الانبار تشكو جفاف بحيراتها الثلاث بعد أن عطش الفرات: ننتظر أمطار الموسم المقبل لانعاش «الخزين الميت»
22-حزيران-2023
بغداد ـ العالم
تمر محافظة الأنبار، غربي العراق، بأشد حالات نقص الواردات المائية القادمة من سوريا، عبر نهر الفرات، والذي ينبع من تركيا، والتي تسببت بخسائر اقتصادية عدة، منها خروج بحيرات الثرثار والحبانية وحديثة عن الخدمة، فضلا عن خسائر مادية كبيرة على القطاع الزراعي.
محافظة الأنبار تعد أكبر محافظات العراق مساحة حيث تشكل ما يعادل ثلث مساحة البلاد، وتضم داخل حدودها الهضبة الغربية والتي يصل ارتفاعها في أقصر غرب الأنبار أكثر من 900 متر فوق مستوى سطح البحر.
يحد الأنبار من الشمال صلاح الدين ونينوى، ومن الشمال الغربي سوريا، والأردن من الغرب، والعاصمة بغداد من الشرق، ومن الجنوب السعودية، ومن الجنوب الشرقي كربلاء والنجف.
مسؤولون حكوميون في محافظة الانبار، طالبوا الحكومة المركزية باتخاذ إجراءات عاجلة بهذا الصدد، وممارسة الضغط على دول الجوار، التي تأتي منها الاطلاقات المائية صوب العراق، والتلويح بالورقة الاقتصادية للضغط على هذه الدول.
بحسب المديرية العامة للسدود في العراق، تشكل الأمطار 30% من موارد البلاد المائية، في حين تقدر كميات مياه الأنهار الممتدة من تركيا وإيران بنحو 70%، وتصنّف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغيّر المناخي، في حين يندّد العراق بالسدود التي تبنيها تركيا وإيران المجاورتان والتي تسبّبت بنقص ملحوظ بمنسوب الأنهار الوافدة إلى أراضيه.
قائممقام الرمادي ابراهيم العوسج، يقول ان "نقص المياه اصبح مسألة وطنية، ولا تخص اي مدينة او محافظة او قضاء"، مبينا ان "كمية المياه الواصلة من تركيا وسوريا الان وصلت الى ادنى مستوياتها منذ نحو 100 سنة، حيث ان مجمل الكمية الواصلة الى المحافظة هي 150 متراً مكعباً في الثانية في احسن الاحتمالات، وهذه الكمية لا تكفي لقضاء وليست لمحافظة، بينما كانت الايرادات قبل سنتين 1200 متر مكعب في الثانية".
وأوضح ابراهيم العوسج ان "تقنين المياه أصبح عالياً جداً، والمحصلة النهائية انعكست بشكل سلبي على العملية التنموية، سواء في مجال الصناعة او الزراعة او الاقتصاد"، مشدداً على ان "الوضع المائي بشكل عام بات يحتاج الى تدخل حقيقي، لذلك نستغرب وبشدة من صمت الحكومة المركزية ووزارة الموارد المائية باتجاه سوريا وتركيا".
ويؤكد إبراهيم العوسج أن "مسألة المياه تتعلق بسيادة الدولة، لكننا لم نشاهد شكوى دولية كما فعلتها الحكومة المركزية ضد اقليم كوردستان (بخصوص تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي)، ولم نشاهد قيام الحكومة المركزية بتقديم شكوى ضد تركيا او ايران او سوريا بخصوص استحصال كامل حصة البلد من الامدادات المائية".
قائممقام الرمادي، يشير الى ان "الواقع المائي تسبب بتوقف الزراعة الصيفية، لأن كمية المياه الموجودة قليلة جداً ولا تسمح وزارة الموارد المائية بأي عملية في الوقت الحاضر، وهذا الامر ينسحب باتجاه الثروة السمكية وتربية الاسماك والتي تم إنهاؤها بشكل كامل، حيث تم الغاء جميع الاحواض السمكية الموجودة في المحافظة، وهذا ايضاً اثر على الاقتصاد العراقي بشكل أو بآخر".
العوسج، يرى أن "مسألة نقص المياه هي مسألة سيادية تتعلق بعموم العراق، ومن الواجب ان يكون هنالك تدخل حقيقي لأجل ايقاف هذا النزيف الكبير جداً في كمية المياه الواردة الى البلاد، وامكانية الضغط على تركيا من الناحية السياسية او الاقتصادية، وهذا الامر ينسحب ايضاً على ايران وسوريا"، مشدداً على "وجوب استحصال حقوق العراق من المياه من هذه البلدان".
