بغداد ـ العالم
تذهب سنويا 40 تريليون دينار من خزينة الدولة لصالح سداد الديون المستحقة على الحكومات العراقية، والتي أخذت تثقل كاهل الموازنة العامة، وتولّد مشاكل على المدى البعيد، بسبب فوائدها الثقيلة.
لا يتعدى رصيد إجمالي الديون الاستثمارية المتراكمة والتي تستحق التسوية والتسديد منذ العام 2003 وحتى اليوم، 20 مليار دولار، وفق مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح.
ومؤخرا، وقعت وزيرة المالية طيف سامي مع السفير فوق العادة والمفوض لليابان لدى جمهورية العراق فوتوشي ماتسوموتو، مذكرة تفاهم وقرض بقيمة 300 مليون دولار من وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا)، لمشروع تحسين إمدادات المياه في السماوة.
ويرى المختصون، أن العراق لديه من الإمكانيات والموارد ما يكفي لتمويل حتى دول وليس فقط البلاد والموازنة، داعين إلى البحث عن طرق تمويل جديدة بعيدة عن الاقتراض من خلال وضع خطة خمسية ورؤية اقتصادية واضحة لتحقيق التوازن في الموازنة العراقية، ويصبح العجز صفراً ويستغني العراق عن الاقتراض.
يقول صالح، أن "هناك تمويلاً في الموازنة العامة الاتحادية يؤشر اقتراضاً خارجياً سنوياً عن اتفاقات، منها على سبيل المثال مع البنك الدولي أو الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، أو الصينية حسب اتفاق إطار التعاون، أو من اكسم بنك الأميركي وغيرها، والتي جميعها يتم توجيه أموال تلك القروض نحو تنفيذ مشاريع استثمارية في العراق، ويتم سحب المخصص من القرض حسب تقدم تنفيذ المشروع".
ويضيف، أن "جميع هذه القروض الخارجية ترتبط بالاستثمار، وهي قروض ميسّرة من حيث طول مدة التسديد وفترة السماح، حتى يتم التسديد وبفائدة منخفضة أو مقبولة، ففي الموازنة العامة الاتحادية لعام 2023، تم رصد تمويل في الموازنة الاستثمارية قرابة 10 تريليونات دينار من إجمالي تخصيصات الموازنة الاستثمارية التي لامست 50 تريليون دينار، أي بنسبة 20 بالمائة من إجمالي التخصيصات الموجهة للإنفاق الاستثماري". ويشير إلى أن "مثل هذه القروض تخضع إلى شرط القاعدة الذهبية التي تقضي أن يكون العائد من تشغيل المشروع الاستثماري المموّل بالقروض يزيد في نموّه ذلك المعدل من النمو المتعلق بخدمة الدين"، مبينا أن "طريقة تسديد هذه الديون تنص على دفع القسط السنوي مع الفائدة وما يسمى باستهلاك الدين بالغالب، وعلى وفق تخصيصات سنوية تُعتمد في الموازنة العامة السنوية". وبخلاف حديث المستشار المالي لرئيس الوزراء، يؤكد عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية، باسم الغريباوي، أن "الاقتراض يثقل كاهل الدولة والأجيال القادمة، وهناك قروض من سنوات سابقة باقية، وعمليات تسديدها مستمرة، ونرفض فكرة الاقتراض الجديد".
ويقول الغريباوي، أن "العراق بحاجة إلى نهضة عمرانية وبنية تحتية، وإن الإيرادات النفطية بالوقت الحاضر غير كافية لسد كل الاحتياج، لكن هذا لا يعني الذهاب إلى الاقتراض، بل ينبغي البحث عن طرق تمويل جديدة، والاكتفاء الذاتي بالغاز الذي يكلّف البلاد 10 تريليونات سنوياً، وبالمنتوجات النفطية التي تكلّف 5 مليارات دولار سنوياً، وكذلك ببعض الطاقة".
ويلفت النائب، إلى أن "القروض في حال تمت الاستفادة منها بمشاريع استثمارية تؤسس لبنى تحتية وتوفر إيرادات للدولة، فهذه تعد قروضاً إيجابية، بحسب رأي خبراء المال، ولكن بعض القروض يتم صرفها ومن ثم يجب تسديدها، ما يثقل كاهل الدولة والموازنة العامة".
وبحسب قانون الموازنة العامة لعام 2023، فإن إجمالي الإنفاق حوالي 150 مليار دولار، منها 103 مليارات دولار تقريباً الإيرادات، و49 مليار دولار العجز، وفق الخبير النفطي، كوفند شيرواني. ويضيف شيرواني، أن "قانون الموازنة أقر متأخراً في الشهر السادس من هذه السنة، والتعليمات صدرت في الشهر الثامن، بالتالي لم تتمكن مؤسسات الدولة من إنفاق كل المبالغ المخصصة لها، لذلك متوقع بسبب محدودية الانفاق هذا العام ونحن الآن في الأسبوع الأخير منه، أن يكون الإنفاق أقل من القيمة المقدرة التي هي أكثر من 150 مليار دولار، وبالتالي سيكون العجز أقل من الـ49 مليار دولار".
