الانتخابات والشرعية
14-آب-2023
محمد عبد الجبار الشبوط
مع تصاعد الحديث عن الانتخابات المحلية في العراق ارسل لي صديق الترجمة العربية لمقال كتبه خبير ايراني عن الانتخابات، قال فيه:
"كانت فلسفة إجراء الانتخابات في إيران هي الحصول على شرعية النظام السياسي من خلال المشاركة الشعبية وليس التداول السلمي للسلطة بين النخب والأحزاب. لذلك ، في غياب المشاركة الشعبية، تتضرر أيضًا شرعية النظام السياسي ولا يمكن للمؤسسة الانتخابية أداء أي من الوظيفتين."
وهذا تلخيص جيد لفكرة الانتخابات والوظيفة التي تؤديها في نظام ديمقراطي.
فالوظيفة الاولى للانتخابات هي "الحصول على الشرعية"، والمقصود هنا شرعية السلطات الحاكمة وليس شرعية النظام السياسي نفسه، لان هذا موضوع اخر. وسوف اتحدث عن شرعية النظام وشرغية الحكام في مقال اخر. والمعلوم ان هذه ، اي مسالة الشرعية، هي مسألة المسائل في النظام السياسي. فالمجتمع ينقسم كما هو معروف الى فئتين: فئة الحاكمين وفئة المحكومين، كما لاحظ العميد دي جي وباريتو وموسكا وغيرهم. والسؤال الازلي هو: باي حق تحكم فئةُ الحاكمين فئةَ المحكومين؟ اي ماهو مصدر شرعية الحاكمين؟ والجواب التقليدي حسب النظام الديمقراطي هو: الانتخابات. فالاصل ان كل افراد المجتمع العاقلين والبالغين يملكون ولاية متساوية حسب الفهم المستخلص من قوله تعالى:" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"، وقوله تعالى:"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ". وان ابناء الشعب يختارون عددا قليلا منهم من خلال الانتخابات للقيام بمهام الحكم والادارة بما يتطلبه ذلك من صلاحيات وسلطات على بقية الناس. وهذه هو مصدر الشرعية. وهي الشرعية الانتخابية او شرعية التمثيل، كما يسميها ديفيد ايستون (١٩١٧-٢٠١٤). والمشكلة ان الشرعية الانتخابية لا تشترط عددا معينا من المحكومين المشاركين في الانتخابات. وهذه ثغرة في الفكر السياسي والدستوري، والا فقد ينبغي اشتراط اغلبية النصف+١ من عدد الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات لتكون الانتخابات صالحة لمنح الشرعية، وبخلافه يُصار الى اعادة الانتخابات.
هذا على مستوى النظرية، والنظرية تقول ان الانتخابات السليمة من كل خدش هي مصدر الشرعية السليمة من كل خدش للسلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد. ومن هنا يحرص الطامحون بتولي اي من هذه السلطات على حث الجمهور للمشاركة في انتخابات منح الشرعية.
اما على مستوى التطبيق، اعني على مستوى ما يحصل في العراق، فيجب ان اشدد في البداية ان النظام السياسي الحالي في العراق ليس نظاما ديمقراطيا حتى وان وُجدت الانتخابات. ذلك ان اهون ما يسمى به هذا النظام هو electoral autocracy وبالعربية الاوتوقراطية الانتخابية وهو شكل من اشكال الحكم الاستبدادي حيث تنحصر السلطة بيد عدد قليل من الاشخاص الذين يتسترون بالانتخابات على سلطتهم الاستبدادية. وهو ما يسميه موريس دو فورجيه (١٩١٧-٢٠١٤) الاوتوقراطية المقنعة. ولهذا اصبح لدينا عدد محدود من الرجال من "المكونات" الثلاثة كما يقولون، اي الشيعة والكرد وبدرجة اقل السنة، ممن يتحكمون في المشهد السياسي، وبعضهم غير منتخبين اصلا، او يملكون صفة تمثيلية مخدوشة او معيبة، ولهذا اطلقت بعض مراكز البحوث السياسية عنوان flawed democracy على النظام السياسي في العراق في البداية، لكنها انتقلت مؤخرا الى تسمية الاوتوقراطية الانتخابية.
في هذا النظام لا يهتم الحاكمون بالشرعية الانتخابية وانما بالحصة الانتخابية. فبما ان النظام السياسي قائم على اساس المحاصصة، فقد اتخذ الحاكمون الانتخابات وسيلة لتحديد حجم كل واحد منهم وبالتالي حصته في السلطة. هذه هي حدود فهمهم للديمقراطية ماداموا يتحدثون باسمها!