الديمقراطية في العراق بين الجوهر والمظهر
20-أيلول-2023
نزار حيدر
للتَّذكيرِ فقط ومن أَجلِ فهمِ مسارات الديمقراطيَّة عندنا فإِنَّ العراق مرَّ بتجرِبتَينِ في الديمقراطيَّة منذُ التَّأسيس عام ١٩٢٠ ولحدِّ الآن؛
الأُولى إِثرَ الإِحتلال البريطاني عام ١٩١٧ فلقد أَقامَ البريطانيُّونَ نِظاماً سياسيّاً ديمقراطيّاً نصَّ عليهِ الدُّستور الذي كتبوهُ للعِراقيِّين [كتبت الدُّستور لَجنة شكَّلتها الحكُومة البريطانيَّة وقد تكوَّنت من المُعتمد السَّامي (برسي كوكس) والميجر (يونغ) من دائرة الشؤُون الشرقيَّة بوزارةِ المُستعمرات والمستر (دراورد) المُستشار القضائي لدار الإِعتماد البريطاني.
وبعدَ كتابةِ مُسوَّدتهِ أُرسِلت إِلى وزارةِ المُستعمراتِ في لندن، ثُمَّ تشكَّلت لَجنةً عراقيَّةً ضمَّت عدَّة شخصيَّات، وبعد عَرض المُسودَّة على المجلسِ التَّأسيسي قرَّر المجلس إِقرارها وفي (١٩٢٥/٣/٢١) صادقَ الملِكُ على الدُّستور]
ولقد ظلَّ نظامنا الدِّيمقراطي أَعرَجا يُراوحُ مكانهُ ولم يتطوَّر لأَسبابٍ عدَّة حتى عام ١٩٥٨ عندما سقطت الديمقراطيَّة ومظاهِرها وأَدواتها وكُلَّ مُؤَسَّسات الدَّولة بالانقلاب العسكري الذي نفَّذهُ [الضُّباط الأَحرار] ومِن ورائهِم جبهة التَّحالف السِّياسي التي ضمَّت [حزب البعث العربي الإِشتراكي والحزب الشُّيوعي العراقي والحزب الدِّيمقراطي الكُردستاني] وذلكَ في يَوم ١٤ تموز من ذلك العام، لتبدأ دَورة النُّظم الإِستبداديَّة والديكتاتوريَّة التي اعتمدت عَلى الثَّالوث المشؤُوم [تسخير الجيش في لُعبةِ السُّلطة والسِّياسة وتشكيل وسيطرةِ الميليشياتِ على الحياةِ العامَّة و (ثقافة) القتل والسَّحل والتَّآمر والتَّصفيات].
الثَّانية إِثر الإِحتلال الأَميركي عام ٢٠٠٣ فلقد أَقام الأَميركان نظاماً سياسيّاً ديمقراطيّاً مازال يُراوح مكانهُ هو الآخر ويسيرُ بطريقةٍ عَرجاء.
في المرَّة الأُولى سلَّم [الإِحتلال] السُّلطة بيَد سُنَّة العراق نظيرَ تعاونهِم مع الغازي المُحتل مع مُشاركةٍ ضعيفةٍ من قِبَلِ بقيَّة المُكوِّنات.
أَمَّا في المرَّةِ الثَّانيةِ فقد انتزعَ الأَميركان السُّلطة من السُّنَّة وسلَّموها للشِّيعةِ نظيرَ تعاوُنهِم مع الغازي المُحتل مع مُشاركةٍ واسِعةٍ من قِبَلِ بقيَّة المُكوِّنات.
وبرأيي فإِنَّ السَّبب المُباشر لعدمِ تطوُّر الديمقراطيَّة في الحالتَينِ يعودُ إِلى العراقيِّينَ أَنفُسهم بالإِضافةِ إِلى أَسبابٍ إِقليميَّةٍ ودَوليَّةٍ عديدةٍ.
كانَ عليهِم أَن يوظِّفُوا [ديمقراطيَّة الغازي المُحتل] لصناعةِ [ديمقراطيَّةِ الشَّعب] لينعتِقَ النِّظام السِّياسي برمَّتهِ من تأثيرات الغزُو وهيمنةِ الإِحتلال المُباشِرة وغَير المُباشِرة.
والسَّببُ برأيي إِنعدامِ رُؤيةِ الدَّولةِ وتغوُّلِ ثقافةِ السُّلطةِ.
