التسول مهنة جديدة في العراق
7-تشرين الثاني-2022
كاظم عناد الجيزاني
ينتشر المتسولون في شوارع بغداد حاملين صغارهم وعوقهم وشيخوهم كوسيلة لطلب المساعدة من المارة، هي ظاهرة اتسعت في الاونة الاخيرة وسط غياب الدور الحكومي لمعالجة هذه الظاهرة، فمن يتجول في بغداد يرى المتسولين من مختلف الاعمار والاجناس عند تقاطع الشوارع يطرقون نوافذ السيارات طلباً للمساعدة وهم يحملون اطفالا صغارا، ومنهم من يقف عند ابواب المحال التجارية، واخرين يدخلون مباني الكليات الجامعية ودوائر الدولة من دون ان يمنعهم احد.
يقول المسؤولون ان ابرز الاسباب التي دفعتهم لاحتراف التسول هي عمليات التهجير القسري من مناطقهم واعمال العنف الطائفي التي ابقت الكثير من العائلات من دون معيل.
ويقول احد المعاقين، انه ضحية لاحد التفجيرات التي تركته معوقا لا يستطيع تأمين قوته الا الوقوف امام باب احد المطاعم لضمان الحصول على المساعدة من رواده بعد ان عجز عن مراجعة الدوائر الحكومية طلباً للمساعدة الاجتماعية. فيما يحذر اخصائيون وباحثون اجتماعيون من تنامي ظاهرة التسول التي يرون انها نتاج الازمات والحروب التي مر بها المجتمع في العقود الماضية، والتي ذهب ضحيتها كثير من معيلي العائلات فضلا عما خلفه العنف من اثار سلبية اجبرت كثيرين على التسول، للبحث عن لقمة العيش حيث عجزت الحكومة عن تقديم المساعدة لهم للحصول عليها، لكن لو اخذنا الوجه الثاني للتسول لما أعطينا فلسا واحدا لهؤلاء المتسولين، حيث يصفون انفسهم بالفقراء، والحقيقة ان الفقراء لا يتسولون.
لقد تغيرت ظاهرة التسول في العراق بعد الاحتلال حتى أصبحت مهنة يديرها متعهدون محترفون تدر عليهم ارباحاً من غير خسارة كما يعتاش عليها مئات من الأطفال والشيوخ والنساء، ويستخدم متعهدو شبكات التسول مجاميع مختارة من النساء وكبار السن والأطفال، خصوصاً المعاقين منهم في هذه التجارة لاستمالة عطف الآخرين، ووصل حد التنافس بين اولئك المتعهدين الى إجراء مزايدة بينهم للفوز بالأماكن السكانية المزدحمة او عند تقاطع الإشارات الضوئية او بالقرب من المراكز التجارية حيث و صل سعر تأجير بعض الامكنة في المنصور والمراكز التجارية في الشورجة والكرادة وساحة اللقاء الى خمسة ملايين دينار عراقي شهريا (نحو 4 الاف دولار امريكي)، بالإضافة الى تدخل بعض المسلحين في عملهم خصوصاً بالمناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات التي تفرض عليهم إتاوات مقابل السكوت عنهم، وموجة العنف التي طالت متعهدي شبكات التسول بسبب التنافس على استخدام الاطفال وبشكل خاص المعاقين منهم.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من هو المسؤول عن هذه الظاهرة؟ هل لاصحاب النفوذ والاموال يد في انتشارها ودعمها بالخفاء؟ اين دور لجان مكافحة التسول ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية؟ هل التسول استغلال ام حاجة ملحة؟
ان ظاهرة التسول أصبحت أزمة حقيقية تؤرق المسؤولين والمواطنين لما لها من اثار مدمرة ومخاطر اجتماعية عديدة، والمشكلة انه كلما تمنينا ان تكون مجرد هبة رمضانية وتنحسر نفاجأ بالتسول، وقد اضحى عملية مؤسسة ومنظمة ومستمرة ولن تنتهي بسهولة، بل ان تجاوز التسول الى النشل والسرقة وجرائم اخطر من ذلك بكثير هي مسألة ملموسة من تجارب العديد من المجتمعات وفي ذلك مخاطر حقيقية على الوطن المواطن. وهنا سنخالف كل من يحاول لصق التسول بالحاجة الحقيقية لأننا نكاد نجزم إن غالبية هؤلاء المتسولين مستوردون من الخارج كمنتجات تدر ارباحاً لشركات متخصصة في هذه المهنة المشينة، وقد ذكرت شركات مع فارق التشبيه بسبب ان العملية منظمة بشكل احترافي وموجه للكسب غير المباح عند إشارات المرور والمساجد والمطاعم وغيرها من منافذ التوزيع المدروسة بعناية فائقة، تحدد نوعية العميل المستهدف ومدى تواجد المعوقات والمطاردين وكذلك مسارب الهروب عند اقتراب الخطر، ويغلب الظن ان في الامر مافيات وليس شركات حتى لا نستبعد عنصر الجريمة في هذه الظاهرة.
إن البطء والتأخير في حل هذه المشكلة قد يعود الى تضارب الصلاحيات بخصوص من يعالج الوضع إضافة إلى صعوبة التعامل مع المتسولين الذين يتكاثرون بمتوالية هندسية غريبة إضافة الى ضعف إمكانية هيئة مكافحة التسول ،ولكن من تجاربنا الحية نعرف ان الجهات الحكومية المعنية متى ما قررت بتر هذه الظاهرة فلن تعدم المسؤولين والمساندين، والجهد الموجه لوضع حد لمرض اجتماعي مدمر مثل التسول، رغم التركيز على المسائل الاجتماعية عند مناقشة التسول وما ينتج عنه، إلا إنني اعتقد ان للموضوع أبعادا اقتصادية وتسويقية متعددة لا يجب الغفلة عنها.
الناس يجمعون على انها ظاهرة غير حضارية ولا تمت الى التمدن بصلة ونحن على يقين بان ليس كل من يتسول هو محتاج لذلك، ولكن بغض النظر عمن هو محتاج او غير محتاج، يجب ان يتخذ المعنيون خطوات لتحجيم هذه الظاهرة وتمزيقها، لكن اين المؤسسات الدينية من كل ذلك؟ ثم اين دور الجامعات ومراكز العلم والشؤون الاجتماعية فقد طفح الكيل وبدأت التجاوزات تصل الى ما لا يسكت عنه.
هذه المشكلة أصبحت للأسف مدعاة للسخرية وظاهرة سلبية تشوه المجتمع العراقي وجمال العاصمة بغداد الحبيبة حيث نتأمل ان نلبسها حليتها البهية لنقضي على الشوائب والإفرازات التي خلفت لنا نتيجة الأوضاع التي مررنا بها، فهل يعني المعنيون بالأمر ويستجيبوا لذلك؟
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech