مصطفى ملا هذال
أيقظتني امي وانا أغط في نوم عميق، قمت مذعورا ولم اعرف ان السبب وراء صوتها المرتفع وطلبها الاستعجال في الخروج هو قدوم الرجل الذي عادة ما يأتي بمواد الحصة التموينية الشهرية من وكيل الغذائية، خرجت وانا متلهف لمعرفة المواد المرسلة فوجدتها لا تتعدى التسعة ابطال من الزيت، وهو العدد الكلي لأفراد اسرتنا وكمية قليلة من السكر والبقوليات.
فكرة البطاقة التموينية اقترحها وزير التجارة بزمن النظام السابق آنذاك محمد مهدي صالح يوم 9 آب سنة 1990، ووافق عليها رئيس الجمهورية يوم 10 آب، وأُعلن عن البدء بتطبيقها في الأول من أيلول من العام نفسه.
لجأت الحكومة العراقية وقتها الى توزيع المواد الغذائية على المواطنين، كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الحصار الاقتصادي بعد دخولها الكويت، وفُرضت عليها عقوبات من قبل المحور الغربي.
في سنة 1996، كانت الحصة التموينية لكل فرد تعادل ما قيمته 7 آلاف دينار عراقي (دولاران وأربعة وثلاثون سنتاً)، اذ كانت تُعطى الحصة بسعر رمزي، واستمرت الحال على هذه الشاكلة حتى تغيير النظام، لم تنقطع المواد الغذائية عن المواطنين، لكنها اخذت بالتناقص سنة بعد أخرى. لكن العراقيين بقوا معتمدين على مفردات البطاقة التموينية؛ لسد جزء بسيط من حاجتهم الفعلية مع ازدياد البطالة وقلة فرص العمل في المؤسسات الحكومية، وفي الوقت نفسه بدى واضحا الخلل من قبل الحكومات الانتقالية والمؤقتة في إيصال المفردات الغذائية الى المواطنين. ومن بين هذه الأسباب هي الدواعي الأمنية وما عاشه البلد من تناحر على المستوى السياسي والاجتماعي، نتيجة التحولات الكبيرة على جميع المستويات، لكن هذا لن يقلل من أهمية البطاقة التموينية وارتباطها بالاستقرار الاجتماعي في البلد دون النظر الى قلة مفرداتها والاقتصار على مادة او مادتين في أحيان كثيرة.
بينما في السابق وقبل عقدين من الزمن وصل عدد المواد الغذائية الى 10 او 11 مادة تسد الحاجات الأساسية لأغلب الاسر، ومع مرور الوقت انخفض الاهتمام الحكومي بهذه المسألة وتباعدت مدد تسليم المفردات الى أكثر من شهر ونصف في أوقات كثيرة، مما قلل اعتماد المواطنين عليها وعمدوا الى شراء الاحتياجات من السوق السوداء. شراء المواد الغذائية من السوق المحلية له العديد من السلبيات والتأثيرات على حياة المواطنين، فهو يفسح المجال امام المتلاعبين والمضاربين في الأسعار من قبل التجار بدون رقيب او محاسبة حكومية، وهنا يكون الضحية الأولى او الحلقة الأضعف هو المواطن وتحديدا أصحاب الدخل المنخفض.
وجود واستمرار توزيع مفردات البطاقة التموينية على الافراد وان كان لا يرتقي الى الحاجة الفعلية لتلك الاسر، يعد عامل توازن يمنع او يحد من ارتفاع الأسعار بصورة مستمرة، ودليل على ذلك هو انه بمجرد تأخير تجهيز الوكلاء بالمواد الغذائية يؤدي الى ارتفاع سريع وملحوظ في الأسعار. هذا يعني ان فكرة إلغاء الحصة التموينية المتداولة في الفترات الأخيرة، تعد من الأفكار الخطيرة على حياة الافراد الذين يعقدون الامل على زيادة في المواد وليس الإلغاء الذي سيزيد اعبائهم المادية ومتاعبهم اليومية. في الوقت الذي قالت فيه وزارة التجارة في بيان لها ان:"41 مليوناً و700 ألف عراقي يستلمون الحصة التموينية"، ودون نقاش جميع هذه الاعداد ستتأثر بشكل او بآخر اذما تعرضت البطاقة التموينية الى هزة حكومية تتمثل بعدم الجدية في تعزيز هذه المفردات وزيادتها بالشكل الذي خفف من شبح ارتفاع الأسعار.
حلول قابلة للتطبيق
من الحلول القابلة للتطبيق وقادرة على انهاء ازمة البطاقة التموينية هو توزيع مبالغ مالية على الاسر المشمولة بالمواد الغذائية، يرافق ذلك مراقبة فعلية للسوق ومنع الأسعار من الارتفاع، وان لم تتوفر هذه الحماية للسوق، سيكون هذا الاجراء اشبه بصب الزيت على النار. ويأتي من بين الحلول إيكال المهمة الى شركات القطاع الخاص، شريطة ان تكون هذه الشركات حاصلة على التراخيص الحكومية وتتمتع بخبرة ورصانة عالية في المجال الغذائي، علاوة على ذلك اخضاعها الى الرقابة الصارمة وضمان عدم تلاعبها في مصادر عيش الملايين من البشر.