رياض محمد
مدينة نيويورك – وقد عشت فيها حوالي 4 سنوات – هي العاصمة الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة واكبر مدينة من حيث السكان – حوالي 8 ملايين ونصف - وفيها مقرات اهم المصارف والعديد من الشركات الكبرى. الاهم من هذا وذاك تحتضن نيويورك مقرات شبكات التلفزة الكبرى وعدد من اهم صحف الولايات المتحدة. فمثلا مقرات الأن بي سي والسي بي أس والأي بي سي بالاضافة الى النيويورك تايمز والوول ستريت جورنال كلها في نيويورك. ووسائل الاعلام الرئيسية هذه هي التي تقود الرأي العام في الولايات المتحدة.
يعود جزء كبير من المفاهيم غير الدقيقة عن الولايات المتحدة وعن الحزبين الرئيسيين فيها: الجمهوري والديمقراطي الى حقيقة ان العاملين في وسائل الاعلام الرئيسية التي سبق وذكرتها هم من سكان مدينة نيويورك ويحملون قيمها وافكارها ويعممونها على الامة الامريكية جمعاء بل على العالم كله.
نيويورك مثلا مدينة ديمقراطية بشكل عام باستثناء جيوب جمهورية صغيرة هنا وهناك. هذه القناعة الديمقراطية لدى سكان نيويورك نابعة من نمط الحياة الخاص بهذة المدينة. وهو نمط فريد من نوعه بل اكاد اقول متطرف في فرادته. تقسم نيويورك الى 5 قطاعات ادارية كبرى. 4 من هذه القطاعات هي في الحقيقة جزر على ساحل المحيط الاطلسي. لناخذ قطاع كوينز الذي عشت فيه لسنوات.
كوينز يمر بها قطار رقم 7 الذي يقطعها من الغرب في مانهاتن الى الشرق في حي فلاشنغ. ولعدة مرات قطعت المسافة التي يقطعها القطار مشيا على الاقدام. يدخل القطار الى كوينز في منطقة تكاد توصف بانها صناعية وفيها عدة جيوب للافارقة ثم يصل الى حي غالبية سكانه من الايرلنديين تم يدخل الى مساحة صغيرة تسمى الفلبين الصغيرة وفيها مطاعم ومحلات فليبينية ثم يبدا بالدخول الى سلسلة احياء لاتينية تبدا ببعض المحلات الكوبية تليها قطاعات كولومبية واكوادورية ومكسيكية وعند وصوله الى جاكسون هايتس يدخل لجيب جنوب اسيوي فيه اسواق ومطاعم هندية وباكستانية وبنغالية وافغانية وتبتية بالاضافة الى جناح تايلندي صغير.
وما ان يصل فلاشنغ حيث محطته الاخيرة حتى يوصلك الى اكبر تجمع صيني في امريكا الشمالية مصحوبا بجيب كوري ويحيط به مساحة كبيرة من الاحياء اليهودية. واذا اردت ان تترك القطار رقم 7 في كوينز بلازا وتأخد قطارا اخر الى حي استوريا سيأخذك الى حي اصوله يونانية وايطالية لكنه يضم اليوم جيبا عربيا يدعى مصر الصغيرة فيه محلات ومطاعم ومقاهي الاركيلة المصرية واليمنية والمغربية بالاضافة الى جناح برازيلي صغير. اما اذا اردت ان تترك القطار رقم 7 في جاكسون هايتس وتاخذ قطارا الى حي جاميكا فسيمر القطار بحي نصف روسي ونصف يهودي وستجد يهودا روس بالاضافة الى يهود من ايران واذربيجان وغيرها من جمهوريات القوقاز ثم سينتهي القطار بك الى حي افريقي كثير من سكانه من جامايكا.
هذا التنوع الديموغرافي ليس له اي نظير لا في الولايات المتحدة ولا في اي مكان في العالم وهو احد اهم اسباب جاذبية مدينة نيويورك. ولاعجب ابدا لاختيار نيويورك كمقر للامم المتحدة. في كوينز وحدها يتكلم السكان 130 لغة. في مدينة واحدة تسافر في قارات الارض وتستمتع بسياحة عجيبة بين اغلب شعوب العالم وتتعرف على عاداتهم وثقافاتهم ولغاتهم ومأكولاتهم. كل هذا في مدى لايتجاوز اميال.