أَمَّا خُلاصة هذهِ التَّذكرة فهي؛ أَنَّ العِراق شهِدَ تجربتَينِ ديمقراطيَّتَينِ بأَدواتِها وبضِمنها الدُّستور، في ظلِّ إِحتلالَينِ، فالتَّجربتانِ لم تكُن ذاتيَّة بجُهدٍ وطنيٍّ وإِنَّما بفعلِ فاعلٍ، ولولا هذا الفاعِل [الغزو الأَجنبي والإِحتلالِ] لما تمتَّعَ العراق حتى بهذا القدَرِ من هامشِ الديمقراطيَّة ولم يكُن ليشُمَّ يَوماً عِطرَ الدُّستور!.
والديمقراطيَّةُ لها جَوهرٌ ولها مَظهرٌ؛
فأَمَّا المظاهِر فصندُوق الإِقتراع والمُرشَّح والنَّاخب وحريَّة التَّعبيرِ وحريَّةِ الإِعلامِ والصَّحافة والدُّستور وغيرِ ذلكَ.
وأَمَّا الجَوهر فهيَ برأيي أَربعةٌ؛
أ/ تداوُل السُّلطة وتداوُل النُّخب السياسيَّة وليسَ تدويرَها، فصُندوق الإِقتراع الذي لا يُنتِجُ فائزاً وخاسِراً عبثٌ لا معنى لهُ.
ب/ المسؤُوليَّة فكُلُّ مَن يتصدَّى لموقعٍ ما فإِنَّ عليهِ أَن يتحمَّل مسؤُوليَّة المَوقع، تخطيطاً وإِدارةً وأَدوات وتنفيذاً، ولذلكَ نصَّت الدَّساتير على مبدأ الرَّقابة كأَحدِ أَركانِ واجباتِ المجالسِ النيابيَّةِ كما وردَ ذلك في المادَّة (٦١) ثانياً من الدُّستور الدَّائم والتي نصَّت على ما يلي [الرَّقابة على أَداء السُّلطة التنفيذيَّة].

ومن الواضحِ فإِنَّ الغرضَ من الرَّقابةِ هو تحديدِ المسؤُوليَّة.
ج/ التَّمييز بين النَّاجح والفاشِل بالمعاييرِ الحقيقيَّةِ وليسَ بالولاءاتِ.
يَقُولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر {ولَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإِسَاءَةِ، وأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ}.
د/ حاكميَّة القانُون الذي يكونُ فوقَ الجميع، فلا يفلِت قويٌّ مدعومٌ من المُساءلةِ والعقابِ ويصطادُ الضَّعيف غَير المدعُوم.
والآن؛ إِذا أَردنا أَن نُطبِّق هذه المقاسات على واقعِ الديمقراطيَّةِ الحاليَّةِ لنحكُمَ عليها بالنَّجاحِ أَو الفشلِ، فسنجدُ ما يلي؛
١/ أَنَّ الديمقراطيَّةَ لم تُحقِّق مبدأ تداوُل السُّلطة فمنذُ التَّغيير ولحدِّ الآن فإِنَّ نفس القُوى السياسيَّة التي استلمت السُّلطة من [المُحتلِّ الأَميركي] بعد سقُوط نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين هي نفسَها تُمسِكُ بها بمُساعدةِ وحِمايةِ وتمكينِ الغازي المُحتلِّ لها من دونِ أَيِّ تداوُلٍ على قاعدةِ أَنَّ كُلَّ البرلمان يشترك في تشكيلِ الحكومةِ.
هذهِ القاعِدة هي النَّتيجة الطبيعيَّة لتبنِّي القُوى السياسيَّة نظريَّة ما أَطلقوا عليها بـ [النَّتائج المُتوازنة] وهي التي تعتمد [الحجومات الواقعيَّة] للقُوى السياسيَّة وليسَ [الحجومات] التي يُنتجها صندُوق الإِقتراع!.
وبذلكَ تمَّ عمليّاً إِلغاء صُندوق الإِقتراع.
وهي الظَّاهرة التي أَلغت مبدأ الفائِز والخاسِر وبالتَّالي الأَغلبيَّة والأَقليَّة، أَغلبيَّة حاكِمة وأَقليَّة مُعارضة، وهو المبدأ الذي يعتمدُ عليهِ مبدأ تداوُل السُّلطة.
٢/ وبسبب غَياب هذا المبدأ ضاعت المسؤُوليَّة في الدَّولة إِذ ضاعَ مبدأ المُراقبة والمُحاسبة والمُساءلة ولذلك لم نلحظ أَنَّ أَحداً تحمَّلَ مسؤُولية أَيَّ شيءٍ من كُلِّ الأَزَمات والمشاكل التي أُريقت بها دماءٌ وانتُهكَت أَعراضٌ وسقطت مُحافظات، معَ كُلِّ ذلكَ لم نسمع أَنَّ أَحداً، زعيماً كان أَم حِزباً، تحمَّل المسؤُوليَّة فوقفَ خلف القُضبان يُواجه العدالةَ والقَضاء.
٣/ وفي ظلِّ هذهِ الديمقراطيَّة لم يعُد لمفهُومِ [الثَّواب والعِقاب] معنىً فكُلُّ الذين يتصدَّونَ للمسؤُوليَّة سواسِية فشلُوا أَم نجحُوا، ولذلكَ غابَ مفهُوم التَّنافس على مُستوى الدَّولة ومُؤَسَّساتها.
والسَّبب طبعاً لأَنَّ الدَّولة لا تعتمد المَعايير الحقيقيَّة والحضاريَّة في تدويرِ مواقعِ المسؤُوليَّة وعلى رأسِها السِّجلِّ الوظيفي النَّاجح والمعرفة والخِبرة والقُدرة على الإِنجاز والنَّزاهة، أَبداً، وإِنَّما المِعيار الوحيد المعمُول بهِ هوَ الولاءُ فحسب، الولاءُ للزَّعيمِ والحزبِ وربَّما للكُتلةِ التي تتحكَّم بهذا الموقعِ أَو ذاكَ.
٤/ أَمَّا القانون فلقد انقلبت مُعادلتهِ لتكونَ [الجميعُ فَوْقَ القانُون] والذي يُستثنى من هذهِ القاعِدة هو غير المدعُوم الذي يسحقهُ القانون سحقاً ولا يُبالي!.
بقيَ أَن نُشير إِلى نُقطةٍ جَوهريَّةٍ في غايةِ الأَهميَّة بهذا الصَّددِ وهي؛ أَنَّ المُحاصصة والديمقراطيَّة على طرفَي نقيضٍ لا يُمكِنُ أَن يجتمِعا، وللأَسفِ الشَّديد فإِنَّ المُحاصصة التي بدأَ العملُ بها بُعيدَ سقوط الصَّنم عام ٢٠٠٣ والتي أَرادوها كمرحلةٍ إِنتقاليَّةٍ فقط لحينِ إِنجازِ التحوُّل بين عهدَينِ وإِلى حينِ استتبابِ النِّظام السِّياسي وتبنِّي الدُّستور، هذهِ المُحاصصة استمرَّت إِلى الآن كبديلٍ عن الديمقراطيَّةِ، ولذلكَ تمَّ بالمُحاصصةِ إِلغاء جَوهر الديمقراطيَّة وبقِيت مظاهرَها صارخةً!.
إِنَّ صُندوق الإِقتراع اليَوم تحوَّل إِلى ملهاةٍ لا معنى لهُ، وإِنَّ نتائجهُ لم تعُد تُحدِّد هويَّة الفائِز والخاسِر، ولقد رأَينا في الإِنتخاباتِ النيابيَّةِ الأَخيرةِ كيفَ أُزيحَ الفائز الأَوَّل ليُمسِكَ الخاسِر الأَوَّل بالسُّلطةِ مرَّةً أُخرى.
لقد كانَ في العالَم [١٣٤] دَولة تجري فيها الإِنتخابات من دونِ فائدةٍ، والآن أُضيفَ لها العراق لتصبحَ [١٣٥] دَولة!.

وبذلكَ أَضاعت النُّخب السياسيَّة فرصتانِ، فكم يحتاجُ العِراق قبلَ أَن يتُمَّ توطينِ التَّجرِبةِ الديمقراطيَّةِ الثالِثة؟! وفي ظلِّ أَيِّ غَزوٍ واحتلال؟!.
الاقتصاد النيابية تبحث المواصفة العراقية لاستيراد المركبات مع جهاز التقييس
3-نيسان-2024
وزير العدل خالد شواني لـ"العالم": نعمل على "أتمتة" عمل التسجيل العقاري وكتّاب العدول
25-آذار-2024
الحسناوي لـ"العالم": حصة المواطن من الموازنة العامة سنويا 4 آلاف دينار
23-آذار-2024
وزير الداخلية لـ"العالم":نخطط لاستبدال المنتسبين الرجال في المطار بكادر نسوي
12-آذار-2024
حادث سير يودي بحياة "مشرفين تربويين" على طريق تكريت - موصل
12-شباط-2024
العراق يتأثر بحالة ممطرة جديدة تستمر لأيام تتبعها ثالثة "وربما رابعة"
12-شباط-2024
هزة أرضية تضرب الحدود العراقية التركية وسكان يستشعرون قوتها في دهوك والموصل
12-شباط-2024
العراق يدعو إلى تدخل دولي لمنع خطط التهجير الجماعي لسكان جنوب غزة
12-شباط-2024
بمشاركة السوداني وبارزاني إنطلاق قمة عالمية بدبي للحكومات
12-شباط-2024
الأمن والدفاع: العراق لا يستطيع حماية أجوائه من المسيرات
12-شباط-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech