محمد عبد الجبار الشبوط
يوجد نقاش مستمر حول أفضل السبل لبناء الدولة وتطوير مؤسساتها. من بين الطرق المحتملة لتحقيق ذلك، نجد البناء الديمقراطي الذي يشجع على المشاركة السياسية ويؤكد على المواطنة كقاعدة أساسية، من جهة؛ والبناء المكوناتي الذي يعتمد على توزيع المناصب والموارد بين القوى السياسية الممثلة للمكونات الطائفية والقومية للمجتمع، من جهة ثانية.
الطريقة الديمقراطية لبناء الدولة تعتبر المواطنة والمشاركة السياسية أساساً في تشكيل مؤسسات الدولة. تهدف الديمقراطية إلى تحقيق المشاركة الشاملة للمواطنين في عملية صنع القرار وتحديد سياسات الحكومة. وفي هذا الإطار، يتمتع جميع المواطنين بالحق في التصويت وترشيح أنفسهم للمناصب الحكومية، بغض النظر عن خلفياتهم الطائفية أو القومية، مما يعكس المساواة والعدالة الاجتماعية.
من ناحية أخرى، البناء المكوناتي يعتمد على المحاصصة بين القوى السياسية التي تدعي انها تمثل المكونات الطائفية والقومية للمجتمع. يعني هذا أن المناصب والموارد توزع حسب النسبة المئوية لكل مكون طائفي أو قومي، مما يعكس نظرة تقسيمية للمجتمع يمكن أن تؤدي إلى التفرقة والانقسام.
التحول نحو البناء الديمقراطي يمثل الخطوة الأولى نحو بناء الدولة الحضارية الحديثة. فهو يشجع على المواطنة والمشاركة السياسية كأساس للتفاعل بين الحكومة والمواطنين. من خلال المساواة في الفرص والحقوق، يمكن للمواطنين أن يشعروا بالانتماء الكامل والالتزام بالمشاركة في تحديد مصير دولتهم. وهذا بدوره يخلق بيئة مواتية للابتكار والتطور الاقتصادي والاجتماعي.
من الناحية الاقتصادية، الديمقراطية تعزز الاستقرار الاقتصادي من خلال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز بيئة الأعمال الصحية. الاستقرار السياسي يمكن أن يؤدي إلى استقرار الاقتصاد وزيادة الاستثمار، مما يعزز النمو الاقتصادي ويحسن مستوى المعيشة للمواطنين.
ومن الجانب الاجتماعي، الديمقراطية تشجع على الشمولية والعدالة الاجتماعية. حيث أنها تعمل على توفير فرص متساوية للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الثقافية. هذا يساعد في تقليل الانقسامات والصراعات الاجتماعية، ويسهم في بناء مجتمع متنوع ومترابط.
من ناحية أخرى، البناء المكوناتي يمكن أن يؤدي إلى تعزيز التفرقة والتشدد الطائفي والقومي. عندما يتم توزيع المناصب والموارد وفقاً لانتماءات طائفية وقومية معينة، قد تزداد حدة الانقسامات بين السكان وتشوه الرؤية الوطنية للدولة.
بالإضافة إلى ذلك، البناء المكوناتي قد يزيد من فرص التأثير السلبي للمحاصصة والفساد. توجيه الموارد والفرص وفقاً للانتماءات السياسية، دون الأخذ في الاعتبار الكفاءة ، يمكن أن يؤدي إلى استغلال السلطة وإهمال المصلحة العامة.
في النهاية، يمكن القول إن البناء الديمقراطي هو الذي يمكن أن يقود إلى بناء الدولة الحضارية الحديثة. إذ يشجع على المشاركة السياسية والمواطنة، ويعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بينما البناء المكوناتي قد يؤدي إلى الانقسامات والتفرقة. الالتزام بالديمقراطية كنظام سياسي يعكس احترام الحقوق والحريات الأساسية للجميع، وهو أمر أساسي لتحقيق التقدم والازدهار في المجتمعات المعاصرة.
في السياق العراقي، ادى استخدام البناء المكوناتي في بناء الدولة قد أدى إلى اقامة نظام غير ديمقراطي يعرف بالاوتوقراطية الانتخابية. في هذا النظام، تم توزيع المناصب والسلطة بناءً على الانتماءات الطائفية والقومية دون الأخذ بعين الاعتبار في الكفاءة والشفافية. هذا النوع من النظام لا يعكس المبادئ الأساسية للديمقراطية ويمكن أن يؤدي إلى تقسيم المجتمع وتقويض مبادئ المواطنة.
تحول الاوتوقراطية الانتخابية إلى تأثير سلبي على العملية الديمقراطية وعلى الحكم العادل والشفاف. فالتركيز على الانتماءات الطائفية والقومية يمكن أن يؤثر سلبًا على قدرة الحكومة في تحقيق مصلحة الشعب بشكل عام.
من الواضح أن أي نوع من البناء السياسي يجب أن يؤثر على تطور الديمقراطية بشكل إيجابي، ويشجع على المشاركة السياسية الشاملة والحكم الشفاف والعادل. على الصعيد العراقي، من المهم أن يتقدم النظام السياسي نحو تحقيق التنمية الديمقراطية والتخلص من أي عوائق تعيق هذا التطور.