هذا التنوع الرهيب الذي تحقق بفعل الهجرة المتواصلة على مدى عقود طويلة خلق شخصية تميل الى السياسات الديمقراطية التي تحافظ على الخدمات الاجتماعية – فبدونها يموت فقراء نيويورك من الجوع وهم خمس سكانها - وتشجع التنوع والحريات الفردية كالمثلية الجنسية والحق في الاجهاض وكثير غيرها. كما ان النيويوركي متعود على الاكتظاظ فهو دائما يجاور 100 نيويوركي اخر في عربة القطار او الباص او المطعم او حتى في الشارع.
وهكذا فالعاملين في وسائل الاعلام الكبرى ومقرات كثير منها في نيويورك هم ديمقراطيون بالفطرة وتنعكس ارائهم الليبرالية في مايكتبون وينتجون من مقالات وبرامج تلفزيونية اخبارية. كما ان نيويورك هي مسرح عدد غير قليل من اشهر مسلسلات امريكا مثل (الاصدقاء) و(الجنس والمدينة) و (ساينفيلد) بل حتى برامج الاطفال مثل (شارع سمسم) الذي انتج منه نسخة معربة هي (افتح ياسمسم).
اما مدينة لوس انجلوس ولا ازعم اني خبير بها كما مع نيويورك فهي الاخرى مدينة لها طابع ليبرالي واضح نابع من كونها مقرا لاغلب شركات انتاج الافلام الكبرى ومسكنا لكم كبير من نجوم اميركا في التمثيل والغناء والتأليف والاخراج والفنانون بشكل عام ليبراليون كما تضم جالية مكسيكية هائلة.
مايغفل عنه اغلب المراقبين للشأن الامريكي من الخارج انه بين نيويورك على المحيط الاطلسي ولوس انجلوس على المحيط الهاديء تقع قارة بأكملها يعيش فيها سكانها الامريكيون حياة هي ابعد ما تكون عن نمط الحياة في نيويورك. اتيحت لي تجربة العيش لاكثر من سنة في مدينة ويتشيتا وهي كبرى مدن ولاية كنساس. تقع كنساس في وسط الولايات المتحدة. يعيش في ويتشيتا حوالي نصف مليون من السكان. بينما تتميز نيويورك بالتنوغ الديمغرافي المبالغ فيه فان اغلب سكان ويتشيتا وكنساس هم من البيض المسيحيين وهناك اقليات محدودة من الافارقة واللاتينيين والاسيويين.
في نيويورك يستخدم اغلب سكان المدينة القطار للتنقل واغلبهم لايملكون سيارات. في ويتشيتا لايوجد شبكة لقطارات الانفاق (المترو) ويستخدم كل الناس السيارات الشخصية للتنقل. هناك شبكة للباصات لكن لااحد يستخدمها باستثناء المتشردين. في نيويورك يعيش اغلب الناس في شقق يتشاركون فيها كل له غرفة لان الايجارات مرتفعة جدا. في ويتشيتا يعيش اغلب الناس في بيوت واسعة تحتوى على كراجات للسيارات وحدائق.
في نيويورك يمشي الناس كل يوم عدة اميال في طريقهم الى العمل حيث يجبرهم استخدام المترو على ذلك بالاضافة الى التخطيط الحضري للمدينة المبنية قبل قرون عديدة ومصممة لتشجع الناس على المشي. قي ويتشيا المبنية بعد نيويورك بقرون كل الشوارع طويلة جدا وخالية من المحلات ولا تشجع مطلقا على المشي. لهذا سكان نيويورك يمتازون باجسام رياضية بينما البدانة مرتفعة جدا في كنساس مصحوبة بامراض السكري والسرطان وضغط الدم والقلب وازدهار لشركات التأمين على الصحة والسيارات والمنازل.
في نيويورك بذهب البعض للكنيسة لكن الكثيرين يعتبرون الكنيسة مجرد متحف جميل للاستمتاع بتصميمه المعماري واللوحات الفنية الداخلية. في كنساس الكنيسة اهم مؤسسة في المجتمع وتوجد كنيسة في كل شارع او شارعين. في نيويورك غالبية السكان من غير المتزوجين اما في كنساس فيكاد كل شخص تراه مع طفل يمازحه.
