التصحر يبتلع ملايين الدونمات من أراضي العراق بنسبة 71 بالمائة
17-حزيران-2023
بغداد ـ العالم
يُصادف اليوم السبت 17 يونيو/ حزيران، اليوم العالمي للتصحر ، وهو يوم يهدف لتعزيز الوعي بالتصحر والجفاف، كونهما من أكبر التحديات البيئية في أيامنا هذه.
وتعني الصحراء أن الأرض قاحلة (غطاء نباتي نادر أو غير موجود)، وأن مستوى الهطول فيها قليل ، وبالتالي فإن التصحر هو عملية تحول الأراضي الزراعية الخصبة إلى أراضي جافة وقاحلة، وهو يهدد حياة المجتمعات الاقتصادية والمعيشية. وتبلغ نسبة التصحر في العراق 71% من الأراضي المروية، وهي أعلى من نسبة التصحر في تركيا ولبنان وسوريا.
وهناك عوامل طبيعية وبشرية تسبب التصحر في العراق، مثل المناخ الجاف والحار، وانخفاض نسبة تساقط الأمطار، والرياح السائدة، والتغير المناخي، والتلوث النفطي والفساد وغياب السياسات والخطط الحكومية الفعالة. وقد اثر سلبا على الزراعة والثروة الحيوانية والأمن الغذائي والمائي في العراق.
تحديات كبيرة وإجراءات قاصرة
وتصنف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثرا بالتغير المناخي في العالم ، في حين يندد العراق بالسدود التي تبنيها تركيا وإيران المجاورتان والتي تسببت بنقص ملحوظ بمنسوب الأنهار الوافدة إلى أراضيه. ومع تراجع الأمطار، استفحل الجفاف والتصحر بقوة في السنوات الأربع الأخيرة، ما دفع السلطات إلى الحد بشكل كبير من مساحات الأراضي المزروعة بما يتناسب مع كميات المياه المتوفرة.
الجفاف في العراق يجبر 3 آلاف عائلة على النزوح
ويواجه العراق تحديات كبيرة في مكافحة ظاهرة التصحر، وعلى الرغم من بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والمنظمات المعنية للحد من هذه الظاهرة، مثل إطلاق مبادرة وطنية لزراعة المناطق الصحراوية بأشجار مقاومة للجفاف والملوحة ، وإقرار قرار مجلس الوزراء (379 لسنة 2021) لمعالجة ظاهرة ملوحة نهر الفرات وإنشاء حزام أخضر محاذي للطريق الدولي ، وتشكيل لجان متخصصة لدراسة أسباب وآثار التصحر وتقديم توصيات وحلول عملية ، وكذلك محاولة تطبيق أساليب زراعية مستدامة وتحسين أنظمة الري والتصريف ، وتوعية المزارعين والرعاة بأضرار التصحر وكيفية التكيف معه ، الا ان هذه الإجراءات في معظمها بقيت حبراً على الورق ولم تأخذ الاهتمام الحكومي الكافي والمرادف لخطورة هذه الظاهرة.
مشكلات تعيق الاجراءات
وهناك عدة مشكلات تواجه تنفيذ الإجراءات المتخذة لمكافحة التصحر في العراق، منها نقص الموارد المالية والبشرية والتقنية للوزارات والمؤسسات المعنية ، وعدم التنسيق والتعاون بين الجهات الحكومية والمحلية والمجتمعية ، وعدم وجود تشريعات وسياسات واضحة وفعالة لحماية الأراضي من التصحر، والفساد والتدخلات السياسية ، هذا بالإضافة الى تأثير النزاعات والحروب والإرهاب على البيئة والزراعة ، وتأثير النشاطات النفطية والصناعية على التلوث والتغير المناخي.
الحلول بحاجة الى جهود
ويرى خبراء البيئة والمناخ، بأن حل هذه المشكلات يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومة والمجتمع والمنظمات الدولية، وبعض الحلول المقترحة هي ، زيادة التخصيصات المالية والدعم الفني والتدريبي للوزارات والمؤسسات المعنية بمكافحة التصحر ، وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجهات الحكومية والمحلية والمجتمعية والدولية في تنفيذ الخطط والبرامج والمشاريع المتعلقة بمكافحة التصحر.
كما يؤكد الخبراء على أهمية إصدار وتطبيق تشريعات وسياسات واضحة وفعّالة لحماية الأراضي من التصحر وضبط استخدامها ، ومكافحة الفساد والتدخلات السياسية التي تعيق تنفيذ المشاريع الزراعية والبيئية ، وكذلك إعادة إعمار البنى التحتية المتضررة من النزاعات والحروب والإرهاب وتأمين الأمن والاستقرار ، وتقليل تأثير النشاطات النفطية والصناعية على التلوث والتغير المناخي من خلال اتخاذ إجراءات صديقة للبيئة.
غياب الإرادة السياسية
ويرى مختصون ، ان هذه الحلول تحتاج إلى إرادة سياسية واجتماعية ودولية قوية لتنفيذها في ظل الوضع الراهن، ولكنها ليست مستحيلة. إذ ان العراق لديه إمكانيات وموارد كبيرة يمكن أن تساهم في مواجهة التحديات البيئية والزراعية، إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح وفعّال. كما أن هناك دعم دولي متوفر للعراق في مجال مكافحة التصحر من خلال المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة، إذا ما تم التعاون معها بشكل جدي وشفاف.
آثار سلبية بدأت بالظهور
وحتى منتصف مارس/آذار، كانت هناك "12 ألفا و212 عائلة (73 ألفا و272 شخصا) نازحة بسبب الجفاف في عشر محافظات عراقية" في وسط وجنوب العراق، بحسب تقرير نشرته مؤخرا منظمة الهجرة الدولية.
ومن بين المحافظات الأكثر تأثرا، محافظات ذي قار وميسان والديوانية، وفق المنظمة، مشيرة إلى أن 76 في المئة من العائلات النازحة تذهب إلى مناطق حضرية.
وفي أبريل/ نيسان، حذر تقرير أممي من خطر "الاضطرابات الاجتماعية" التي ربما تنشأ عن العوامل المناخية. ونبّه التقرير إلى أنه "في ظل غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية الكافية (..) ربما يؤدي التحضر والانتقال إلى العيش في المدينة بفعل المناخ إلى تعزيز هياكل قائمة مسبقا من التهميش والإقصاء".
في العراق الذي يبلغ عدد سكانه 42 مليونا، يعيش عراقي واحد من خمسة في منطقة يضربها نقص المياه، وفق التقرير نفسه.
ويشكل ذلك تحديا كبيرا في بلد يعتمد بشكل كبير على النفط ويجد صعوبة في تنويع اقتصاده.
وتمثل الزراعة نسبة 20 في المئة من الوظائف وتعتبر ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة، بعد النفط.
وبسبب الجفاف والتصحر، باتت "آلاف الدونمات الزراعية" في محافظة الديوانية على سبيل المثال ، مهجورة، وفق المحافظ ، بعضها منذ خمس سنوات.
وتعيش 120 قرية في المحافظة من دون ماء للشرب والاستعمال اليومي، مقابل 75 في 2022. ومنها قريتا آل خنيجر وآل بو زياد حيث قناة الري الرئيسية جافة بالكامل. وفي آل بو زياد، لا تزال هناك 170 عائلة في القرية، وفق مختارها منذ 12 عاما، ماجد رحام.
ووفقاً لبعض المصادر ومنها وزارة الزراعة الاتحادية، فإن مساحة الأراضي المتصحرة في العراق يبلغ نحو 27 مليون دونم أي ما يعادل تقريبا 15% من مساحة البلاد، فيما نحو 55% من مساحة العراق تعد أراضي مهددة بالتصحر، وأكثر المحافظات تضرراً هي ذي قار بنسبة تضرر بلغت 53%، أما باقي المحافظات فالنسب فيها تتراوح من (1-14)% .
إقليم كردستان والمساحات الخضراء
وللحد من التأثيرات السلبية لظاهرة التصحر على إقليم كردستان، خاصة في المناطق السهلية منه ، تجري حملات مكافحة التصحر من خلال التشجير وزيادة المساحات الخضراء .
واتخذت حكومة إقليم كردستان خطوات جادة لزيادة المساحات الخضراء وزيادة الوعي البيئي بين المواطنين وأصحاب المصانع من أجل حماية بيئة كوردستان وخضرتها. فمثلاً ، يجب على كل مصنع ومعمل ومشروع تخصيص ربع مساحته الكلية للخضرة، وإلا فلن يكون المشروع مرخصًا له بالعمل.
كما تعلن وزارة الزراعة والموارد المائية في حكومة إقليم كوردستان إطلاق حملات للتشجير وزيادة المساحات الخضراء في مناطق ومدن الإقليم كافة ، كما تمنح المزارعين والدوائر والمؤسسات الرسمية شتلات الأشجار بلا مقابل مادي بهدف إنجاح خطة زيادة عدد الأشجار والمساحات الخضراء في الإقليم ، فيما رئيس الحكومة مسرور بارزاني يؤكد باستمرار على ضرورة وأهمية زيادة المساحات الخضراء ودعم السياحة والبيئة ويعمل من اجل ذلك وفق برنامجه الحكومي.
وبشكل عام، يمكننا القول أن إقليم كردستان يتمتع بمناخ أكثر رطوبة وتنوعاً من باقي العراق، ولهذا فإنه يحتوي على مزيد من المساحات الخضراء والغابات والمروج والبساتين. بينما يعاني العراق من التصحر والشحة المائية وتلوث الهواء، وهذه العوامل تؤثر سلباً على المساحات الخضراء والزراعة.