احمد طلال عبد الحميد البدري
التربية الخاصة هي عبارة عن مناهج وبرامج واساليب علمية وعملية موجهة للطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم او مشاكل او اضطرابات حسية او نمائية او عاقات نفسية او بدنية تحول دون الاستيعاب او الاستجابة السريعة لوسائل التعليم الموجهة للاطفال او الطلاب الذي لا يعانون من هذه المشاكل، وهذا يستوجب وجوب صفوف للتعليم الخاص تتضمن مناهج ورعاية خاصة بما يتناسب مع امكانية هؤلاء الاطفال الذين يكونون في مستويات فردية تختلف من طفل لاخر.
كما تتطلب وجود كادر تعليمي وتدريسي متخصص اكاديمياً وعملياً للتعامل مع هذه الحالات وتفكيك المشاكل التعليمية التي يعانون منها وصولاً لتحقيق الغاية المنشودة وهو تعليم هذه الفئات وتمكينهم من تجاوز المراحل الدراسية ودمجهم لاحقاً ضمن مجتمع الطلبة الاسوياء، وهذه الفئات تشمل الصم والعمى وضعاف السمع او الصم والعمى وضعاف البصر وصعوبات النطق وبطء التعلم واضطرابات الكلام والاضطرابات العاطفية واضطرابات التوحد والإعاقات الذهنية.
واليوم في هذه المقالة سنحاول التركيز على اضطراب التوحد التي يعاني منها نسبة كبيرة من الأطفال في العراق وهي في تزايد مستمر وتحديدا فئة الذكور والأطفال المصابون بهذا النوع من الاضطراب هم على مستويات مختلفة تبدأ ممن يعاني من متلازمة العبقرية والذين يمتازون بنسبة ذكاء عالية جدا تفوق نسب الذكاء العادية ونزولاً للحالات الشديدة التي تصل الى سلوكيات وانماط من التصرفات يجدها المجتمع غربية عليه لأنه يعاني من نقص الثقافة والمعرفة بهذه الفئة.
وحتى على مستوى وحدات وتشكيلات التربية الخاصة في وزارة التربية المسؤولة عن إدارة صفوف ومناهج الصفوف الخاصة وتدريب الكوادر المتخصصة لهذا النوع من الطلاب، وقد لفت نظرنا مؤخراً إصدار مديرية التربية الخاصة في وزارة التربية كتابها عاجل جدا بالعدد 31214 في 21/11/2023 بعنوان (تزايد أعداد الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد) والمتضمن حث مديريات التربية في المحافظات كافة تأمين التعليم الابتدائي والثانوي لمصابي متلازمة التوحد (من القابلين للتعلم) ويتم انشاء صفوف خاصة لهم في المدارس الابتدائية وتوفير الكوادر اللازمة للمدارس مع التركيز على الإدماج، ولنا على هذا الاعمام الملاحظات الآتية:
احتياجات خاصة
من الناحية التشريعية تضمن قانون رعاية ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013 جملة من الحقوق والضمانات للفئات المشمولة به ومن هذه الحقوق الحق في التعليم سواء على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي او على مستوى التعليم العالي في المادة (15/ ثانياً/ثالثاً) من القانون المذكور والزم وزارة التربية بتامين التعليم الابتدائي والثانوي بانواعه لذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة حسب قدراتهم واعداد برامج التربية الخاصة والدمج التربوي الشامل والتعليم الموازي والاشراف على المؤسسات التعليمية التي تعنى بالتربية الخاصة واعداد المناهج وتوفير الكوادر والتجهيزات الاساسية والملاكات التعليمية والفنية المتخصصة، ووفقاً لهذا النص فأن وزارة التربية ملزمة بتعليم اطفال التوحد على مختلف مستوياتهم وليس قصر الامر على الأطفال القابلين للتعلم كما ورد باعمامهم سابق الذكر.