في نيويورك تقف في طابور طويل في كل مكان: عند التبضع مثلااو حتى في مطاعم الوجبات السريعة. في ويتشيتا المدينة تبدو كمدينة اشباح: كل المحلات والمطاعم شبه فارغة باستثناء عطلة نهاية الاسبوع. في نيويورك ساعة الذروة هي قرف يومي يعاني منه النيويوركيين اما في ويتشيتا فلا وجود لشيء اسمه ساعة الذروة. في نيويورك هناك هوس بالطعام النباتي والعضوي اما في كنساس فمن الممكن جدا ان يأكل الشخص العادي الهمبركر كل يوم. في نيويورك يمنع منعا باتا تملك الاسلحة اما في كنساس فمتاجر الاسلحة فيها ما يكفي من البنادق لابادة مدينة كاملة!
واذا كانت نيويورك عاصمة لحركة المساواة لمثليي الجنس فان كنساس هي مركز لما يسمى (حزام الانجيل) الذي يحول دون ان تقود نيويورك ولوس انجلوس الولايات المتحدة الى الانحلال. واذا كانت نيويورك مدينة النساء الاولى ففيها اجمل نساء الارض من روسيات واكرانيات وبولنديات الى اللاتينيات واليهوديات والفليبينيات واغلبهن عازبات ولا يرغبن بالزواج ويشتكين من اهمال الرجال لهن لان اعدادهن تفوق اعداد الرجال فان كنساس هي المكان الذي لاتجد فتاة الا ومعها زوجها واطفالها ويشتكي فيها الرجال من قلة النساء العازبات.
واذا كانت نيويورك مقرا للمصارف فان كنساس عاصمة القمح وفول الصويا الذي يطعم الولايات المتحدة ويصدر بعضه الى اصقاع العالم. كما ان ويتشيتا عاصمة لصناعة الطيران وفيها مقرات لشركات تصنيع الطائرات ك(بيتشكرافت) و(سسنا) وفيها التقيت بطيارين طاروا من كنساس الى قاعدة بلد الجوية ليسلموا العراق شحنات من الطائرات العاملة الان في سلاح الجو العراقي.
نمط الحياة هذا في ولايات الوسط خلق شخصية محافظة تقدس المشاريع الخاصة وترفض تدخل الدولة في شؤون الافراد ولكنها توقر المؤسسة العسكرية الامريكية وبالتالي فهي تميل الى الحزب الجمهوري وسياساته المحافظة. وليس صدفة ان تكون كنساس مقرا لكلية القيادة والاركان في الجيش الامريكي كما هي مقر لقيادة العقيدة والتدريب ومنها انطلقت الفرقة المدرعة الاولى التي انيط بها السيطرة على بغداد في ايار 2003. وفي كنساس ولد ونشأ الجنرال ايزنهاور قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ورئيس الولايات المتحدة وفيها مكتبته الرئاسية ومتحفه وقبره.
انس كل ما اخبرتك به اجهزة الاعلام الليبرالية في نيويورك والتي تقوم وسائل الاعلام العربية بتبني وجهة نظرها كالببغاوات دون اي تمحيص. الجمهوريون ليسوا اشرار او اغبياء او مجانين كما يتصور الكثيرين. الجمهوريون هم التعبير السياسي لنمط الحياة السائد في اجزاء هائلة من الولايات المتحدة.
ولو اردت ان اضرب مثلا بعائلة زوجتي الامريكية لأبين مدى الانقسام الحالي في المجتمع الامريكي فسأخبرك ان والد زوجتي وهو رجل ابيض بروتستانتي وثري سيصوت للحزب الجمهوري لانه في رأيه حزب الاثرياء وهو منهم. اما والدة زوجتي وهي امراءة بيضاء وانجيليكانية متدينة فهي تصوت عادة للحزب الجمهوري لانه حزب المحافظين. اما زوجتي وقد عاشت وعملت في اماكن مختلفة في العالم كاستاذة جامعية وموظفة في اليونسكو فهي تصوت عادة للحزب الديمقراطي. والد زوجتي سيصوت لدونالد ترامب لانه رجل اعمال مثله. والدة زوجتي صوتت للسناتور كروز لانه محافظ. زوجتي ستصوت لكلينتون. انا – وانا لست امريكيا – تحمست جدا للسناتور ساندرز ودعوته لاقامة اشتراكية ديمقراطية على غرار اسكندنافيا.
ما قلته لاينفي ان شخصية دونالد ترامب هي شخصية نزقة وتذكرك بما يسمى هنا ب(القمامة البيضاء) وهم عادة الفاشلون والفقراء من البيض الذين يميلون لتحميل الاجانب والمهاجرين مسؤولية فشلهم في الحياة. هذا لايعني ان كل ما يقوله ترامب خظأ او شر محض او فاشية.
خذ مثلا قضية طرد المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين وعددهم قد يصل الى 7 ملايين. تحاول وسائل الاعلام الليبرالية القول ان طرد المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين يتناقض مع تاريخ الولايات المتحدة كبلد يحتضن الهجرة وتضرب امثلة كثيرة لمهاجرين مثل البرت اينشتاين وغيرهم الكثير. المشكلة في هذا الطرح هو ان الولايات كانت ولازالت بلد للمهاجرين الشرعيين وليس غير الشرعيين.
البرت اينشتاين كان مهاجرا شرعيا. انا مثلا انتظرت 3 سنوات وانتظرت عائلتي 4 سنوات حتى منحنا حق اللجوء رغم اني اجيد الانكليزية ولدي شهادتين وكتبت في صحيفتي النيويورك تايمز واللوس انجلوس تايمز. مع هذا يدخل كثير من المكسيكيين الى الولايات المتحدة عبر الحدود الطويلة غير المراقبة وعدد غير قليل منهم بلا شهادات ولا يتكلمون الانكليزية ولا نية لهم لتعلم الانكليزية بعملية عبور للحدود لاتستغرق سوى ساعات. الحل الذي يقترحه ترامب عبر طردهم جميعا غير مناسب على الاقل لمن له اطفال امريكيين لكن في نفس الوقت ترك الهجرة غير الشرعية على حالها حل غير مناسب ايضا.
لنتناول ايضا دعوة ترامب لاغلاق الولايات المتحدة بوجه المسلمين. قبل ان نسارع بشتم ترامب والجمهوريين والولايات المتحدة فلنعكس الاوضاع قليلا. عاش مسيحيو العراق لالاف السنين وهم سكان البلد الاصليون واتينا نحن المسلمون بعدهم بقرون. قبل سقوط صدام كان هناك حوالي مليون ونصف مسيحي في العراق. لم نسمع في يوم ان مسيحي فجر نفسه او قطع رأس مسلم او زرع عبوة ناسفة. مع هذا جازاهم جند الخلافة وغيرهم ممن تواطؤا معهم فهجروهم وسلبوا بيوتهم واملاكهم. وهم اليوم لايزيدون على 200 الف. تصوروا لو ان المسيحيين في العراق قاموا بشيء مثل 9/11 او هجمات مثل سان برناردينو واورلاندو. ماهو رد فعل المسلمين المتوقع؟
يعيش في الولايات المتحدة حوالي 3 ملايين مسلم بعضهم مهاجرون او ابناء مهاجرون. اعادت الولايات المتحدة توطين 150 الف عراقي و30 الف افغاني واكثر من 10 الاف سوري في الاراضي الامريكية خلال ال10 سنوات الاخيرة. خلال السنة الاولى من حياة هؤلاء اللاجئين في الولايات المتحدة واحيانا حتى بعد السنة الاولى يحصل هؤلاء على سكن مجاني ل4 اشهر وعلى بطاقات طعام مجاني ل 8 اشهر وعلى تأمين صحي مجاني لمدة سنة. تدفع مصاريف جميع هذه البرامج من الضرائب التي تستقطع من رواتب واجور المواطنين الامريكيين. تصورا رد فعل الامريكي عندما يعلم ان لاجئا او ابن لاجئ مسلم دخل على الدائرةالحكومية التي يعمل فيها هذا المسلم وتعطيه راتب هو وزوجته ليقتلوا عشرات من الموظفين الزملاء لهذا المسلم؟ انا بالطبع ارفض تماما دعوة ترامب لاغلاق الولايات المتحدة بوجه المسلمين لكنني مع هذا اتفهم من اين تأت مثل هذه الدعوات.