وقال العوسج: "من واجب وزارة الموارد المائية الاخذ بالاعتبار الشروط التي وضعتها تركيا بعملية المحافظة على المياه، ولازالت مياهنا تذهب الى الخليج وهو أمر غير مقبول، كما ان من غير المعقول ان نرى تركيا قد بنت خلال نحو عشر سنوات 25 سداً عملاقاً على نهر الفرات، بينما الدولة العراقية لم تستطع الى الان بناء سدود غاطسة بسيطة"، وفقا قائممقام الرمادي، الذي أردف: "نسمع الكثير من الوعود والتنظير الاعلامي حول واقع المياه، لكن واقع الحال يشير الى عدم وجود شيء من هذا القبيل على الارض، حيث أصبح وضعنا المائي اليوم في خطر كبير جداً".
أما بخصوص وضع سدود وبحيرات محافظة الانبار، أوضح ابراهيم العوسج ان "سد حديثة قد يخرج من الخدمة ويكون ممراً مائياً عادياً خلال 5 أشهر كأقصى حد، وكذلك الحال لبحيرة الثرثار، حيث نصبت وزارة الموارد المائية مضخات كبيرة جداً على بحيرة الثرثار لأجل سحب الخزين الميت، ومن ثم نقله الى نهر دجلة، وتأمل وزارة الموارد المائية ان تكون هنالك امطار في الشتاء للخزين في بحيرة الثرثار، لكن الأمر ليس دقيقا 100%، حيث بدأنا نستخدم خزيننا الميت او الطارئ لأجل شرب المياه".
ونوّه العوسج الى ان "بحيرة الحبانية هي أيضاً أصبحت خارج الخدمة منذ سنتين بشكل كامل، لأن الخزين الموجود فيها لا يمكن السحب منه، ولا يمكن شربه بشكل نهائي"، عاداً ما يصدر من وزارة الموارد المائية لحد الان "تهدئة للجماهير وليست تصريحات من واقع الحال".
كانت الأنبار تحتوي على العديد الأماكن السياحية الصيفية، أشهرها بحيرة سد الحبانية وبحيرة سد الثرثار وبحيرة سد حديثة، فضلاً عن الينابيع الكبريتية الطبيعية في وادي حجلان والتي تستخدم للعلاج والسياحة.
من جانبه، يقول مدير زراعة الانبار سنان محمد علي: "اصبحت لدينا شحة كبيرة في الكميات المجهزة من الأنهار، حيث أوعزت وزارة الموارد المائية بمنع التجاوز على مياه نهر الفرات، والاعتماد بصورة كاملة على المياه الجوفية".
"حتى المياه الجوفية وضعت وزارة الموارد المائية لها محددات صارمة، ومحددات الوزارة هي الاعتماد على مياه الابار والمرشات، بينما أغلب الفلاحين هم من القرى والعشائر المحاذية لنهر الفرات، ولا يملكون الامكانية التي تؤهلهم لتطبيق هذه الشروط، من حيث الابار والمرشات الزراعية، ما تسبب بضربة كبيرة لقطاع الزراعة في الانبار".
ويرى سنان محمد علي أن "الخطة الزارعية ستتسبب بضرر كبير للفلاحين، حيث تأثرت محاصيل الخضر والذرة الصفراء بصورة كبيرة، والتي أغلبها تزرع على مياه النهر، علماً أن اغلبية الفلاحين في محافظة الانبار لم يتسلموا حصتهم من الاسمدة المدعومة من قبل الدولة".
ويضيف مدير زراعة محافظة الانبار الى ان "هذه السنة شهدت انتاج الانبار بذور حنطة الى وزارة التجارة بواقع أربعة اضعاف كمية الموسم الماضي، وينبغي استغلال رغبة الفلاحين الكبيرة في استغلال أراضيهم الزراعية وتشجيعهم، والذي يسهم إيجابياً على الواقع الاقتصادي للعراق والمحافظة على البيئة ومواجهة التغييرات البيئية".
ويوضح سنان محمد علي ان "تجهيز الأنبار بالأسمدة والمرشات قليل جداً ولا تتناسب مع المساحات الزراعية الموجودة، علماً أن مساحة الانبار تعادل ثلث مساحة العراق، لذا يجب ان تكون حصتها متناسقة مع المساحة الموجودة، لكننا لم نشاهد هذا الشيء على أرض الواقع".
مع تراجع الأمطار، استفحل الجفاف بقوّة في السنوات الأربع الأخيرة، ما دفع السلطات العراقية إلى الحدّ بشكل كبير من مساحات الأراضي المزروعة بما يتناسب مع كميات المياه المتوفرة.