التعايش السلمي
11-تموز-2023
محمد عبد الجبار الشبوط
(٢- ٢)
في سياق حديثه عن الخلاف الشيعي السني، طرح قبل سنوات العالم الفيزياوي العراقي البارز (وهو سني المذهب) الدكتور محمد باسل الطائي مقترحا لتسوية الخلاف من الممكن ان يكون قاعدة للتعايش السلمي بين الطرفين.
يورد محمد باسل الطائي نصين مهمين في الادبيات الاسلامية هما: اية "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" (المائدة 55) وهي اية مدنية يكاد يتفق معظم مفسري الشيعة والسنة على القول بانها نزلت في الامام علي بن ابي طالب بغض النظر عن تفسيرهم لمعنى كلمة "وليكم". وقد اقر الطائي بذلك. كما اقر بوجود حدث اسمه غدير خم شهد خطبة الوداع للنبي في ١٨ ذي الحجة. وقال ان هذا امر "متفق عليه". وقال ان المتفق عليه ايضا ان النبي قال في هذه الخطبة:"من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه … "الى اخر الخطبة. وهذا هو النص الثاني. رفض الطائي القول بانقلاب الصحابة على هذا القول. لكنه وبناء على ما اطلق عليه اسم "المنهج الاجمالي" في فهم القران الكريم عمل على الجمع بين النصين، رافضا اهمال حديث الغدير. مؤكدا ان النبي اعطى عليا "ولاية"؛ فما هي هذه الولاية؟ فسر معنى "الولاية" بناء على حادثة اعلان الايات الاول من سورة التوبة في القصة المعروفة. جوهر القصة يتمثل في ان الرسول محمد جعل ابا بكر اميرا للحج عام ٩ للهجرة، وطلب منه، كما تقول بعض صيغ القصة، ان يتلو على الناس الايات الاولى من سورة التوبة النازلة حديثا. وبعد انطلاق ابي بكر الى مكة، جاء جبرائيل واخبر الرسول ان يكلّف ابن عمه علي بن ابي طالب بذلك، بدل ابي بكر. وقد عزّ ذلك على نفس ابي بكر فسأل النبي لاحقا عن سبب هذا التغيير، فقال له النبي:"لا يؤدِّي عني إلا رجلٌ من أهلِ بيتي"، او "مني"، حسب الروايات المختلفة.
واستنتج الطائي من هذه القصة ان تبليغ الدين يتم عن طريق النبي او رجل منه وكان علي هو الرجل. وفهم من هذه الحادثة ان الولاية التي اعطيت الى الامام علي هي "ولاية دينية ..فهو ولي المؤمنين بعد الرسول" وقال ان المسألة مقسمة: ادارة دنيوية وهذه تتم عن طريق الشورى حسب نص القران، و هي الحكم والسياسة وادارة شؤون الدولة. وهناك امارة دينية تتم بالتعيين من قبل الرسول، وقد عين الرسول الامامَ علي. قال ان على السنة ان يعترفوا بمكانة الامام علي الشرعية والدينية وعليهم ان يراجعوا مصادر التشريع وان يحققوها مرة اخرى ويستفيدوا من فقه الامام علي، وعلى الشيعة ان يعترفوا بصحة ولاية وخلافة الخلفاء الثلاثة الاول. اما ما حصل بعد استشهاد الامام علي فامر اخر مختلف كليا حيث تحولت الخلافة الى ملك عضوض. ودعا الى وقف التثقيف السلبي، وفي نفس الوقت قال انه لا ينبغي ان نساوي بين الامام علي وبين من هو اقل منزلة منه او من جاء بعده او من ناصبه العداء او من قاتله او من قتل ابناءه. واكد ان الامام علي هو ولي الدين ثم امير المؤمنين، اما ابو الصديق فهو امير المومنين معلنا ان ولاية الدين بدأت مع الامام علي. طرحت هذه الفكرة في مقال سابق، لكنها واجهت ردود فعل مختلفة، بين رافض لها، او قابل بها، او قائل انها فكرة سطحية لا تصمد للنقاش. ولكني ارى ان الفكرة جديرة بالتأمل والنقاش، لانها تؤدي الى تسوية الخلاف على قاعدة win-win المعروفة، على ان يجري النقاش بين اشخاص يتمتعون بالمرونة والرغبة في التوصل الى تسوية تاريخية للخلاف الذي مزّق الامة.