خذ قضية الموقف من الافارقة. الاعلام الليبرالي يرسم صورة غاية في السطحية لهذه المسألة شديدة التعقيد. هذه الصورة تظهر الزنوج كضحايا للشرطة الامريكية التي تصور وكأنها في مهرجان لقتل الافارقة. المشكلة الرئيسية التي لايتكلم عنها الاعلام الليبرالي في نيويورك هي قضية توظيف الافارقة وهي مفتاح لحل مشاكلهم. من يعيش في اميركا يدرك انه في كثير من الاحيان تبدو الوظيفة الوحيدة المتاحة للافريقي هي موظف الامن. في صحيفة ليبرالية مثل النيويورك تايمز التقيت في بغداد بعشرات من المراسلين لم يكن فيهم سوى مراسل اسود واحد وقد طرده مدير مكتب بغداد لاحقا. مع ملاحظة ان الافارقة يشكلون اكثر من ربع سكان نيويورك.
قضيت اجازة قبل اشهر في العاصمة واشنطون وهي مدينة نصف سكانها من الافارقة. رغم كل الخطابات العاطفية للرئيس اوباما لازالت واشنطون توظف الافارقة بعنصرية .ربما 90 % من موظفي الامن من الافارقة. غالبية موظفي الحكومة الفدرالية لازالو من البيض. تكاد ترى في كل شارع من شوارع واشنطون متشردين افارقة وهم امر مخز لادارة اوباما. والحق ان موقف الديمقراطيين والليبراليين من قضية الافارقة هو موقف منافق. فهي قضية تستغل في الاعلام لجلب الاصوات لكنهم لايفعلون اي شيء لحل جذر القضية وهي مسألة التوظيف. وبالتأكيد ان ما يفغله بعض مناصري ترامب من ضرب الافارقة خلال التجمعات الانتخابية هو امر مدان.
القضية الاخرى التي يركز عليها ترامب هي الموقف من الصين وسياستها في تخفيض قيمة عملتها. كل الامريكيين والمقيمين في الولايات المتحدة يدركون ان غالبية البضائع المتوفرة في الاسواق والمولات هي بضائع صينية. اسواق (تارغت) وهي عادة تبيع باسعار مخفضة الجزء الاكبر من الملابس فيها صينية. اسواق (ميسي) وعادة ما تجلب بضاعة ممتازة وغير رخيصة ستتفاجأ عندما تعلم ان غالبية الملابس هناك (وهي غير رخيصة) صينية ايضا. محلات ال(والمارت) تعرض كما هائلا من البضائع الصينية.
في احد الايام قررت شراء (بوت) امريكي. الحذاء او البوت الذي اشتريه عادة يكون بنوعين درجة اولى ب50 دولار ودرجة ثانية ب 40 دولار.كلا النوعين مصنوعين في الصين. البوت الامريكي وهو بالضبط نفس البوت من الدرجة الاولى (الفرق الوحيد انه مصنوع في الولايات المتحدة) كان يباع بأكثر من 100دولار. باختصار مادامت الصين تخفض سعر عملتها عمدا فسيستمر اغراق الاسواق الامريكية ببضائع صينية رخيصة. وانا اتفق مع ترامب ان هذا شيء يجب ان يتغير.
ولد ترامب ونشأ في حي يعد من ضواحي كوينز في نيويورك. لكنه حي اقل تنوعا من كوينز. وحاول ان يستغل ثروته ليقبله مجتمع نيويورك الراقي ولكنه لم يقبل وينظر اليه جزء كبير من النيويوركيين باشمئزاز مصحوب بالحسد. اما كلنتون فقد حاولت وزوجها بناء قاعدة لهما في نيويورك بعد انقضاء حقبة رئاسة زوجها. ولكنهما رفضا ايضا خصوصا زوجها المتورط بفضائحه مع النساء. وفي وقت ما اصبحت عائلتي ترامب وكلنتون اصدقاء يجمعهما رفض مجتمع نيويورك الراقي لهما. امر مهم اخر عن ترامب هو ان كل ما يقوله قد يتغير لان ما يبتغيه الان هو جذب الاصوات فقط عبر اثارة الانتباه دون عناء الاقتناع باي رأي حقيقي في مسائل الساعة الملحة. في حين غيرت كلنتون مواقفها طبقا لمصالحها او تبعا لقناعات جديدة.
