الخوذة والعمامة
11-تشرين الأول-2023
عامر بدر حسون
يبدو العراق ومنطقتنا عموما اشبه ما تكون بعالم بطل رواية الاحمر والاسود لستاندال.
فذلك البطل يريد الصعود والتقدم في المجتمع فلا يجد فيه من القوى الفاعلة والمؤثرة التي يحترمها المجتمع ويهابها سوى الاحمر والاسود:
والاحمر هو لون الزي العسكري، اما الاسود فهو لون زي رجل الدين!
وعندما تم اصطناع ودعم "الربيع العربي" لم تفرز المجتمعات التي شهدته سوى الاحمر والاسود:
القوى الدينية والقوى العسكرية.
وهما وان استعانا ببعضهما في مراحل.. الا انهما، في موسم الحصاد، اصبحا على طرفي نقيض، وشهدت المجتمعات صراعا مدمرا بينهما سحب قوى المجتمع للخلف وترك المجتمعات فريسة هاتين القوتين.
والعراق، كما العرب، ومن خلال قواه الفاعلة والمؤثرة على ارض الواقع، منقسم بين مؤيد للانقلاب والحكم العسكري، وبين مؤيد لقيام الدولة الدينية.
لا توجد قوى اخرى مؤثرة ولها فاعلية وتأثير على ارض الواقع غير الاحمر والاسود فيه.
فقد ضعف دور القوى اليسارية والعلمانية، وضعف دور القوى القومية او كاد يتلاشى.. والفئات والقوى التي تؤمن بالعصر الجديد ومفاهيمه وقيمه عن الحرية والديمقراطية لا دور لها ولا احزاب حقيقية او فاعلة تؤشر لدورها.
والصراع الذي تعيشه دول المنطقة هو نوع من الصراع المدمر وغير المنتج الا للأفكار القديمة التي اوصلت المجتمعات الى ما هي فيه من بؤس وتخلف.
واذا كان العراق (ولبنان ايضا) يعيشان في ظل الية رحيمة (الدستور ونوع نظام الحكم).. آلية تسمح لهذا الصراع ان يكون مثمرا، ولو على المدى البعيد، فان الدول العربية الاخرى ينهكها ذلك الصراع ويجرها اكثر فاكثر للخلف والى مزيد من التخلف.
والمنطقة كانت في بداية القرن العشرين في حالة "فكرية" افضل مما عليه الان.. فقد تساءلوا يوم ذاك بجدية وعمق:
من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نتطور؟
هل الدكتاتورية وانتظار "المستبد العادل" هو الحل؟
ام ان الديمقراطية واتباع خطى اوروبا التي تعتمد على العلم، هو الذي سيقودنا الى التطور؟
وهي اسئلة، ويا للمأساة، ما زالت مطروحة بعد اكثر من قرن ولم تتم الاجابة عليها..
وافضل ما خرجت به الثقافة السياسية السائدة هي خلطة خرافية جوهرها وامنيتها هي:
ان يتم تنفيذ الديمقراطية من خلال حكم يديره "مستبد عادل"!
لكن هذا المستبد العادل لا وجود له الا في حكايات الف ليلة وليلة وفي العقول الكسلى والخاوية.