لم تبين مديرية التربية الخاصة المعيار الذي اعتمدته لتحديد مدى قابلية طفل التوحد للتعلم حتى تسمح له بالتعليم الابتدائي او الثانوي هل توجد دراسة او تصنيفات علمية أعدت لتحديد كون طفل التوحد قابل للتعلم ام يعتمد على التجارب والملاحظات الشخصية للمشرفين او الكوادر التدريسية المسؤولة عن التربية الخاصة والتي هي غير مؤهلة أصلا لاستيعاب وفهم التربية الخاصة وأنماطها ومناهجها، ام ان هنالك معايير علمية ونفسية وطبية تعتمدها لغرض تصنيف طفل التوحد قابل للتعلم من عدمه، ولاسيما ان المشرع الزم وزارة التربية بتقديم خدماتها لكافة المستويات دون تمييز وحسب قدارتهم الفردية .
أشار الاعمام الى ان اطفال التوحد في حال تزايد مستمر ولكن نسأل هل لدى وزارة التربية احصائية دقيقة لعدد الاطفال في سن التعليم مصابين بهذا الاضطراب، وهل لديها تصنيف لمستوياتهم، وحسب علمنا انها لا تمتلك مثل هذه الاحصائية، مع الاشارة الى ان هنالك ابحاث علمية اجرت إحصاءات بجهود فردية وتوصلت الى ان عدد الاطفال المشخصين باضطراب التوحد في بغداد فقط بلغ (4422) اربعة الاف وأربعمائة واثنان وعشرين طفلا حسب احصائية الدكتور عادل الصالحي لعام 2018، وهي إحصائية تقريبية لا يمكن ان تغطي الاعداد الحقيقية، لذا ندعو مديرية التربية الخاصة في وزارة التربية الى تبني إحصائية دقيقة لعدد الاطفال المصابين بالتوحد لان هذه الإحصائية تبنى عليها المناهج والتصنيفات والكوادر المتخصصة وعدد المدارس الابتدائية والثانوية والصفوف الخاص المطلوبة .
ان تجربة التربية الخاصة في العراق لاتعد تجربه جديدة وانما هي تجربة قديمة بدأت منذ سبعينيات القرن المنصرم عندما نص قانون التعليم الالزامي رقم (116) لسنة 1976 على فتح صفوف التربية الخاصة، الآن ما توصلت اليه من نتائج يتجافى مع طول التجربة التي يجب ان تكون متطورة وبلغت مستوى عاليا من الجودة.
أخفقت تجربة التربية الخاصة في الدمج الشامل وفي القضاء على حالات التنمر الصادرة من الاطفال وحتى الكوادر التعليمية المسؤولة عن الصفوف الخاصة.
ما زالت الكوادر المشرفة على المؤسسات التي تتبنى التربية الخاصة الحكومية والأهلية تركز على الجانب الورقي لعمل هذه المدارس، دون التركيز على الوضع الشخصي لطفل التوحد والضغوطات النفسية التي يعاني منها اجتماعياً، كما ان اغلب مناهج التربية الخاصة أعدت لنفس مستويات الطلاب الذين لا يعانون من الصعوبات في التعلم.
تحول بعض مؤسسات التربية الخاصة الأهلية الى أماكن للإيواء والتركيز على الجوانب التجارية والربحية في عملها.
ضعف التركيز على الجانب الإعلامي لتوعية وتثقيف المجتمع في كيفية التعامل مع هذه الفئة في الأماكن العامة ولاسيما ان قانون ذوي رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013 قد خص هذه الفئات بامتيازات كتسهيل النقل في وسائل النقل العام وتخفيض أسعار التذاكر بنسبة (50 بالمئة) لتذكرة النقل الجوي ولمرتين في السنة والإعفاء من ضريبة الدخل بنسبة (10بالمئة) من مدخولاتهم وتوفير القروض والإعانات النقدية وغير ذلك .
غياب الكتب المرجعية سواء ما يتعلق منها بمناهج التعليم أو وسائله او في ما يتعلق بطرق تدريب معلمي ومدرسي التربية الخاصة.
يمكن الرجوع اليها في حالة وجود مخالفات لتشخيص الخلل ومعالجته في العملية التربوية والتعليمية.
لما تقدم ندعو وزارة التربية الى تفعيل النصوص الخاصة بعملها الواردة في قانون ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013 وإبداء الرعاية والاهتمام بهذه الفئة والله الموفق.