكل الذي يجعله قادرة على استيعاب الازمات الداخلية ومواجهة الصدمات الخارجية.
5- الفساد
لا يختلف الفساد عن بيئة الاعمال بل وأكثر، بمعنى ان شيوع الفساد في الدولة هو دلالة على الابتعاد عن الحلول الاستراتيجية واعتماد الحلول الترقيعية كمنهج لإدارة الاقتصاد بل ان الاخيرة كانت سبب رئيس وراء ظهور الفساد وانتشاره[v]، لذلك الفساد يُعد مؤشر مهم على طبيعة الحلول المُعتمدة لمعالجة المشاكل الاقتصادية.
ونظراً لشيوع الفساد في العراق بحكم احتلاله المرتبة 157 من أصل 180 دولة، بمعنى ان العراق يقع ضمن المربع الاولى في الدول التي تعاني من تغلغل الفساد، وما نشوء الفساد وشيوعه في أغلب مفاصل الدولة إلا نتيجة لعدم اعتماد الحلول الاستراتيجية على المستوى السياسي والاقتصادي، حيث تم اعتماد الهوية الفرعية محل الهوية الوطنية كردة فعل على السياسة السابقة لعام 2003، واعتماد الاقتصاد الاحادي المعتمد على النفط بدلاً من الاقتصاد المتنوع.
خلاصة القول، ان الحلول للمشاكل الاقتصادية في العراق هي حلول تكتيكية ترقيعية غير استراتيجية، لذلك لن يحقق نهضة اقتصادية رغم امتلاكه المقومات الاقتصادية ما لم يُعيد النظر بطبيعة الحلول اللازمة لمعالجة المشاكل الاقتصادية.