ويتابع، "من جهة أخرى، أن الإيرادات النفطية المقدرة حوالي 90 مليار دولار، والإيرادات غير النفطية 13 مليار دولار، وهذه الإيرادات كانت مقيّمة على أساس سعر برميل النفط 70 دولاراً، لكن النفط لم ينخفض عن 80 و90 دولاراً طيلة عام 2023، لذلك ستكون هناك وفرة مالية لا تقل عن 10 مليارات دولار، وهي أقل من النقص في الانفاق، بالتالي سيكون العجز قد انخفض إلى حوالي 30 مليار دولار". ويؤكد الخبير النفطي، أن "بارتفاع أسعار النفط وتحسّن الإيرادات الأخرى غير النفطية، لن يكون العراق ملزماً بالاستمرار بالاقتراض كما حصل عامي 2020 و2021 وسن قانون خاص بالاقتراض، لأنه يمكن بسهولة الضغط على النفقات الإجمالية وتقليصها لتكون مقاربة للإيرادات الفعلية، وبالتالي لن يكون هناك نقص أو عجز في الموازنة".
ويكمل شيرواني، "لكن الإبقاء على الاقتراض هو أمر غير صحيح، والأفضل تنمية الإيرادات غير النفطية ورفعها من النسبة المنخفضة التي هي حوالي 14 بالمائة في القانون، بينما الإيرادات النفطية 86 بالمائة".
ويوضح، أن "الاقتصاد العراقي يعتمد بدرجة كبيرة تقارب 90 بالمائة على النفط، وأي تقلّبات بالأسواق النفطية سواء ارتفاعاً أو انخفاضاً ستؤثر كثيراً على المداخيل العامة وتسبب عجزاً متزايداً بالموازنة".
ويؤكد، أن "الأفضل وضع خطة خمسية ورؤية اقتصادية واضحة، عن طريق تنمية الإيرادات الأخرى غير النفطية، وكذلك تنمية الثروة النفطية نفسها، بالاستغلال الأمثل لثروات الغاز الطبيعي، وزيادة المصافي التي توفّر مليارات من الدولارات بالإضافة إلى مبيعات النفط الخام، وتنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل الزراعة والصناعة التي تراجعت كثيراً خلال العقدين الماضيين". ويبيّن، أن "هذه كلها قد تساعد في تحقيق التوازن بالموازنة العراقية، ويصبح العجز حينها صفراً، ويستغني العراق عن الاقتراض الذي يثقل كاهل الموازنة، لأن عليه فوائد ويأخذ جزءاً كبيراً من الموازنة لتسديد القروض والأقساط المتراكمة على هذه القروض وفوائدها". ويتابع، أن "هذه الأمور يجب أن تدخل في احتساب الموازنة، رغم أن الموازنة المقرّة هي لثلاث سنوات 2023 و2024 و2025، لكن بالإمكان إجراء الكثير من التعديلات عليها لعامي 2024 و2025، والمهم قبل كل شيء تقليص النفقات لتقليص العجز وتنمية الإيرادات غير النفطية وتقليص الاقتراض".
ويضيف، "وكذلك ينبغي تنمية الجزء الاستثماري من الموازنة وليس الجزء التشغيلي، لأن الجزء الاستثماري لا يتجاوز 25 بالمائة، وهذا يفترض أن يتضمن إنشاء مشاريع جديدة وتوفير فرص عمل، وهذه المشاريع الجديدة ستوفر دخلاً إضافياً للموازنة، لذلك يجب التركيز عليها، وعدم تقليصها بحجة تغطية العجز الموجود في الموازنة".
الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن الشيخلي، يؤكد أن "العراق لديه من الإمكانيات والموارد تكفي لتمويل دول وليس فقط البلاد والموازنة، وكانت المبالغ المرصودة لآخر موازنة التي هي (2023 و2024 و2025) 200 تريليون دينار، وهذا مبلغ كبير يكفي ويسد الحاجة".
ويقول أن "العراق في بداية التغيير السياسي والاقتصادي الذي حصل بعد عام 2003، كانت هناك حاجة إلى الاقتراض لأن البلاد كنت بحاجة إلى دعم دولي واقتصاديات دول كبيرة، أما في الوقت الحاضر وبعد استقرار الوضع السياسي والأمني في البلاد، فقد انتفت الحاجة من هذه القروض". ويؤكد، "بل من المفترض استثمار إمكانيات البلاد للمشاريع الكبرى التي تحتاج بعض الدول استثمار أموالها في بلادنا وليس على شكل قروض، ولكن لا يزال هناك قصور في أداء الاستثمار العراقي ورغم قانون الاستثمار الذي صدر عام 2006 إلا أن الاستثمار لا يزال يعتمد على طريقة غير صحيحة، لا تتلاءم مع واقع الحال في العراق".
ويتابع الخبير الاقتصادي، "وعليه يفترض خلال الموازنة المقبلة 2024 و2025 استخدام طرق وأدوات جديدة للاستثمار دون الاعتماد على القروض التي تولّد مشاكل على المدى البعيد، حيث هناك حوالي 40 تريليون دينار يجب تسديدها كل سنة، وأحياناً هناك مشاريع استثمارية لتجنب تلكؤها تضطر الحكومة إلى دفع فوائد هذه الديون من المبالغ المخصصة للاستثمار دون تسديد جزءاً من الديون الأصلية".
ويشدد الشيخلي على أهمية "الاعتماد على الإيرادات الداخلية والاستثمارات المهاجرة، حيث هناك الكثير من رؤوس الأموال العراقية هاجرت وتركت العراق منذ عام 1980 ولحد عام 2003، و(زاد الطين بلة) بعد 2003 بمهاجرة أعداد كثيرة أخرى من أصحاب رؤوس الأموال".
ويوضح، أن "محاولة استقطاب أصحاب رؤوس الأموال المهاجرة إلى الداخل لغرض زجّها في استثمارات جديدة، سوف تجنب البلاد الاقتراض".