الحدود السياسية للقضاء الدستوري
27-تشرين الثاني-2023

احمد طلال عبد الحميد البدري
لا شك ان هنالك ارتباطا وثيقا بين القضاء الدستوري والسياسة، لان وظيفة القضاء الدستوري مراقبة مدى خضوع الجميع حكاماً ومحكومين للوثيقة السياسية (الدستور)، حتى اطلق جانب من الفقه على هذا النوع من القضاء مصطلح (القضاء السياسي)، وان كان هنالك اتجاهين لتحديد طبيعة الرقابة التي يمارسها هذا القضاء.
الأول يذهب الى اعتبار رقابة القضاء الدستوري ذو طبيعة قانونية بحتة وهو الاتجاه التقليدي، حيث يذهب أنصار هذا المبدأ الى ان مهمة القاضي الدستوري تنحصر بالفصل بالمنازعات الدستورية بجانبها القانوني الصرف، وهو بهذا الوصف يمارس – القضاء الدستوري – عملاً قضائياً خالصاً وليس دوراً سياسياً.
فهذا الاتجاه يحدد مهمة القاضي الدستوري بالفحص والمطابقة النصية للتشريع للدستور، او مدى تطابق حيثيات النزاع الدستوري المثار أمامها لأحكام الدستور بما يحافظ على مبدأ المشروعية الدستورية، وهو يعتنق المدرسة النصية ويحصر اعمال القضاء الدستوري باعمال المطابقة النصية دون التدخل باعمال السلطة التشريعية ودون تعديه المجال القانوني الى المجال السياسي، فاعمال تفسير النصوص تنحصر في الاطار القانوني والدستوري دون التأثر بالابعاد السياسية. اما الاتجاه الحديث لطبيعة عمل القاضي الدستوري فهو الاتجاه الذي يعطي لعمل القاضي الدستوري طبيعة مزدوجة قانونية وسياسية وهم اتباع مدرسة التفسير الحي للنصوص الذي يستند الى ان الدستور كيان حي متطور يمتلك معاني متجددة وفق حاجات المجتمع. ووفقاً لهذا الاتجاه فان القاضي الدستوري لايكتفي بمجرد البحث في القضايا المعروضة امامه وفق الاصول والمبادىء القضائية التقليدية وانما يتوسع القاضي الدستوري لممارسة دور قضائي مشوب بصبغة او عباءة سياسية من خلال الاستعانة بعناصر من خارج الدعوى الدستورية قد تكون سياسية او اقتصادية او اجتماعية وتوظيفها في سياسة حسم الدعوى الدستورية.
وقطعاً هذا الاتجاه يقلل من صرامة قاعدة (المدعي اسير دعواه) ويعطي المجال واسعاً للقاضي الدستوري للانطلاق من عنصر قانوني ضيق ليصيب هدف اكبر خارج نطاق الدعوى الدستورية متأثراً بالابعاد والاعتبارات السياسية، وهي ابعاد في الغالب جديرة بالاهتمام مع ضرورة الموازنة بين الاعتبارات القانونية والاعتبارات السياسية والا فقد القاضي الدستوري صفته القضائية واتهم بالانحياز لطرف سياسي.
والحقيقة ان القاضي الدستوري مهما حاول ان ينأى بنفسه عن المآزق السياسية يجد نفسه مضطرا للخوض في حيثياتها واسبابها وعنصر فاعل في تحديد مخرجاتها لاحقاً، لان طبيعة المنازعات التي ينظرها تتعلق بالساسة والمشرعون وان احكامه تؤثر في الغالبية العظمى من المجتمع السياسي ونقصد بذلك الناخبين المؤهلين للانتخاب والترشيح والادلاء بالاصوات في صناديق الاقتراع، فاحكامها قد تقوض كيان سياسي وترفع اخر او قد تثير المعارك والمناكفات السياسية.
لذا فالقضاء الدستوري تحت ضغط دائم من الجماعات السياسية وجماعات المصالح وهم غالباً وجهان لعملة واحدة، وهنا يكون المآزق السياسي والقانوني للقضاء الدستوري لان اتباع حرفية النص معناها فقدان تأثيره السياسي الذي يمس الغالبية العظمى، وان الامعان في مراعات الاعتبارات السياسية يفقده صفته القانونية والقضائية.
وهنا تكمن براعة القاضي الدستوري في مسك العصى من الوسط بما يحفظ التوازنات الدستورية وحماية الدستور ولمن جاء الدستور لحمايتهم، والاصل ان المنازعة الدستورية تخضع لمعايير موضوعية لاكتشاف المخالفة المستترة لاحكام الدستور والولوج لنوايا المشرع، الا ان هذه المعايير وكوابحها ذاتية من خلق القاضي الدستوري نفسه.
وبالتالي لايمكن ان ننفي قطعا الى تحول المعيار الموضوعي الى شخصي بالنهاية، وبالتالي لايمكن ان ننفي تاثر المعيار الشخصي باعتبارات سياسية معينة وهنا تكمن نقطة ضعف هذا الاتجاه، ففي مصر استطاعت المحكمة الدستورية العليا ومن قبلها المحكمة العليا تخطي الاسوار العالية لهذه الحدود وبدأت تاخذ بالعوامل الخارجية بعين الاعتبار انطلاقاً من كون وعي وادراك القاضي من وعي وادراك المجتمع.
وهذا يتطلب بالضرورة ان يكون القضاء الدستوري مستشعراً لما يدور حوله ويعمل على اطفاء الحرائق السياسية دون ان يفقد حياديته وموضوعيته وثقه المواطنين به، لذا يجب ان يكون القاضي الدستوري حذراً عند الخوض في الجوانب السياسية حتى لايقع حامي الدستور في حومة مخالفة الدستور وفي هذا الشأن يقول فقيه القانون الدستوري د.احمد كمال ابو المجد عن ضرورة وجود حدود للدور السياسي للقاضي الدستوري (…ان جوهر السياسة القضائية هو تحديد الحد الفاصل بين اداء القاضي لدور سياسي بالمعنى الواسع من خلال وظيفته القضائية الملتزمة بحدودها وبين تصديه للقيام بعمل سياسي مكشوف يصعب الدفاع عنه لانه تخلص من الرداء القضائي مع ان الرداء القضائي هو الذي منح من اجله الاستقلال ….)، والله الموفق.

الاقتصاد النيابية تبحث المواصفة العراقية لاستيراد المركبات مع جهاز التقييس
3-نيسان-2024
وزير العدل خالد شواني لـ"العالم": نعمل على "أتمتة" عمل التسجيل العقاري وكتّاب العدول
25-آذار-2024
الحسناوي لـ"العالم": حصة المواطن من الموازنة العامة سنويا 4 آلاف دينار
23-آذار-2024
وزير الداخلية لـ"العالم":نخطط لاستبدال المنتسبين الرجال في المطار بكادر نسوي
12-آذار-2024
حادث سير يودي بحياة "مشرفين تربويين" على طريق تكريت - موصل
12-شباط-2024
العراق يتأثر بحالة ممطرة جديدة تستمر لأيام تتبعها ثالثة "وربما رابعة"
12-شباط-2024
هزة أرضية تضرب الحدود العراقية التركية وسكان يستشعرون قوتها في دهوك والموصل
12-شباط-2024
العراق يدعو إلى تدخل دولي لمنع خطط التهجير الجماعي لسكان جنوب غزة
12-شباط-2024
بمشاركة السوداني وبارزاني إنطلاق قمة عالمية بدبي للحكومات
12-شباط-2024
الأمن والدفاع: العراق لا يستطيع حماية أجوائه من المسيرات
12-شباط-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech