الدراما قراءة جمالية لصانعها
25-شباط-2023
د. محمد حماد
في الآونة الأخيرة كثر الحديث وتصاعد الخلاف حول الدراما التلفزيونية التاريخية الذي انتجته قناة (MBC) الفضائية عن شخصية مؤسس الدولة الأموية (معاوية بن أبي سفيان) وهي شخصية تاريخية لها أثرها في التاريخ الإسلامي على المستوى السياسي والعقائدي، وكانت مصدر خلاف بين فرقاء العقائد الإسلامية منذ قرون خلت، ومن المعلوم أن في كل أمر مستحدث تكون هناك ردة فعل من بعض الناس تستهجنه لأنه جديد عليهم، ولكن هل تناول شخصية دينية أو تاريخية مقدّسة أو شخصية تاريخية مؤثرة أمر جديد في الدراما السمعية المرئية؟! الجواب بالتأكيد هو كلا، إذ سبقت هذا العمل الفني تجارب كثيرة مشابهة على المستوى العالمي والعربي والمحلي، ولكن الغريب أن يتغاظى البعض أو يتناسى أن أي عمل فني يمثّل وجهة نظر من ينتجه ويصنّعه، فالأعمال الفنية هي رؤية جمالية لصانعها، ولا تتفرد الأعمال الفنية بأنواعها المختلفة بذلك بل أن ذلك يشمل حتى الأعمال التاريخية، وإن اختلفت شروط صناعة كل منهما (الفنية ــ التاريخية)، فالتاريخ مختلف عليه بين المؤرخين، لاسيما التاريخ الإسلامي الذي لم يدّون في صفحات الكتب إلا بعد مرور أربعة قرون على ظهور الإسلام، أي بعد ظهور الخلافات السياسية والعقائدية بين المسلمين، وبالتالي كل من ينتمي إلى فئة يقرأ التاريخ من منظوره الفكري والعقائدي فلماذا الاستهجان على من يقرأ التاريخ من وجهة نظره ليقدّمه فنيا في عمل تلفزيوني، وقد سبق الفن السينمائي العالمي ذلك في أعمال تناولت سير الأنبياء (عليهم الصلاة السلام أجمعين) من وجهة نظر خالفت ما جاء في الكتب السماوية، لاسيما القرآن الكريم، وبشكل جلي وواضح، وشواهد ذلك سجلت حضورها العلني أيضا في انتاج الدراما التاريخية التي تناولت؛ سير الرموز الإسلامية من أهل البيت الأطهار (عليهم السلام أجمعين) أو من الشخصيات المؤثرة عقائديا أو سياسيا من الصحابة الكرام (رضوان الله عليهم أجمعين) أو غيرها من الشخصيات التاريخية التي كان لها أثر سلبي أو إيجابي في التاريخ الإنساني، وتناولتها الدراما السمعية المرئية العربية والإيرانية والتركية وغيرها، وكل منها قدّمت رؤيتها الفنية في التاريخ، ولم تخضع جميعا إلا لشروط الرقابة وقوانين الدولة التي تنتمي لها الشركة المنتجة، فالأعمال ـ تاريخية وفنية جميعا ـ لا تخضع لرؤية فكرية أو عقائدية واحدة ولا توجد جهة رقابية واحدة لها القدرة على أن تسيّر أو تُخضع الجميع لقانون واحد ينطبق عليها جميعا.
وفي الختام على من لا يتفق مع هذا العمل الفني أو ذاك أما أن يقدّم ما يطرح من وجهة نظر مخالفة له بذات الصياغة الفنية، عبر نتاجات سينمائية أو تلفزيونية ..إلخ، أو غيرها من النتاجات، من مقالة نقدية فنية أو تاريخية ..إلخ، إن كان صاحبها متمكّنا من ذلك، وأما أن يمتنع عن رؤيته فيتجنّب مغثته، وأما أن يشهاده ويرفض ما فيه في قلبه وذلك أضعف الإيمان، فإن المكلف بالرد هو المتمكن من الرد لأنه يضع الأمور في نصابها ويقارع الحجة بالحجة والرؤية بالرؤية والفكر بالفكر، أما هذا اللغط المجاني والانفعال العاطفي من غير الاختصاصيين فإنه يظيف إلى العمل الفني ولا ينقصه.