ورغم ان فكرة فوز ترامب تبدو مستحيلة للكثيرين فهي برأيي ممكنة. فقد هزم ترامب حوالي 20 مرشح جمهوري بينهم اعضاء مجلس شيوخ وحكام ولايات. ما يجب فهمه هو انه لم تجر انتخابات رئاسية في التاريخ المعاصر للولايات المتحدة حيث كلا المرشحيين مكروهين من غالبية الامريكيين كما في هذه الانتخابات. فمن سيصوت لترامب سيصوت لانه يكره كلنتون والديمقراطيين والمؤسسة السياسية التقليدية الفاسدة في واشنطون. اما من سيصوت لكلينتون فهو سيصوت كرها بترامب والجمهوريين ورجال الاعمال ونجوم تلفزيون الواقع. كما ستكون هذه الانتخابات استمرارا لانتخابات عام 2012 عندما صوتت النساء واللاتينيين والأفارقة لاوباما في حين صوت الرجال البيض لرومني.
النقطة قبل الاخيرة هي انه في حالة انتخاب كلنتون للرئاسة فانها ستكون اول رئيس مؤهل للرئاسة منذ 24 سنة. رغم كرهي لبوش الاب لانه خذل العراقيين بعد ان دعاهم للثورة على صدام في انتفاضة اذار 1991 فان الحق يقال انه كان اخر رئيس مؤهل للرئاسة. فقد خدم كطيار في الحرب العالمية الثانية ثم كعضو مجلس نواب ثم كسفير في الصين والامم المتحدة ثم كرئيس للحزب الجمهوري ثم كمدير للمخابرات المركزية واخيرا كنائب رئيس ل 8 سنوات. ماهي مؤهلات بيل كلينتون؟ لاشئ! حاكم ولاية اركنساس. ماهي مؤهلات بوش الابن؟ لاشئ! حاكم ولاية تكساس. ماهي مؤهلات اوباما؟ لاشئ! سناتور عن ولاية الينوي. تسبب الثلاثة في كوارث للشرق الاوسط.
كلينتون كانت سيدة اولى في اركنساس وفي البيت الابيض ثم سناتورة عن نيويورك ثم وزيرة خارجية وبالتالي هي مؤهلة للرئاسة.ستكون سياستها في الشرق الاوسط استمرارا لسياسة اوباما مع ميل لليمين. واغلب طاقمها من المستشارين عملوا في ادارة اوباما. اما ترامب فهو مؤهل لرئاسة مجلة البلاي بوي! وقد عين الاكاديمي وليد فارس كمستشار للشؤون الخارجية ولشؤون الشرق الاوسط وهو من اصل لبناني ماروني وسبق له ان عمل مع حزب القوات اللبنانية وتعد طروحاته متطرفة وربما سيكون برنارد لويس جديد اذا انتخب ترامب.
النقطة الاخيرة هي انه طبقا لنظريتي في وجود علاقة بين الحزب الفائز في انتخابات الرئاسة الامريكية وكارثة في السياسة الخارجية للرئيس السابق من الحزب المنافس فان الفائز في الانتخابات القادمة سيكون ترامب. في 1952 فاز ايزنهاور الجمهوري بعد انتصار الشيوعيين في الصين ونشوب الحرب الكورية. في عام 1960 فاز كينيدي الديمقراطي بعد انتصار كاسترو في كوبا. في عام 1968فاز نيكسون الجمهوري بعد تورط امريكا في فيتنام. في عام 1976 فاز كارتر الديمقراطي بعد انتصار الشيوعيين في فيتنام ولاوس وكمبوديا. في عام 1980 فاز ريغان الجمهوري بعد انتصار الخميني في ايران والغزو السوفيتي لافغانستان. في عام 2000 فاز بوش الجمهوري بعد انسحاب امريكا من الصومال وسحب المفتشين من العراق وظهور القاعدة. في عام 2008 فاز اوباما الديمقراطي بعد ورطة حرب العراق وانتشار القاعدة بعد 11\9.
الاستثناء الوحيد هو في فوز كلينتون الديمقراطي عام 1992بعد هزيمة صدام في الكويت وانهيار الاتحاد السوفييتي والانظمة الشيوعية في اوروبا الشرقية. اذا صحت نظريتي فان ترامب الجمهوري سيفوز عام 2016 بعد كارثة ظهور تنظيم الدولة.