التجنيد الاجباري
6-تشرين الثاني-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
باشر مجلس النواب بمناقشة مشروع قانون خدمة العلم او التجنيد الاجباري، بعد مرور ١٩ سنة من عدم العمل بالتجنيد الاجباري الذي كان معمولا به في الانظمة السابقة. وكان الدستور العراقي قد استخدم مصطلح "خدمة العلم" في الفقرة الثانية من المادة التاسعة التي تقول:"ثانياً : تنظم خدمة العلم بقانون". وهكذا احال الدستور الى النواب تشريع القانون الذي تتم "خدمة العلم" من خلاله، بما في ذلك تعريف "خدمة العلم" ذاتها. وهكذا، وبعد مرور ١٧ سنة تذكر مجلس النواب هذه الجملة، علما ان كلمة "مشروع قانون" تشير الى ان فكرة القانون جاءت من الحكومة وليس من البرلمان. وقطعا ليس من افكار حكومة السوداني.
وبرر مشروع القانون "الاسباب الموجبة" لتشريعه وهي "تعزيز قدرات الجيش العراقي ولاتاحة الفرصة امام المواطنين من الذكور لاداء خدمة العلم". (لماذا الذكور فقط؟) ولم يذكر الفوائد التي يذكرها مؤيدو فكرة التجنيد الاجباري مثل تعزيز الوحدة الوطنية والقضاء على الفروقات العرقية والدينية والمذهبية بين الناس، وتربية الشباب على معاني "الرجولة".
يفهم من القانون انه يتبنى تعريفا وحيدا لعبارة "خدمة العلم"، وهي الخدمة العسكرية الاجبارية. وهذا تعريف عسكري وحيد الجانب، ولا ينظر الى الكلمة من منظور حضاري مدني قيمي واسع.
والمعروف ان التجنيد الاجباري تقليد اخذ عدد الدول التي تعمل به بالتناقص حيث تتنوع مواقف الدول منه كما يلي:
دول بدون قوات مسلحة اصلا مثل كوستاريكا وايسلندا.
دول لا تتبنى الخدمة العسكرية الإلزامية مثل: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والعراق.
دول لديها كلا الخدمتين العسكريتين الإلزامية والطوعية مثل الصين والسويد.
دول لديها خدمة عسكرية إلزامية انتقائية مثل: الصين والمكسيك.
دول لديها خيار الخدمة المدنية غير المسلحة ولا القتالية مثل الدانمارك والسويد وسويسرا.
دول الخدمة العسكرية فيها محددة لمدة سنة أو أقل مثل البرازيل واليونان.
دول الخدمة العسكرية فيها لا تزيد عن 18 شهرا مثل المغرب والكويت.
دول الخدمة العسكرية فيها تزيد عن 18 شهرا مثل اسرائيل وايران وسوريا.
لو كنت نائبا لما ايدت مشروع التجنيد الالزامي، بسبب ما ينطوي عليه من سلبيات اكثر من الايجابيات التي يتصورها مؤيدو المشروع.
فمن ناحية اولى، لا ارى اصلا لحصر مفهوم "خدمة العلم" بالتجنيد العسكري. فقد تطورت البشرية كثيرا واخذت بالانتقال التدريجي من الدولة السلطانية التقليدية القديمة الى الدولة الحضارية الحديثة. وفي هذه الدولة يستطيع المواطن خدمة العلم بطرق شتى. وان كان لابد من خدمة الزامية فيمكن ان تكون في الحقول والمصانع والمدارس والمستشفيات ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والخدمات العامة وتنظيم المرور وغير ذلك الكثير. يمكن للشاب ان "يخدم العلم في هذه المواقع بدل الثكنات العسكرية.
واذا كان البعض يرى ان التجنيد العسكري يعد الشاب المنضبط ذا الرجولة، فان المواطن الفعال يتربى في المدرسة او المصنع او المزرعة وليس بالضرورة في الثكنة العسكرية. اضافة الى امكانية معالجة الظواهر السلبية في هذه المواقع. علما ان الظواهر السلبية في المجتمع سببها الاختلالات الحادة في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، وليس غياب التجنيد الالزامي. وليس هناك ما يشير الى امكانية معالجة هذه الاختلالات من خلال التجنيد الالزامي. اضافة الى ان التجنيد الالزامي في دولة فاشلة محكومة بالفساد المالي والاداري سيكون بابا مشرعة جديدة من ابواب الفساد. واملي ان يغلق النواب هذا الباب.
لا نقاش في ان الدولة بحاجة الى جيش قوي تحمي به حدودها وامنها، وهذا يتم من خلال انشاء جيش مهني محترف مسلح بالتكنولوجيا الحديثة ومكون من متطوعين راغبين بالسلك العسكري، ولا يتوقف ذلك على التجنيد الاجباري.